الخليج أونلاين-
زلزال "عبودية جنسية" هزّ البحرين مجدداً، بعد الكشف عن شبكة اتجار بالبشر تستدرج فتيات أجنبيات وتجبرهن على العمل في الدعارة والبغاء.
ويعد الاتجار بالنساء من الجرائم التي تعاقب عليها كل القوانين الجزائية في جميع الدول، لكنه يشكل في الدولة الخليجية إحدى الجرائم المنتشرة فيها والتي نادراً ما تتم ملاحقتها.
ولم تكن الفضيحة الجديدة التي أُعلن عنها في شهر فبراير 2020، بعد القبض على عصابة تتاجر بالفتيات، سوى حلقة من سلسلة فضائح سابقة تم الكشف عنها، في حين لا تزال مئات من الجرائم لم يُكشف عنها بعدُ.
كازاخستان تفضح البحرين
لم تكن السلطات البحرينية لتتحرك لإلقاء القبض على عصابة تتاجر بالفتيات، لولا إبلاغ قنصلية بلد آسيوي في المنامة، السلطات بتعرُّض إحدى رعاياها للتعذيب من أجل إجبارها على ممارسة الدعارة.
وذكرت وكالة "بنا" الرسمية البحرينية، أن إلقاء القبض على العصابة جاء بعد تلقي الشرطة بلاغاً من القنصلية الكازاخية، "حيث بادرت شرطة مكافحة الاتجار بالبشر بإجراء التحريات، التي توصلت إلى الضحية، كما تم التوصل إلى هوية عشرين ضحية أخرى تم استغلالهن بالإكراه لإجبارهن على ممارسة الدعارة".
وأضافت الوكالة: "كشفت التحريات عن قيام متهم بحريني الجنسية بترؤس جماعة إجرامية تتألف من أربع نساء كازاخستانيات، يعملن تحت إمرته في استغلال الفتيات وإجبارهن على ممارسة الدعارة، في حين تولى متهم أجنبي آخَرُ استقبال الفتيات عند وصولهن للبلاد، ونقلهن إلى الزبائن من راغبي المتعة".
وأشارت إلى أن "الشرطة تمكنت من القبض على المتهمين كافة، كما تم ضبط متحصلات الجريمة الناشئة عن الاتجار في الضحايا، والتي من ضمنها مبلغ مالي يناهز مئتي ألف دينار، فضلاً عن مواد مخدرة".
وقال نواف العوضي رئيس النيابة بالبحرين، في 22 فبراير 2020، إن النيابة العامة أنجزت تحقيقاتها في واقعة الاتجار بفتيات أجنبيات وحجز حريتهن بغير وجه قانوني، وأمرت بإحالة تسعة متهمين محبوسين إلى المحاكمة الجنائية لجلسة 3 مارس المقبل أمام المحكمة الكبرى الجنائية.
أحداث مماثلة
في مارس 2017، قضت المحكمة الجنائية في البحرين بحبس شرطي 15 يوماً على ذمة التحقيقات في قضية اتجار بالبشر ضمَّت فتيات من الجنسية الكولومبية.
وذكرت وسائل إعلام بحرينية حينها، أن شرطياً يبلغ من العمر 38 عاماً، يعمل في الدوريات المدنية، احتال بالتعاون مع متهم آخر كولومبي، على فتيات كولومبيات، من خلال نشره إعلانات على مواقع التواصل الكولومبية عن فرص للعمل في البحرين.
وأضافت: "يتم التواصل مع المتقدمات، عن طريق المتهم الثاني، ويتم اختيار الفتيات وإرسالهن إلى البحرين، حيث يستقبلهن المتهمان ويقومان باحتجازهن في أحد الفنادق، وإجبارهن على ممارسة أعمال منافية للآداب العامة".
وفي يوليو من العام نفسه، كشف انتهاء تأشيرة إحدى الأجنبيات شبكة اتجار بالفتيات مؤلفة من رجل وامرأة يحتجزان الفتيات غصباً، ويجبرانهن على ممارسة الدعارة.
وفي التحقيق معها، قالت المجني عليها إنها فتاة من أسرة فقيرة ومطلقة ولديها أبناء، وعرضت عليها سيدة من جنسيتها العمل مربية أطفال في البحرين براتب مغرٍ فوافقت، وحين وصلت إلى البحرين حضرت إليها امرأة ورجل بحريني الجنسية، وأخذا جوازها وتم إجبارها على ممارسة الدعارة وتهديدها بالقتل في حال رفضت، أو أن تدفع 4500 دينار مقابل حياتها وحريتها.
وأشارت إلى أنها رضخت لمطالبهما وبدأت تمارس الدعارة مقابل 30-50 ديناراً، ولفتت إلى أنها كانت محتجزة مع 3 فتيات لا تتجاوز أعمارهن 26 سنة بالفندق ذاته.
وفي مارس 2015، قضت المحكمة الكبرى الجنائية (الدائرة الأولى) بالسجن 10 سنوات لـ3 مدانين أجبروا 4 نساء عربيات على ممارسة الدعارة، وموظف جوازات سهَّل دخولهن البحرين.
