القدس العربي-
تابعت وسائل الإعلام العالمية باهتمام كبير التفاصيل التي تكشّفت في جلسة الحكم في القضية التي رفعتها الأميرة هيا بنت الحسين على زوجها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، ورغم الطابع «العائلي» الذي قامت عليه الدعاوى المقامة، فقد أظهرت تلك التفاصيل أبعادا سياسية شديدة الأهمية.
أسباب ذلك كثيرة طبعاً، ومن أهمّها أن الشيخ محمد هو شخص مسؤول في إحدى الدول الشديدة الثراء، والتي أظهرت، وخصوصا خلال العقد الماضي وحتى الآن، ميلا شديدا للعب أدوار عالميّة وإقليمية خطيرة، وخصوصا في مجال مناصبة العداء للثورات العربية التي تتالت منذ عام 2011، بحيث صارت لها جيوش وميليشيات في أكثر من بلد، وفي مجال التحالف مع اتجاهات سياسية يمينية متطرفة في العالم، وكذلك في لعب دور كبير في حيثيات التطبيع مع إسرائيل والتلاعب بالقضية الفلسطينية.
شكلت المحاكمة منصة أيضاً لتطرّق وسائل الإعلام لحجم الشيخ محمد في سوق الاستثمار في صناعة سباقات الخيل في المملكة المتحدة، والعلاقة الخاصة التي جمعته، بالملكة البريطانية اليزابيث الثانية، المعروفة بحبّها للخيل وسباقاتها، كما كشفت ملابسات سياسية مهمّة منها أن الشيخ استخدم نفوذه لدى السلطات في طلب إغلاق التحقيقات بخصوص اختطاف ابنته شمسة من أحد شوارع مدينة كامبريدج عام 2000، وقد توقف التحقيق فعلا، حسب صحيفة «التايمز»، «بتوجيهات من حكومة (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق) توني بلير»، وأن وزارة الخارجية البريطانية رفضت وقتها إعلان أي تفاصيل حول ذلك الاختطاف.
سلّطت وسائل الإعلام البريطانية الضوء على أشكال «التواطؤ» البريطاني مع النفوذ السياسي والمالي لنائب رئيس الإمارات حاكم دبي، وعلى فضح تفاصيل خطف الأميرتين شمسة ولطيفة، كما ركزت على تعرّض سمعة الشيخ محمد بن راشد لضربة قويّة جدا، فيما نبهت الصحافة العالمية إلى قضية أخرى، وهي ما تم تداوله في المحكمة عن محاولة الشيخ محمد تزويج ابنته من الأميرة هيا، المسماة الجليلة، والتي كانت حينها في عمر 11 عاماً، لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو أمر مسيء بالمقاييس الإنسانيّة وحتى الأبوية، ويكشف «خلطة» الاستبداد العائلي وعلاقته الوثيقة بالاستبداد السياسي.
دأبت الإمارات منذ عقود على تقديم صورة للدولة الحديثة ذات المعمار المذهل والاستثمارات المفتوحة على أركان المعمورة مما جعلها مركزا كبيرا لاستقبال الرساميل والشركات والأشخاص من كافة أنحاء العالم، وللحفاظ على هذه الحالة «العالمية» انفتحت الإمارات عموما، ودبي خصوصا، فصار أغلب ساكنيها ينطقون بالانكليزية بمن فيهم المواطنون الإماراتيون، ومع الانفتاح على اللغات والثقافات تأثر الإماراتيون بدورهم بتلك الثقافات الاجتماعية والفكرية والسياسية، وصار طبيعيا بالنسبة لهم أن يكون لهم، مثل باقي البشر، حرّيات عامّة تتوازى مع الحريات الفرديّة التي يتمتعون إلى حد كبير بمزاياها.
حكام الإمارات، من جهتهم، وخصوصا مع تحكم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمقاليد السلطة، اخترعوا نظاما خاصاً يتغنى بالتسامح والسعادة والحكومة الالكترونية، ولكنه يراقب الناس على مدار الساعة، ويضيق بأي شكل من أشكال النقد، وما كان لهم أن يرهبوا مواطنيهم وبقية السكان إلا باختراع عدو أيديولوجي في الداخل والخارج، يبرر حكم الاستبداد والتدخل بحياة البشر، داخل وخارج الإمارات.
بزواجه من الأميرة هيا، حاول الشيخ محمد، أن يجمع أيضا بين الاستبداد الحديدي وأقنعة التسامح والحداثة، ولكن سوء حظّه، أن «الجائزة» التي حظي بها بزواجه بهيا، والتي حاول أن يهديها لحليفه محمد بن سلمان عبر تزويجه بابنته الجليلة (حسبما ذكرت الأميرة هيا في المحكمة)، ليست ضعيفة الشأن كما حال الأميرتين شمسة ولطيفة، وأن محاولات إرهابها أدت إلى نتيجة معاكسة، وأن القضاء البريطاني، الذي لا يخضع لنفوذ الحكومة، تمكن من هزيمة كذبة الانفتاح والعالمية والتسامح التي ترفع لواءها الإمارات.