ترجمة: علاء البشبيشي- شؤون خليجية-
حينما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية ودور المرأة، يرى البعض نصف الكوب الفارغ، بينما ينظر آخرون إلى النصف الممتلئ. وفي حين يأسف البعض لاحتلال المملكة المركز الـ130 من أصل 142 بلدًا في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2014، يسلط آخرون الضوء على أن السعودية كانت من بين الدول التي حققت أكبر تقدّم في هذا التقرير.
في هذا الحوار الذي أجراه "فيكتور أرجو"، عبر موقع يور ميدل إيست، حول المفاهيم الغربية الخاطئة عن المرأة في السعودية، والذي يوفر إطلالة على المشهد النسويّ في المملكة المحافِظَة؛ ترى عائشة بنت عبدالله (اسم مستعار) أن المملكة شهدت تطورا سريعًا على المستويين الثقافي والاجتماعي خلال العقدين الفائتين.
مضيفة: "أستطيع القول: حدثت تغييرات كثيرة أثرت على دور المرأة في المجتمع السعودي بطريقة إيجابية".
تعيش "عائشة" في مدينة جدة مع زوجها وأطفالها الثلاثة، لكنها نشأت في كنف ثقافة مختلفة (غربية/شرق أوسطية) خارج السعودية، حيث قضت جزءًا كبيرًا من طفولتها وفترة مراهقتها. تعمل في مجال التعليم كمحاضرة، وتستكمل حاليا دراسة الدكتوراة في أوروبا. تعتبر نفسها ناشطة "نسويَّة"؛ وهو المصطلح الذي يعني في قاموس "عائشة" أن المرأة ينبغي أن تُمنَح الفرصة كاملة لتحقيق طموحاتها والمساهمة في بناء المجتمع.
استطاع "أرجو" إجراء حوارٍ معها حول واقع المملكة العربية السعودية في عام 2015 من وجهة نظر امرأة.. مستهلا بالتماس العذر بين يدي أسئلته التي وصفها بـ قلة المعرفة، عسى تشفع لها الإجابات الذكية التي زيَّنت بها "عائشة" الحوار.
فيكتور: ما هو دور المرأة في المجتمع السعودي؟ وكيف يتوقع المجتمع السعودي، أو الرجال السعوديين، مساهمة المرأة السعودية في المجتمع؟
عائشة: أولا، أعتقد أنه من الأفضل تفهُّم أننا لا نستطيع، ولا ينبغي، أن نضع كافة النساء السعوديات في سلة واحدة، كما لو كنَّ يشتركن جميعا في الدور الاجتماعي ذاته داخل المجتمع. فلديهن، مثل كثير من النساء حول العالم، لديهن هويات وأدوار اجتماعية مختلفة، ويسهمن بشكل مختلف في مجتمعهن الخاص.
أيضا، عندما سألتَ عن المجتمع السعودي، أضفتَ جملة "الرجال السعوديين"، ويبدو أنها تشير إلى اعتقادكَ بأن الرجال السعوديين يسيطرون على الأدوار الاجتماعية للمرأة. مرة أخرى، أشعر أنه ليس من الإنصاف وضع جميع الرجال السعوديين في سلة واحدة بهذه الطريقة.
من وجهة نظري، سيكون أكثر جدوى إذا حررنا أنفسنا من مفهوم الرجل السعودي مقابل النساء السعوديات.
قبل 50 عاما، كان يُتَوَقَّع أن تبقى النساء في المنزل لرعاية الأسرة، بينما كان يُتَوَقَّع أن يعمل الرجل لرعاية الأسرة. بيدَ أن ذلك تغير كثيرًا في الوقت الحاضر، وهو ما يرجع إلى أسباب عديدة يمكن أن تُعزَى إلى النمو الاقتصادي والتغير الاجتماعي الذي شهدته المملكة العربية السعودية.
فيكتور: غير المطلعين من الغربيين لا يعرفون عن المرأة في السعودية سوى شيئين: أنهن ممنوعات من قيادة السيارة، وممارسة الرياضة. كيف يمكنكِ الرد على هذا التبسيط لحياة المرأة التي تعيش في المملكة العربية السعودية؟
عائشة: لكي نكون صادقين، هذا هو حال الغربيين حتى مستنيرين منهم؛ لأن معظمهم لا يريد حقا معرفة الكثير عن الحياة السعودية. هم يشعرون بارتياح أكبر في ظل الاعتقاد بأن طريقتهم الغربية في الحياة أفضل وأرقى من أي حياة غير غربية.
أولا وقبل كل شيء، ليس صحيحا أن النساء لا يُسمَح لهن بممارسة الرياضة في المملكة العربية السعودية. لقد شاركت سارة عطار في دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012. وهناك صالات رياضية خاصة بالنساء في جميع أنحاء البلاد. وألعاب رياضية في المدارس الخاصة. المكان الوحيد الذي لا يُسمح للنساء فيه بممارسة الرياضة هي المدارس الحكومية السعودية. لكن في المقابل، تشجع الجامعات الحكومية النساء على ممارسة الرياضة.
أما بالنسبة للقيادة، فصحيحٌ أنها محظورة، لكن هذا لا يعني أنه لا يسمح لنا بمغادرة منازلنا، والمشاركة في الحياة الاجتماعية. أنا أصطحب أطفالي إلى المدرسة كل صباح، وأذهب للعمل، ثم أُعيدهم من المدرسة. أصطحبهم إلى دروس الدراما وكرة القدم والزومبا في عطلات نهاية الأسبوع. ألتقي أصدقائي في المطاعم والمقاهي. وأحضر المناسبات الاجتماعية والأكاديمية المختلفة.
