الخليج أونلاين-
انتقلت المرأة السعودية من الظل إلى جزء من الضوء بالمجال العام بالمملكة، في السنوات القليلة الأخيرة، بعد إقرار بعض القوانين التي أعطتها بعضاً من حقوقها، وإن كانت نسبة من القرارات يطولها النقد من قبل المجتمع المحافظ والرافض للتغيير.
وبعد تفشي وباء فيروس كورونا المستجد كان للمرأة السعودية حضورها البارز في المستشفيات وميادين الصراع مع وباء كورونا، في ظل ارتفاع نسبة العاملين في المجالات الصحية من طبيبات وممرضات.
في مواجهة الوباء
وأثبتت المرأة العاملة في السعودية ذاتها عبر تقديم مبادرات منذ بدء تفشي الفيروس في المملكة؛ عبر توزيع المعقمات والكمامات والقفازات الوقائية للناس في الطرقات والأسواق، بالإضافة إلى توزيعها على رجال الأمن المنتشرين في الطرقات.
وعملت نحو 160 سيدة في مصنع بالرياض مختص بصنع الكمامات وغيرها من الأدوات الطبية، حيث مثلن نسبة 23% من عدد العاملين، في تطور ملحوظ بأعداد العاملات بالمملكة.
وقامت سيدات سعوديات بتهيئة سياراتهن الخاصة لتوصيل الطلبات من الصيدليات إلى منازل المواطنين مجاناً ودون مقابل؛ في فترات حظر التجول الجزئي والكلي التي كانت مفروضة.
وقادت ناشطات اجتماعيات سعوديات حملات توعية لربات البيوت والأسر لحماية أبنائهن وذويهن من مخاطر الجائحة، باعتبار المرأة خط الدفاع الأول عن الأسرة؛ لمسؤوليتها في النظافة والتربية والغذاء الصحي وإقناع الأطفال بالتزام البيوت.
وخصصت وسائل الإعلام الرسمية نوافذ للمرأة السعودية للمشاركة في التوعية من الوباء، فقد نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" عن أستاذة قسم تغذية الإنسان بجامعة طيبة، الدكتورة سها عبد الجواد، النصائح لأمهات وربات المنازل للمحافظة على صحة أسرهن والوقاية من فيروس كورونا.
وتبنت المملكة مجموعة متنوعة من التدابير والخطوات من خلال إشراك المرأة في اتخاذ القرار بشأن الاستجابة والتعافي من الفيروس عبر وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
ودعمت الرياض مشاركة المرأة بنسبة 25% من الأعضاء في المؤسسات الخاصة، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ومجالس البنوك والغرف التجارية، أو عبر الجمعيات التي تقودها النساء.
وفي 16 مايو 2020، نظم مجلس الغرف السعودية، بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية، لقاءً افتراضياً بعنوان "مبادرات الموارد البشرية لتمكين المرأة من مواجهة الآثار الاقتصادية والمالية لجائحة كورونا".
وعلى صعيد دولي قالت الدكتورة شريفة الزهراني، رئيسة اللجنة الاجتماعية بوفد المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة، في 28 يونيو 2020، إن الظروف الاستثنائية لعام 2020 شكلت تحدياً للتقدم المحرز فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فضلاً عن تمكين النساء والفتيات، موضحة أنه مع وباء كورونا تطلب معالجة الأزمة الصحية وكذلك الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا الوباء، لا سيما على النساء والفتيات، وبذل جهود أكبر لمعالجة العنف الذي تولد ضدهن أثناء الجلوس في المنازل.
سابقة.. مستشفى باسم سيدة
وباعتبار أن قسم التمريض يغلب عليه النساء في عموم أنحاء العالم، فيما يتقاسم الأطباء والطبيبات الأقسام الأخرى، فقد كانت الممرضات على احتكاك مباشر مع الفيروس في المستشفيات المخصصة للمصابين.
وكان من بين المصابات بالفيروس الممرضة السعودية نجود الخيبري، خلال ممارستها لعملها في مركز حجر صحي بالمدينة المنورة حيث تقيم، إلا أن حالتها تدهورت، لتغادر الحياة في يونيو 2020
وتكريماً للممرضة الشجاعة أطلقت المملكة اسمها على مستشفى جديد تم إنشاؤه، في خطوة تعد الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.
ودشن أمير منطقة المدينة المنورة، فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، افتتاح المستشفى الجديد، يوم الأربعاء (8 يوليو 2020)، وأطلق اسم الممرضة نجود الخيبري عليه.
وقال وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة عقب افتتاح المستشفى إن إطلاق اسم الخيبري عليه يشكل "تقديراً لما قامت به لخدمة المرضى، وعرفاناً لجهود الممارسين الصحيين".
من الظل إلى الانفتاح
وقبل تفشي كورونا بسنوات قليلة، كانت كلمة الانفتاح تتردد كثيراً في الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية السعودية، ورغم أن كلمة "انفتاح" فضافضة وقد تحمل عدة معانٍ فإنها قوبلت بالاستحسان من أطراف متعددة ترى بها ضرورة ومواكبة للزمن، ورفضت من أطراف أخرى وجدت بها خروجاً عن التقاليد والمعهود.
وشهدت المملكة، منذ عام 2015 تقريباً، تحولاً مفاجئاً وسريعاً؛ بعد تبني ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لرؤية 2030 الاقتصادية، التي حملت العديد من التغيرات الجذرية في تعامل السلطات مع المجتمع والاقتصاد والدين.
وسمحت السلطات بعد عقود من الحظر والمنع بالاختلاط، وبنت دور سينما ومراكز ثقافية، وسمح بإقامة الحفلات الغنائية والموسيقية، في مقابل وجود بعض المعتقلات اللواتي طالبن بهذا الانفتاح بالسجون إلى الآن.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن السعوديات عليهن أن يتأقلمن مع التغييرات الجديدة التي هبَّت رياحها على المملكة الصحراوية مع وصول محمد بن سلمان لولاية العهد.
وسمح للمرأة بقيادة السيارة بعد سنوات طويلة من الجدل، ودخولهن لملاعب كرة القدم، فضلاً عن إقامة عروض للأزياء، والسماح بإلغاء الأقسام العائلية بالمطاعم والمقاهي.
وفي أغسطس عام 2019، أسقطت ولاية الرجل عن المرأة السعودية بتعديل نظامي السفر والأحوال المدنية، ونظام العمل والتأمينات الاجتماعية، مثل السفر لمن تجاوزن الـ21 عاماً بعد استخراج جواز السفر دون إذن كما كان سابقاً، بالإضافة للإبلاغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو المخالعة، والتي كانت مقتصرة على الرجل، وقرارات أخرى.
ولكن حتى الآن لم تحظَ المرأة السعودية بتبوؤ منصب القضاء بالمملكة، فقد أرجع مجلس الشورى للمرة الثانية، في يونيو 2020، رفضه الموافقة على تعيين المرأة السعودية في القضاء إلى أنه غير معني بهذا الملف.