عائشة القحطاني- البيت الخليجي -
تتبادر إلى ذهن العديد من الفتيات في الخليج فكرة "الفرار" من الوطن، لكن هذا لا يعني أن لديهن نية جادة في المغادرة. تتحدث العديدات منهن عن أنفسهم وتنتابهن الرغبة في "الخلاص" مرة واحدة على الأقل في حياتهم. وهذا يجعلنا نتساءل: لماذا تهيمن هذه الفكرة على عقل النساء الخليجيات؟ لماذا يتعين على بعضهن بالفعل اتخاذ مثل هذا القرار الصعب؟ ما هي التغييرات السياسية والاجتماعية التي تحتاجها المرأة الخليجية من أجل الحصول على الأمان في وطنها ولا تحتاج إلى المغادرة، أو حتى التفكير في قرار صعب مثل طلب اللجوء؟
أسباب الفرار
يمكننا تقسيم أسباب ترك الفتيات الخليجيات لأوطانهن إلى سببين رئيسيين، اجتماعي وسياسي. وهو تقسيم يتعلق بأنواع اللجوء في الدول الغربية نفسها، لكن ذلك لا يمنع السببين من الاجتماع في قضية واحدة.
تتزايد قضايا اللجوء الإنساني وتتواصل لأن القانون في دول الخليج لا يوقف انتهاكات حقوق الإنسان ضد المرأة. ويعتبر العنف المنزلي - على سبيل المثال لا الحصر - جريمة اجتماعية تجري حمايتها من خلال قوانين الدولة. ولا يوجد لدى معظم دول الخليج قوانين تجرم العنف داخل الأسرة، وبالتالي، يعد العنف المنزلي أحد أهم الأسباب التي تدفع الفتيات لالتماس اللجوء في الخارج.
ونتيجة لذلك، فإن الادعاءات بأن أوضاع اللاجئات الخليجيات تنبع من مشاكل "عائلية"، ولا علاقة لها بقوانين الدولة، تمثل فهما خاطئا لواقع معاناة المرأة الخليجية. وغالبًا ما يتم تقديم هذه الادعاءات في سياق مجاملات "فجة" للدولة تهدف إلى تبرئة صانعي السياسات. وفي المقابل، تجري تشويه سمعة طالبات اللجوء، ومحاولة إسكاتهن أو تشويه ادعاءاتهن، وهي محاولة ساذجة للغاية هدفها لفت الانتباه عن المشكلة، بدلاً من محاولة فهمها من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها.
بالإضافة إلى عدم وجود قوانين تجرم "العنف"، فإن بقية القوانين في دول الخليج تعمل بشكل تمييزي ضد المرأة، وتستند إلى مبدأ "ولاية الرجل" على المرأة. في قطر على سبيل المثال، لا يزال يُطلب من المرأة دون سن الخامسة والعشرين للحصول على إذن سفر من ولي الأمر، وقد ألغت السعودية هذا الأمر للتو العام الماضي. وبالمثل، فإن طلب "الموافقة على العمل" الذي يقدمه الرجل، يمثل انتهاكا لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، وهي الاتفاقية التي تتحفظ بعض دول الخليج عليها تتعلق بالدين والأعراف الاجتماعية.
فاتورة الاستبداد
أما فيما يخص اللجوء السياسي، يجب علينا الانتباه إلى سياسات الاستبداد التي تمارسها السلطات الخليجية تجاه الناشطات السياسيات الخليجيات وناشطات حقوق الإنسان اللاتي تضطرهن في النهاية لطلب اللجوء في الخارج.
ويعد النظام الأبوي الذي يسيطر على جميع جوانب ومحطات حياة المرأة في دول الخليج (التعليم والعمل والسكن والزواج) هو حجر الزاوية في دفع النساء الخليجيات نحو اللجوء هربا من السلطة الاجتماعية والعنف الرمزي والبدني. وهذا ما يجعل المرأة في دول الخليج أقل كفاءة مقارنة بالرجال عندما يتعلق الأمر بدورها كمواطنة، حيت تُحرم من الكثير من استقلاليتها وحقوقها.
تضع غالبية المجتمعات الخليجية المرأة في قالب مكسور، غير مكتملة في الأهل، حيث تربى الفتاة على نمط مختلف عن الصبي، وحيث تصبح "جاهزة" و "مستعدة" لقبول هذه "الصورة" الراسخة في هذه المجتمعات، وإلا، فسوف تواجه إساءة المعاملة، سواء كانت جسدية أو عاطفية.
تعد المؤسسة الدينية من أهم العوامل في إدامة هذه الثقافة التي تقوض كرامة المرأة وتزيد من الضرر الاجتماعي لها. ويلعب شيوخ المال أو "دعاة السلاطين" كما يسميهم الدكتور "علي الوردي"، دور المشرعين، وتعد حجههم هي الأداة التي تُستخدم لتبرير التمييز ضد المرأة في دول الخليج.
يحاول بعض علماء الدين المسلمين تعزيز "ضعف" المرأة، وحتى شيطنتها. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل وجود "صحوة" في الفكر الجماعي الخليجي ورؤيته للمرأة، ولكنها تظل صحوة "بطيئة" وذات تأثير محدود.
في ضوء ذلك، ينبغي على دول الخليج أن تقوم بمراجعة حالات لجوء الفتيات إلى الخارج، وأن تفهم أن الحلول الحقيقية تكمن في تبني التغييرات الاجتماعية والسياسية التي تضمن تغيير أوضاع المرأة، فمن واجب "الأوطان" أن تكون الملاذ الآمن لأبنائها.
ما تتوقعه النساء الخليجيات، داخل وخارج بلادنا، هو إصلاح أساسي وحقيقي لجميع تشريعات الدولة لضمان احترام حرية وحقوق جميع مواطنيها، نساء ورجال على حد سواء. إن ما تتوقعه النساء الخليجيات هو أن تعتقد الأنظمة السياسية في الخليج حقًا أنه لا يوجد احتمال لتطوير المجتمع دون تحسين أوضاع النساء.
في الواقع، إلى الحد الذي قد تبدو فيه خيارات المرأة الخليجية في الهجرة أو اللجوء شخصية بشكل كبير، فإنها تخفي في طياتها اختلالات اجتماعية يجب أن يخضع للنقاش، وفرص لإصلاحات أن تسنّها لضمان حقوق النساء. وفي هذا السياق، يعد اللجوء محاولة جادة وناضجة للتغيير الاجتماعي والسياسي.