جلبير الأشقر- القدس العربي-
عرضت شبكة التلفزة البريطانية بي بي سي في الأسبوع الماضي، في برنامجها الشهير «بانوراما» تحقيقاً خاصاً بالمدعوة لطيفة، إحدى بنات حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم. وقد روى التحقيق قصة هذه الامرأة التي بلغت الخامسة والثلاثين من عمرها والتي كانت محتجزة من طرف عائلتها، ثم حاولت الفرار بحراً قبل ثلاث سنوات، لكنّ قوات خاصة هندية اقتحمت يختها في المحيط الهندي وأعادت تسليمها إلى إمارة دبي. وقد بقيت لطيفة محتجزة في إحدى الفيلات منذ ذلك الحين، بيد أنها حصلت بالسرّ لوهلة على هاتف خليوي سمح لها بالتواصل مع صديقاتها وأصدقائها في أوروبا وإيصال رسائل فيديو سجّلتها في المرحاض، وهو المكان الوحيد الذي كانت تستطيع إقفال بابه إذ إن أبواب كافة الغرف والقاعات الأخرى قد أزيلت مفاتيحها وأقفالها. وحسب شهادة لطيفة، فإن ما يقارب ثلاثين شخصاً كانوا مكلّفين بحراستها في سجنها الكبير، نساء في الداخل ورجال في الخارج.
ويثير البرنامج لدى من يشاهده بحدّ أدنى من الحسّ النقدي احتياراً ما بين الشفقة والاشمئزاز من جهة، الشفقة على الأميرة المضطهَدة والاشمئزاز من الاضطهاد الذي تتعرّض له، وبين الذهول لشروط احتجازها وكلفته الباهظة، من الجهة الأخرى. فإن الضجة التي أثارتها قصة لطيفة آل مكتوم، والتي بلغت حدّ تدخّل مفوّضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ووزير الخارجية الأمريكي الجديد، وإن كانت في هذه الحال ضجة مشروعة ومحمودة، إنما تندرج في إطار عادة أجهزة الإعلام في تسليط أضواءٍ على أقلية ضئيلة من أثرياء العالم تفوق بكثير الأضواء التي تسلّطها على الغالبية الساحقة من البشر.
وهذا ليس في مجتمعاتنا العربية التي لا زالت تعيش في القرون الوسطى بأكثر من وجه وحسب، بل وفي الغرب عموماً وفي بريطانيا خصوصاً، حيث لا تفوّت أجهزة الإعلام شاردة ولا واردة بما يخص العائلة المالكة، من خلال أداء الإعلام السائد لوظيفته في إلهاء الناس عن القضايا الحيوية في إطار «المجتمع المشهدي» كما أسماه المفكر الفرنسي غي ديبور. أما الأمر الوحيد الذي يشفع للشبكة البريطانية، فهو أنها تجرأت على إحراج حكومة جلالتها التي تغلّب المصالح المالية والتجارية العظيمة التي تربطها بالإمارات المتحدة على كافة اعتبارات حقوق الإنسان بوجه عام، وحقوق النساء بوجه خاص، ومهما أدّعت خلاف ذلك فهو من باب النفاق لا غير.
أما وأن أضواء الإعلام قد جرى تسليطها هذه المرّة على قضية خطيرة وعادلة، ألا وهي حالة من حالات اضطهاد النساء، فإن الفائدة تكمن في جعلها فرصة لإثارة موضوع هذا الاضطهاد الذي لا زالت تتعرّض له مئات الملايين من النساء عبر العالم وبمستويات مختلفة، قسم عظيم منها مستويات أخطر بكثير من احتجاز أميرة في سجن خمس نجوم وبحراسة ثلاثين شخصاً. وكان أحرى ببرنامج الشبكة البريطانية أن يقوم بذلك ولو بقسم منه فقط، بدل تخصيصه كاملاً لقصة الأميرة دون سواها. فلننتهز الفرصة ونقوم بما لم يقم به برنامج «بانوراما» فنذكّر ببعض إحصائيات هيئة الأمم المتحدة للنساء (وليس «للمرأة» كما في التسمية العربية الخاطئة) بخصوص تعنيفهنّ.
فإن 35 بالمئة من نساء العالم تعرّضن لتعنيف جسدي، سواء أكان مصحوباً باعتداء جنسي أم لا، وتصل هذه النسبة إلى الضعف، أي 70 بالمئة، في البلدان الأسوأ حالاً. وفي كل يوم يمرّ، يُقتل عدد من الفتيات والنساء من قِبَل أحد أقاربهنّ يبلغ معدّله 137 (أي ما يناهز ست قتيلات في كل ساعة) هذا عدا حالات القتل خارج الدائرة العائلية. وتشكّل البنات ثلاثة أرباع مجموع الأطفال ضحايا الخطف والإتجار لغرض الاستعباد أو الاستغلال الجنسي. هذا ويبيّن كشفٌ أجرته الهيئة أن خُمس النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين العشرين والرابعة والعشرين جرى تزويجهنّ وهنّ دون سنّ الثامنة عشرة، بينما تعرّضت 15 مليونا من المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة إلى مضاجعة قسرية، أي شكل من أشكال الاغتصاب، بما يشير إلى استمرار هذه الممارسات المقيتة على نطاق شاسع في زمننا الراهن. هذه فقط بعض وقائع الاضطهاد الشنيع الخاص بنصف البشرية من الإناث والذي ليست قصة لطيفة آل مكتوم نسبياً سوى عيّنة بسيطة منها.