الخليج أونلاين-
يسير ملف المرأة في السعودية نحو تطورات ملحوظة يوماً بعد يوم، في ظل إلغاء قوانين أو ممنوعات كانت سارية لعقود ماضية، قانونياً واجتماعياً ودينياً.
وتعتبر حقوق المرأة السعودية من المواضيع المثيرة للجدل في المملكة، خاصة أنها من الدول التي تعتمد على الشريعة الإسلامية في إصدار أحكامها، بالإضافة للعادات والتقاليد القبلية الراسخة في المجتمع السعودي.
وفي خطوة جديدة ستستطيع السعوديات اتخاذ منازل خاصة بهن بعيداً عن الأهل فيما لو أردن ذلك، والذي كان محظوراً من قبل.
الأمر يفتح تساؤلات متعددة حول الموضوع، في ظل ما يُعرف بمسيرة "الانفتاح" التي تقودها الرياض، وسط جدل مجتمعي يتراوح بين القبول والرفض.
القضاء يسقط "التغيب"
ولأول مرة، وفي سابقة من نوعها بتاريخ المملكة المعاصر، أيدت محكمة سعودية حكماً قضائياً يُسقط قضية "التغيب" عن الأسرة، بحكم أن استقلال المرأة العاقلة البالغة بمنزل "ليس جريمة".
وصدر الحكم بشأن قضية تغيّب، في 15 يوليو 2020، مؤكداً أحقية استقلال المرأة العاقلة البالغة في منزل مستقل، وأنها ليست جريمة تستحق التعزير، وفق صحيفة "الشرق الأوسط" المحلية.
من جانبه، قال عبد الرحمن اللاحم، أحد محامي القضية، في حسابه بموقع "تويتر"، إن هذا الحكم "تاريخي" على اعتبار أنه "يُنهي قصصاً مأساوية عاشتها كثير من النساء في الماضي".
من جانبه أوضح مفلح القحطاني، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أن الحق في السكن من الحقوق الأساسية للإنسان بشكل عام، ومن حق المرأة الحصول على السكن المناسب لها مع أسرتها أو أقاربها أو في سكن مستقل مأمون إذا كان سكنها مع أسرتها فيه تهديد لحياتها أو يُلحق الإيذاء بها، وفق الصحيفة.
وبلاغات "التغيب" هي نظام معمول به في المملكة، يتيح لأولياء الأمور تقديم بلاغ في حال اختفاء أو استقلال المرأة دون الحصول على إذن مسبق من ولي الأمر.
المحامي اللاحم أشار في تغريدة أخرى إلى أن "النائب العام أصدر تعميماً قبل فترة بعدم تلقي أي بلاغ متعلق بالتغيب أو أي بلاغ يقيد حرية المرأة أو ينتهك خصوصيتها"، مؤكداً: "نحن نعيش مرحلة تحول تاريخية".
وفي يناير 2020، أعلنت لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى السعودي، دراسة توصية تقدمت بها عضوتان من أعضائه، تطالبان فيها وزارة العدل برفض بلاغات التغيب المرفوعة على المرأة التي بلغت 21 عاماً من عُمرها.
وقالت الدكتورة لطيفة الشعلان، وهي إحدى اللواتي تقدمن بالتوصية: "تقدمت بتوصية مع الزميلة موضي الخلف تطالب وزارة العدل بالتوقف النهائي عن قبول بلاغ التغيب على من أتمت 21 سنة من العمر؛ باعتبار 21 هو سن رشد المرأة، حسب التعديلات الحديثة في نظامي الأحوال ووثائق السفر، واستمرار العدل في قبول الدعاوى يشكل معارضة للأنظمة".
جدل مستمر
والجدل حول موضوع استقلالية المرأة في مسكن خاص فيما لو أرادت ذلك مستهجن في العقل الجمعي السعودي عموماً، فيما تراه نسبة أخرى بأنه حق طبيعي للمرأة البالغة الراشدة.
