د. سيف بن ناصر المعمري – عمان اليوم-
كانت المرأة ولا تزال موضوعا للنقاش والجدل محلياً وعالمياً؛ فهناك من ينبري للدفاع عنها وعن حقوقها، وهناك من ينبري للهجوم عليها، فالفريق الأول ينظر إلى تأثيرها في المجتمعات الإنسانية، ودورها المباشر أو غير المباشر في دوران عجلة التاريخ دوراناً عقلانياً متزناً، فيما يرى الفريق الثاني أنها سبب رئيسي لكثير من المشكلات التي تعانيها المجتمعات، فهي -على سبيل المثال لا الحصر- سبب في تزايد معدلات البطالة في أوساط الرجال عندما خرجت للعمل في مختلف القطاعات الإنتاجية وهي سبب في ازدحام الشوارع وزيادة حوادثها عندما سمح لها بالقيادة، وهي سبب العجز المالي الذي يعانيه كل رجل فمصروفاتها كثيرة، ومهرها كبير، وليلة الزواج باهظة التكاليف، ويدعم هذا الفريق هجومه على المرأة بآراء الفلاسفة والمفكرين والسياسيين، ولذا وضع أنيس منصور عنوان إحدى مقالاته «من الذي ليس عدوا للمرأة؟»، حيث أورد في مقدمتهم الفيلسوف الألماني شوبنهور الذي قال «المرأة ليست من فصيلة الرجل … إنها مختلفة عنه تماماً… وإنما هي من فصيلة استولت فيها النساء على الرجال… وقضت على الرجال… المرأة طويلة الشعر طويلة اللسان ضيقة الكتفين ضيقة الأفق،… جمال المرأة وفضائلها كلها من صنع الرجل»، حتى الفلاسفة لا يزال بعضهم يرى أن المرأة مخلوق غير مستقل، لا تسمح لها سماتها السيكولوجية أن يكون لها رأي سديد، أو فضيلة إن لم يغرسها الرجل فيها.
ورغم القامة الكبيرة للفيلسوف الألماني شبنهور ، إلا أننا لابد أن نستثني من كلامه المرأة العمانية قديماً وحديثاً من حكمه السابقة، فالمرأة العمانية كانت ولا تزال شريكاً أساسياً في تشكيل الحضارة العمانية وإن لم توثق كتب التاريخ هذا الدور بصورة كافية، وإذا كانت الروايات التاريخية تختلف حول سبب تسمية عمان، هل هي مذكر تعود إلى رجل اسمه عمان؟ أم أنها مؤنثة «عمانة» كما تشير بعض النصوص اليونانية إلى ذلك. إلا أنه لا يمكن الاختلاف حول الدور الذي قامت به ولا تزال تقوم به هذه المرأة في تشكيل حركة التاريخ والحضارة في هذا البلد، فالمرأة العمانية تتميز بالذكاء والدافعية الكبيرة للعلم والعمل، والطموح، والإتقان، والمبادرة، وهي صفات ضاعفت من قدرتها على المشاركة في الرقي ببلدها والمساهمة في تعزيز مجتمعها في الوقت الحاضر.
إنه من الخطأ اليوم ونحن نتكلم عن المرأة العمانية، أن يكون محور نقاشاتنا أحقية المرأة للخروج للعمل أو لا؟ أو هل عملها ضرورة أم أن مكانها البيت فقط؟ أو أن نضعها أمام الخيارات الصعبة للعمل بشرط التوفيق بين مسؤوليات البيت ومسؤوليات العمل؟ أو من أحق براتبها هي أم زوجها أم أهلها؟ أو هل من حقها أن تكون طموحة أو لا؟ أو من حقها أن تختار زوجها أم عليها أن ترضى بما يختاره الأهل لها؟ اليوم ينبغي أن نمحور نقاشاتنا حول سؤال واحد: كيف سيكون وضع المجتمع العماني ونهضته لو لم تشارك المرأة في تحمل المسؤولية؟
إن الإجابة عن هذا السؤال لا تهم الأسرة فقط، بل إن مستقبل وطن بأكمله يتوقف عليها، إن دور المرأة العمانية اليوم لابد أن يطرق من زاويتين على قدر كبير من الأهمية؛ الأولى تتعلق بأثر هذا الدور على الأسرة والثانية تتعلق بأثر دورها على عمان. فيما يتعلق بالأولى نجد أن عمل المرأة ساعد على تحسن المستوى المعيشي لأسرتها الكبيرة أو الصغيرة، بل إن عمل المرأة في كثير من الحالات حمى الكثير من الأسر من الحاجة عندما غاب دور بعض الرجال عن مسؤولياتهم الأسرية أو لم يحملوها باقتدار؛ ويعود هذا إلى أن المرأة بحكم تشكيلها السيكولوجي معطاءة لا تفكر في نفسها بقدر ما تفكر في من حولها، تدخر ما تحصل عليه لترسم الفرح في وجوه الآخرين، تكدح طوال الشهر في ظروف عمل ليست دائما مناسبة لطبيعة المرأة، وفي مكان قد يكون بعيدا عن أسرتها، وبأجر قد يكون زهيدا، لكن المهم هو أن تسد حاجة أسرتها، والعمانية بذلك امتداد لأمها وجدتها وخالتها وغيرهن ممن كن يكدحن في الحقول والمزارع والمراعي وغيرها من أماكن الإنتاج ويقمن على تربية الأولاد وتنشئتهم عندما كان الرجال أحيانا مسافرين لطلب الرزق خارج حدود الوطن.
