الجازي طارق السنافي- البيت الخليجي-
كان العام 2005 عاماً ذهبياً بالنّسبة إلى المرأة الكويتية، فهو العام الذي نالت فيه حقوقها السياسية (الترشح والانتخاب) بعد نقاشات وتجاذبات بين الأقطاب السياسية المختلفة ما بين مؤيد ومعارض.
مثّل إقرار الحقوق السياسية نافذة أمل للمرأة الكويتية سياسيًا واجتماعيًا. في الأساس، لم تكن مساعي منح المرأة حقوقها السياسية ترفيهًا أو من كماليات الحياة أو الوجاهة، بل كانت حقًا مكتسبًا وأصيلًا إيمانًا بدور المرأة الكويتية الفاعل في المجتمع، وايمانًا بقوتها ومقدرتها على خوض المعترك السياسي أسوةً بالرجل الكويتي الذي كان يتمتع بكامل الحقوق السياسية والاجتماعية بتفضيل سياسي ومجتمعي.
بعد 43 عامًا من العمل البرلماني المقتصر على الرجل، أُقرّت حقوق المرأة السياسية – أخيرًا -في العام 2005 لكن المؤشرات كانت لاتزال سلبية رغم إيجابية القرار وتاريخيته على الصعيد المحلي على الأقل.
بعد إقرار حقوق المرأة السياسية بفترة وجيزة، ظهرت بعض الأعراض الاجتماعية والسياسية التي أثبتت أنّ هذا القانون لم يحدث قطيعة حقيقية مع واقع المجتمع وما يتبناه من صورة نمطية وتقليدية للمرأة. بالنتيجة، لا تزال المرأة الكويتية حتى اليوم تعاني من تبعات الماضي واحتكار الرجال للحياة السياسية على مدى 4 عقود دون احراز أي تقدم أو تطوّر ملحوظ في التمكين الحقيقي لها.
لعب المجلس التأسيسي دورًا محوريًا في إقصاء المرأة سياسيًا، لم يكن النظام الديموقراطي في الكويت في بدايات تأسيسه نظامًا عادلًا ومتوازيًا ومتجانسًا، بل كان مليئًا بالهنات وأوجه القصور، وبالخصوص ما يتعلق بحقوق المرأة التي وجدت نفسها مجبرة على معايشة نظام إقصائي بامتياز.
في التجربة الكويتية وبشكل عام، يمكن القول إن فكرة الديمقراطية لم تكن متبلورة بشكل صحيح، كما أنها لم تكن مقتبسة من الأنظمة الديموقراطية العالمية الرائدة. كان تأثير الأعراف المجتمعية بدائية الطابع طاغيًا على سنّ النظام الانتخابي والبرلماني بوصفه نظامًا أحادي القطب يتجاوز المرأة ولا يقر بحقها في المشاركة السياسية وصناعة القرار، وهو ما كان منذ البداية مخالفة صريحة لنصوص الدستور التي تدعو إلى المساواة وعدم التفرقة بين الجنسين.
ورغم إيجابية فكرة التحول من الإمارة إلى الدولة الكويت، كانت رؤية المجلس التأسيسي قصيرة المدى ولم تقدم معالجة متقدمة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة الكويتية. خلفت هذه الرؤية القاصرة فجوة عميقة في إشراك المرأة سياسيًا، خاصة في ظل مرور الدولة بتقلبات وصراعات سياسية إقليمية وعالمية ساهمت في تأخّر مشاركة المرأة وانخراطها في المجال السياسي. بالتوازي، لم يكن المجتمع الكويتي يشعر آنذاك باي إحراج وهو يهمش المرأة ويلقي بها بعيداً عن قبة مجلس الأمة.
اليوم، يمكن القول أن تأخر قانون إقرار حقوق المرأة السياسية نتجت عنه عدة تبعات سلبية، من أهمها أن المرأة الكويتية لم تكن شريكة أو عنصرًا فاعلاً حين تشكلت أهم التنظيمات السياسية والمجتمعية في البلاد.
إلى جانب هذه النتيجة، تظافرت وتشابكت عدة عوامل أخرى ليكون حصاد المرأة الكويتية غداة كل استحقاق انتخابي هو الخذلان.
كان من الضروري والملحّ، ولا يزال، التنبه ودراسة الآثار السلبية التي خلفها حرمان المرأة من حقوقها السياسية لعقود. المرأة التي لم تكن يومًا ضمن أولويات أي من المجالس النيابية، كانت تستحق مع إعادة حقها في المشاركة السياسية إلى حزمة واضحة من الإجراءات الاستثنائية التي تستطيع أن تؤمن لها المشاركة والتأثير الحقيقيين.
إن إخفاق المرأة حتى اليوم في أن تكون عنصرًا فاعلاً في المشهد السياسي في الكويت هو أمر متوقع.
في ظل احتكار مراكز قوى سياسية ودينية وقبلية مدعومة بإمكانيات مالية استثنائية على كامل المشهد السياسي في الكويت، ليس في مقدور المرأة أن تخلق مجتمعًا سياسيًا جديدًا يتضامن معها ومع قضاياها فضلاً عن أن يقوم بالتصويت لها.
يمكن القول أن المرأة ذاتها، في بعض الأحيان، ولأسباب دينية أو قبلية، تكون جزءً من المشكلة لا الحل. يمكن معاينة بعض الحالات الكارثية التي تحول فيها صوت المرأة إلى صوت إضافي يساند القوى المعادية للمرأة ذاتها، فمن كان يملك صوتًا واحدًا أصبح يُتاجر بصوته وصوت والدته/ أخته/ زوجته/ ابنته.
السلطة التنفيذية في البلاد لا تختلف عن السلطة التشريعية، نُلاحظ جميعًا الحضور الخجول والمجحف للمرأة في التشكيلات الوزارية الأخيرة. كذلك تبدو المرأة خيارً نادرًا في تعيينات المناصب الحكومية العليا. وهو ما يؤكّد فرضيّة انعدام الثّقة في المرأة الكويتية وقدرتها على تحمّل المسؤولية والمشاركة بفاعلية في إدارة الدولة وتنميتها.
يبدو من الصعب المضي قدمًا في مشروع تمكين المرأة الكويتية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في إطار هذا الواقع المجحف.
هناك ثقافة وممارسات مجتمعية وسياسات حكومية اقصائية لا تزال تُمارس حتى يومنا هذا حربًا شعواء على المرأة في الكويت. تواجه المرأة الكويتية سياسات معادية وممنهجة يضاف لها أن أحداً لا يناقش أو يقترح حلولًا تتطرق أو تؤكد حاجة الكويت إلى إصلاح سياسي واجتماعي يُمكن المرأة ويجعلها شريكًا حقيقيًا في صناعة القرار لا مجرد أداة لتزيين واجهة مؤسسات الدولة وسلطاتها.
الطريق طويل والتّحدّيات كبيرة والعوائق كثيرة وليس بالإمكان تمكين المرأة الكويتية عبر جهود فردية متناثرة، ما نحتاجه هو مشروع وطني طموح وجاد تُساهم الدولة ومختلف مؤسسات المجتمع المدني فيه.