وفي التحقيقات أقر المجني عليهن بأنهن حضرن للعمل بأحد الفنادق بناء على اتفاق مسبق مع أحد المدانين، وبعد وصولهن حجز المدانان والمدانة الثالثة في القضية من جنسيتهم ذاتها، جوازات سفرهن واحتجزوهن وقيدوا حريتهن، وأجبروهن على ممارسة الدعارة بالتهديد والاعتداء على إحداهن.
واعترف اثنان من المقبوض عليهم باقتصار دورهما على إحضار الفتيات للعمل داخل البحرين بالدعارة لحسابهن الخاص، مقابل هدايا يحصلان عليها، وأقرا بأن موظفاً بالجوازات سهَّل إجراءات دخولهن البلاد نظير مبالغ مالية.
استغلال جنسي
في مايو 2019، كشف عبد الإله الخضري رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عن تعرُّض مغربيات لعملية الاتجار في البشر، من خلال الاستغلال الجنسي في عدة دول عربية، مشيراً إلى أن البحرين إلى جانب الإمارات والسعودية أيضاً تتصدر الدول العربية من حيث جلب فتيات من المغرب للعمل في الدعارة والسُّخرة، تحت مزاعم عقود عمل صورية.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن الخضري، قوله إن هناك كثيراً من الشبكات تقوم على هذه العمليات باحترافية عالية، وبعضها يقع بين الحين والآخر، خاصة بعد رفع بعض الفتيات قضايا أمام القضاء.
وأضاف: "إلا أنه في الغالب يصعب إثبات عمليات الاستغلال؛ لكونها تمَّت في دولة أخرى، حيث تتم عن طريق عقود رسمية مقننة للعمل في مجالات محددة، إلا أن بعضهن يجبرن على ذلك".
بلد الجنس
يقول الناشط عبد الله السامعي، إن المنامة عاصمة البحرين، يشاع أنها مدينة "ممتازة للجنس، فقد ورد اسمها في مجلة Ask Men البريطانية ضمن قائمة أفضل المدن في مجال الدعارة، وهذا ما يعكس سبب انتشار عصابات الاتجار بالبشر فيها".
ويضيف السامعي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "استمرار السماح الرسمي بالدعارة في بلد محافظ ومسلم كالبحرين، يسمح بوجود عملية منظمة لعصابات محلية وعصابات دولية، تقوم بعملية الاتجار بالفتيات تحت مسميات العمل وإجبارهن على العمل في الدعارة".
وتابع: "للأسف هذه الظاهرة انتشرت كثيراً في دول عربية مختلفة، وما يحدث في البحرين أمر طبيعي، خصوصاً أن من يتم استغلالهن فتيات فقيرات قدِمن من أجل كسب الرزق الحلال، ليجدن أنفسهن أمام وحوش مفترسة تقوم باستغلالهن".
ويرى أنَّ تساهل السلطات البحرينية مع انتشار هذه الظاهرة "يسهم في تفشي هذه الظواهر المرفوضة دينياً واجتماعياً"، مؤكداً أن السلطات هي التي تتحمل مسؤولية كل ذلك وتوابعها، ويحق للمتضررين محاسبتها دولياً.
انتقاد سابق من واشنطن
ويبدو أن انتشار عصابات الاتجار بالفتيات ليس جديداً ألبتة؛ بل هو قديم منذ سنوات طويلة، ففي 2009، انتقد تقرير الاتجار بالبشر، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، ما سماه "عدم التزام البحرين، بشكل كامل، المعايير الدنيا المطلوبة لمكافحة الاتجار بالبشر".
وقال التقرير حينها: "إن الحكومة البحرينية أدانت لأول مرة في 2008، متهمين بالاتجار بالبشر من أجل الجنس، واستحدثت في يوليو 2008 نظاماً جديداً للتأشيرة يفتح المجال لإزالة نظام الكفيل، ولكن مع كل هذه التطورات المهمة فإن الحكومة لم تعطِ أدلة واضحة على التقدم في مجالات مهمة لحماية ضحايا الاتجار بالبشر أو معاقبة من يقومون بهذه المتاجرة".
واعتبر أن مملكة البحرين "إحدى الدول التي تعتبر مركزاً للاتجار برجال ونساء يتم نقلهم إليها بغرض العمل في ظروف صعبة أو من أجل تجارة الجنس".
ووفقاً للتقرير، فإن "الرجال والنساء الذين يتاجَر بهم في البحرين يقْدمون من دول الهند، وباكستان، ونيبال، وسريلانكا، وبنغلادش، وإندونيسيا، وتايلاند، والفلبين؛ وإثيوبيا وإرتريا، وهؤلاء يرتحلون إلى البحرين طواعية للعمل في قطاعات عمل رسمية أو كخدم للمنازل، ولكن بعضهم تُفرض عليه خدمات خارج ما كان متوافقاً عليه عند قدومهم إلى البحرين".
ويضيف التقرير: "كما أنهم وعند وصولهم إلى البحرين يتم احتجاز جوازات سفرهم، ويُمنعون من الحركة داخل البلاد، ولا تُدفع معاشاتهم بصورة منتظمة، ويتعرضون للتهديد وحتى الاعتداء الجسدي والاغتصاب الجنسي".