وقال المأذون الشرعي السعودي جار الله الغامدي في تغريدة: "تغيب المرأة عن بيت أهلها بحاجة إلى دراسة أسبابه ومناقشة سلبياته، الأهل أمان المرأة السوية واستقرارها وراحتها، والأهل الأسوياء الذين خافوا الله في أهليهم وما ولوا عليه أعزوهن، أكرموهن، حفظوهن، أعطوهن احتياجاتهن، غفروا زلاتهن، وناقشوا أفكارهن وصححوها بالعقل والحكمة".
فيما قال الطبيب علي البينالي: "إلى أين تريدون الذهاب؟ أليس من حق الأهل أياً كانوا وأياً كانت ديانتهم وكذلك الزوج أو الزوجة أن يعرف أين باتت ابنته أو زوجته أو زوجها اتقوا الله في أنفسكم ولا يأخذكم هوى النفس إلى مسالك الهالكين".
في المقابل قالت "هيا النعيمي": إنه "حق طبيعي لأي إنسان في الكون؛ أن أعيش أينما أردت طالما أنني إنسانة راشدة، يتطلب مني أن أدخل في قضية جنائية مدعي عام، المدعى عليه أنا، محامي، قاضي، وبعد جلسات مزمنة ومصدية، حكمت المحكمة قضائياً بحق فلانه بالاستقلال بالسكن!!!".
وفي مطلع عام 2020، أثار الأمر الداعية السعودي عبد الله المعيوف، في برنامج "معالي المواطن" الذي يعرض على قناة "MBC" السعودية، قائلاً: إنه "بعد أن تبلغ الفتاة سن الرشد وتسكن في مكان معلوم وحدها، فإنها تكون قد مارست حقاً مشروعاً من أبسط حقوقها في الحياة".
وتساءل المعيوف: "الذكر عندما يخرج ويقرر أن يستقل نقول له يا أخي ما عليك شيء، فلماذا إذا اختارت الفتاة أن تستقل في مدينة آمنة كنا نعارض هذا الحق؟"، مؤكداً أن هذا حقها.
ولفت إلى أن المملكة وقعت على معاهدات دولية مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة، مضيفاً: "حين تتكلم عن حق المرأة في استقلال السكن فأنت تتكلم على حق مشروع، وحين تجبرها على السكن فأنت تمارس عليها عقاب الإقامة الجبرية، وهذا يحتاج إلى قرارات قضائية".
وشدد على أن "الأنظمة التي وضعتها الدولة أجازت للمرأة أن تسافر بدون إذن، وأن تختار السكن بدون محرم، أنظمة الدولة ينبغي أن تسير بطرق متوافقة لا بطرق متقاطعة، ثم يأتي من يقيد على المرأة بلاغ تغيب، وهذا يظهر الدولة كأنها تتناقض في قوانينها وهي ليست كذلك".
وفي ذلك الوقت، انتشرت مقابلة المعيوف على وسائل التواصل الاجتماعي، واشتعلت الردود الرافضة لحديثه، فيما وافقه آخرون.
فقد قال أحد المغردين على تويتر: "انتظروا فتواه القادمة: (من حق الفتاة البالغة أن تستضيف صديقها الشاب البالغ في بيتها وحدهما) لا تستغربوا ذلك!!".
في المقابل أيدت كلامه إحدى المغردات قائلة: إن "كلامه عادي، وفي النهاية حقه، لماذا يقف الناس ضده؟".
وتأتي قضية إسقاط "التغيّب" قضائياً بعد أن ألغت الحكومة السعودية ولاية الرجل عن المرأة في المملكة بتعديل نظامي السفر والأحوال المدنية، ونظام العمل والتأمينات الاجتماعية، مثل السفر لمن تجاوزن الـ21 عاماً بعد استخراج جواز السفر دون إذن كما كان سابقاً، بالإضافة للإبلاغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو المخالعة، والتي كانت مقتصرة على الرجل.
وهذه التحولات الاجتماعية والقانونية في ملف المرأة بدأت عام 2015، حيث سمحت السلطات بعد عقود من الحظر والمنع بالاختلاط، وسمحت للمرأة بقيادة السيارة، وبنت دور سينما ومراكز ثقافية، وسُمح بإقامة الحفلات الغنائية والموسيقية، في مقابل وجود بعض المعتقلات اللواتي طالبن بتحقيق ذلك في البلاد بالسجون إلى الآن.