الخليج أونلاين-
الحديث عن قرب انضمام السعودية لدول سبقتها في مجلس التعاون بفتح المجال أمام المرأة لكي تتولى مهمة القضاء يؤكد أن ما تذكره الدساتير الخليجية حول المساواة بين الرجل والمرأة يصدقه الواقع؛ حيث يعتبر القضاء مهنة ذكورية بامتياز في أبجديات المجتمع الخليجي.
فعلى الرغم من أن نظام القضاء السعودي "لا يشترط الذكورة"، لكن مجلس الشورى السعودي رفض في أكثر من مرة توصية تعيين قاضيات في محكمة الأحوال الشخصية، بعد رفض الأغلبية.
لكن هند الزاهد، وكيلة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتمكين المرأة في السعودية، قالت في لقاء مع قناة "العربية"، الجمعة 15 يناير 2021، إن حكومة المملكة جادة جداً في دعم تمكين المرأة السعودية على عدة مستويات؛ عبر بيئة داعمة وفرص متكافئة، ووصولها إلى مناصب قيادية.
وأكدت "الزاهد" أن "تعيين المرأة السعودية بمنصب قاضية بات قريباً، والمملكة جادة جداً في دعم ملف تمكين المرأة".
وما يدعم تأكيد الزاهد تولي المرأة السعودية مهمة القضاء ما أشارت إليه بأن نسبة تولي السعوديات للمناصب القيادية في القطاع العام تبلغ حالياً 2.5% بعد أن كانت 1.6% في 2017، مقابل 25% في المناصب القيادية العليا والمتوسطة بالقطاع الخاص، وازدياد مشاركة السعوديات في سوق العمل التي تجاوزت المتوقع؛ حيث كانت التقديرات 25% في عام 2025، لكن نسبة مشاركتهن اليوم وصلت إلى 31%.
البداية من البحرين
كانت البحرين أولى بلدان الخليج التي تعيّن المرأة في سلك القضاء، وكان ذلك في 7 يونيو 2006، حيث أصدر ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، أمراً ملكياً بتعيين سيدة بحرينية قاضية بالمحكمة الكبرى المدنية للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وبهذا الأمر الملكي أصبحت منى جاسم محمد الكواري قاضية في المحكمة الكبرى المدنية.
وتعليقاً على هذا قالت منى الكواري في تصريح لتلفزيون البحرين، إنها تشعر بالاعتزاز لكونها أول قاضية بحرينية، معبرة عن الأمل في أن تكون عند حسن الظن بها.
وأضافت أن المرأة البحرينية تستطيع العمل قاضية؛ لأن لها تجربة في العمل بالنيابة العامة التي صدر قانون تشكيلها عام 2002، واعتبرت تعيينها "تتويجاً للمشروع الإصلاحي لملك البحرين".
وفي 26 مارس 2008، لحقت الإمارات بالبحرين، إذ عين رئيس الدولة خليفة بن زايد آل نهيان، خلود أحمد جوعان الظاهري قاضية ابتدائية من الفئة الثالثة، لتكون بذلك أول إماراتية تعتلي منصة القضاء.
وقالت وكالة أنباء الإمارات الرسمية، حينذاك: إن المرسوم "يأتي ضمن اهتمام الحكومة بضرورة إشراك المرأة في عمليات التنمية الشاملة".
نظرة المجتمع تغيرت
وكانت قطر ثالث دولة خليجية تعين المرأة في مجال القضاء؛ ففي 9 يونيو 2010، أصدر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني -ولي العهد حينذاك- مرسوماً بتعيين حصة أحمد عبد الله صالح السليطي قاضية بالمحكمة الابتدائية.
حول مهمة المرأة في تولي القضاء قالت السليطي في حديث لصحيفة "العرب" القطرية، إن النظرة العامة للمجتمع تجاه المرأة القاضية قد تغيرت بشكل كبير عما كان عليه في السابق.
وأكدت أن "الباب أصبح مفتوحاً للجميع للالتحاق بالسلك القضائي، كما أصبح هناك إقبال من قبل المرأة للعمل في السلك القضائي، وينبغي على الطالبات في الجامعة الجد والاجتهاد ومواصلة المسيرة لإثبات وجودهن في مجال القضاء".
أما في الكويت فقد أعلن المجلس الأعلى للقضاء ترقية 8 وكيلات نيابة وتعيينهن قاضيات في المحاكم الكويتية، وذلك في بداية سبتمبر 2020، بعد خضوعهنّ لدورة في معهد الكويت للدراسات القضائية، وهي دورة يُشترط على كل المرشحين لمنصب القضاء تجاوزها.
وتدرجت المرأة الكويتية في تقلد الكثير من الأماكن في الوزارات المختلفة بالدولة، وشركات القطاع الخاص، حتى اعتمد النائب العام ضرار العسعوسي، 1 يوليو 2020، ترقية 8 وكيلات نيابة إلى رتبة قاضيات، في حدث تاريخي هو الأول من نوعه في الكويت.
وجاء قرار تعيين وترقية وكيلات نيابة كويتيات إلى رتبة قاضيات ضمن إجراءات الحكومة الكويتية في تنفيذ خطة "تكويت" السلك القضائي في البلاد.
ويأتي هذا القرار بعد عقود من منع المرأة من العمل في المحاكم الكويتية، إذ قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء فيصل المرشد، في تصريحات صحفية: إنّ "المرأة نجحت في عملها في النيابة، وتعيينها كقاضية هو يوم تاريخي كنا ننتظره منذ مدة طويلة".
وما زالت سلطنة عُمان لم تشهد وصول امرأة لمنصب القضاء، على الرغم من وجود النساء في وظائف دبلوماسية ومناصب مهمة وحساسة في الدولة، ورغم عدم وجود أي نص قانوني مخالف.
الموروث الثقافي
وفي دليل على دعم الحكومات الخليجية للمرأة، خاصة في توليها المناصب القيادية والمهمة، فإن دول الخليج العربي انضمت للعديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تضمن عدم التمييز بين الجنسين في التوظيف، وصدقت عليها.
ومن أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" (CEDAW) في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979.
في مقال نشرته صحيفة "الوطن" القطرية، في نوفمبر 2018، وحمل عنوان "الموروث الثقافي الخليجي وأثره في النظرة المجتمعية للمرأة"، يقول الكاتب عبد الحميد الأنصاري: إن "المرأة الخليجية تلعب دوراً بارزاً في المجتمع اليوم، وتشارك بفعالية واقتدار في كافة المجالات التنموية".
وأضاف أن المرأة الخليجية تقلدت مناصب قيادية، وأصبحت "وزيرة ومديرة للجامعة وعميدة وقاضية ومحامية وسفيرة"، مشيراً إلى أن المجتمع الخليجي "تغير" وأصبح يتقبل مشاركة المرأة في الحياة العامة، ويقدر جهدها.
لكن "الأنصاري" يرى أنه على الرغم من تغير المجتمع الخليجي وارتفاع وعي الرأي العام الخليجي، ما زالت نظرة المجتمع الخليجي للمرأة "لم تتغير"، مفيداً بأنه "ما يزال المجتمع الخليجي محكوماً بموروث ثقافي اجتماعي ديني ماضوي".
وشدد الأنصاري بالقول: "نحن بحاجة، اليوم، إلى تغيير نظرتنا إلى المرأة؛ كونها مواطنة، وإلى تشريعات تتوافق والتحولات المجتمعية، وتتلاءم مع روح العصر وقيمه الداعمة لإعلاء حقوق الإنسان، بغض النظر عن جنسه وأصله ومعتقده، في إطار من المقاصد العامة للإسلام وثوابته".