وفي إطار بناء الأسرة، من الضروري الإشارة إلى أن المرأة إن لم ينسب إليها الفضل كله، فهي صاحبة الفضل الأكبر في تنشئة الأجيال التي تأخذ مكانها على مقاعد الدراسة أو في أماكن العمل فمعظم الرجال عندنا استقال من هذه المهمة، وحجة بعضهم أن جلوس المرأة بالبيت لتأدية واجب التربية، وفي الواقع جلست المرأة في البيت أم خرجت للعمل فهي من يقوم بمعظم مهمة التنشئة الاجتماعية، هي من تساعد الأولاد على المذاكرة والقيام بالواجبات المنزلية المكلفين بها من المدرسة ، وهي من تنظر في مشاكلهم وتحلها، هي من تأخذهم للمستشفى، ومن تسهر طوال الليل بجانبهم عندما يمرضون، وبالتالي فإن تعليم المرأة لم يقتصر على تغير خريطة الوظائف التي كانت مقصورة على الرجل، لقد أثبتت الدراسات الأثر الاجتماعي الإيجابي لتعليم المرأة، حيث سجلت الدول التي ترتفع فيها معدلات تسجيل الإناث في التعليم الثانوي معدلات منخفضة في وفيات الأطفال، ومعدل تغذية جيد للأطفال، كما أن ارتفاع معدل التعليم يخفض من معدل العنف ضد المرأة، مما يشير إلى أن تعليم المرأة عامل أساسي في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين رخاء الأسرة والمجتمع على حد سواء.
أما الزاوية الثانية المتعلقة بالوطن والمرأة، نجد أن المرأة كانت على الدوام عاملا أساسيا في تحقيق التنمية والاستقرار الاجتماعي في هذا الوطن، ومن المهم أن نذكر هنا أن من المنجزات الهمة في تاريخ النهضة العمانية بقيادة مولانا صاحب الجلالة السلطان المعظم، هو أنها عملت على وضع السياسات المختلفة لتمكين المرأة العمانية في مختلف المجالات، وأثبتت المرأة العمانية جدارتها بهذه الثقة، فالمرأة العمانية لم تكن يوماً ما إشكالية تنموية بل هي اليوم عنصر أساسي لا يمكن تجاهله في حل الإشكاليات التنموية،
إنه ليس من الإنصاف أن نقول اليوم إن المرأة العمانية هي نصف المجتمع، ففي ذلك إجحاف كبير للدور الكبير الذي تقوم به، فهي نصفه من حيث التعداد السكاني فقط، ولكنها كل المجتمع من حيث الفاعلية والإنتاج، لأنها تعمل طوال ساعات اليوم، فدوامها ليس رسميا فقط، يبدأ وينتهي عند الساعات المحددة، إنما يبدأ ببداية اليوم وينتهي بنهايته؛ فبعودتها للمنزل تبدأ باستكمال مهامها وواجباتها تجاه المنزل والزوج والأبناء، ورغم ذلك فإن المرأة العمانية هي العنصر الأكثر شعوراً بالرضا المهني والحياتي، ولولا بثها هذا الشعور في من حولها لخيم التشاؤم على من حولها فهناك قيمة كبيرة لكل شيء في هذا الوطن؛ للسلع والسيارات والعمارات والأراضي وغيرها إلا أن العمل والدور الذي تقوم به المرأة العمانية فقيمته لا تزال موضع أخذ ورد من قبل أفراد المجتمع.
إن أي مشروع ناجح يحققه الرجل أو المرأة في هذا الوطن وراؤه امرأة، فالمرأة العمانية كملكة خلية النحل، قد تكون هذه خلية أسرة أو مؤسسة خاصة أو حكومية أو اجتماعية لتنتج الشهد لهذا المجتمع، وإن لم تنتجه هي مباشرة، فهي بكل تأكيد وراء الرجال الذين ينتجونه؛ تتحمل متاعب انصرافهم للعمل والإنتاج، والمتاعب التي يواجهونها، لأنها تنظر لهم على أنهم خطة تحرص على تنفيذها على أكمل وجه… فإذا نجحت فهي التي صنعتهم وإذا فشلت فذلك لأنها تعبت من تقويمهم وإدارتهم ودفعهم إلى الأمام، وما أكثر نجاحات المرأة العمانية. فلكل امرأة عمانية صانعة للمجد في أي قول أو عمل قامت في أرض عمان، مني تحية إجلال وإكرام.