بعبارة أخرى، أنخرِط في الأنشطة الاجتماعية، مثل أي امرأة في الغرب أو وبقية العالم العالم، والفرق الوحيد هو أن لدي سائق يأخذني إلى هذه الأماكن.
ضع في اعتبارك أن العديد من النساء السعوديات يفضلن هذا النمط؛ لاعتقادهن بأنه أسلوب حياة أكثر تَمَيًّزًا. وعليه فإن قيادة المرأة للسيارة في المملكة تتعلق بالحق في "الاختيار" أكثر من تعلَّقها بالحق في "القيادة".
فيكتور: ما هو أكبر سوء فهم يقع فيه الغربيون عادة فيما يتعلق بالنساء وحياتهن في المملكة العربية السعودية؟
عائشة: أعتقد أن المفاهيم الخاطئة تنبع أساسا من الغربيين الذين يرفضون قبول طرق الحياة الأخرى. بعبارة أخرى، هم يعتقدون أن النساء في المملكة مقيدات وغير قادرات على المشاركة في الحياة الاجتماعية.
يفترض هذا الرأي أن النساء السعوديات مخلوقات ضعيفة ومهيضة الجناح. والحقيقة أن النساء في المملكة العربية السعودية يتفهمن النظم الاجتماعية المختلفة التي ينتمين إليها، هذا الفهم والمعرفة يسمح لهن باجتياز العديد من التحديات والعقبات التي قد تواجههن. النساء عضوات فاعلات في المجتمع السعودي، يعملن بنشاط لجعل المملكة أفضل، ليس فقط بالنسبة للنساء، ولكن لجميع أفراد المجتمع.
فيكتور: لماذا هذه الجلبة والحساسية المثارة حول قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية؟
عائشة: أعتقد أن السؤال الأفضل هو لماذا يتم التركيز كثيرا على قيادة المرأة للسيارة. قبل بضع سنوات، كانت المرأة محرومة من المرأة الرعاية الصحية دون موافقة أولياء أمورهن الذكور، والآن تغير هذا الوضع. أيضا، لم يكن مسموحًا للنساء بالعمل دون موافقة ولي أمرهن، لكنهن الآن يمتلكن حرية العمل دون موافقة أحد. لكن هذين الانتصارين الكبيرين لحقوق المرأة مرَّا مرور الكرام دون أن يلاحظهما أحد في وسائل الإعلام الغربية.
أوافق على أن قضية القيادة مهمة، لكننا مع ذلك بحاجة أيضا إلى الاعتراف بالمساهمات الأخرى التي تستطيع المرأة تقديمها.
فيكتور: قرأتُ تصريحًا لامرأة سعودية تتهم الرجال السعوديين بالافتقار إلى احترام المرأة. ما هي تجربتك في هذا الصدد؟
عائشة: ربَّاني رجلٌ منحني القدر ذاته من الحب والاهتمام والاحترام الذي منحه لأولاده الرجال. كما عاملني إخوتي الثلاثة بحب واحترام. وأنا متزوجة أيضا برجلٍ رائع، يعاملني وبناتي بحب واحترام.
عمومًا، أنا لا أضع الرجال في مواجهة مع النساء مثلما يفعل كثيرون. أعتقد أن الرجال والنساء في بلدي أجبروا على مسايرة بعض الفئات الاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، هناك عدد متزايد من الرجال في المملكة يدافعون بقوة عن حقوق المرأة. حتى أن البعض ينظر إلى الملك الراحل عبدالله كواحد من هؤلاء، استنادا إلى مراسيمه الملكية العديدة التي أصدرها في صالحهن.
فيكتور: قال روبرت لاسي في كتابه "داخل المملكة" أن السحاق "ليس من الصعب العثور عليه" في السعودية؛ لأن المرأة يمكنها الحصول من النساء الأخريات على ما قد لا تستطيع الحصول عليه من الرجال السعوديين: الرقة، المشاركة، الثقة، الصدق، الدعم، الاحترام. هل يمكنك التعليق على هذا؟
عائشة: قرأتُ هذا الكتاب، ويجب أن أقول إنه يقدم وجهة نظر شديدة الانحياز عن الحياة السعودية. والقول بأن السحاق يرتبط بنقص الحنان الذي يمنحه الرجال يفتقر إلى أدنى درجات الدقة، بل هو كلامٌ شديد الحماقة. وأنا متأكدة من أن أي سُحاقية غربية ستتأذى لسماع مثل هذه الافتراضات.
فيكتور: يقول البعض إن "النمط الاجتماعي المحافظ هو الغراء الذي يحافظ على تماسك المملكة العربية السعودية". بيدَ أن هذا النمط الاجتماعي المحافِظ يكون له تأثير سلبي على المرأة في كثير من الأحيان، داخل أي مجتمع.
عائشة: يعتمد ذلك على تعريفك للنمط المحافِظ. لسوء الحظ، هناك افتراض ضمني بأن المحافظة في السعودية ترتبط بالتطرف، ما يعني أن كليهما ينبع من المدرسة الفكرية ذاتها التي تنظر للمرأة بطريقة مهينة. لكن هذا ليس دقيقا.
أعتقد أن الغراء الذي يجعل المملكة متماسكة هو الإسلام. هذا هو أساس كافة العناصر الاجتماعية والثقافية في مجتمعنا. يتعامل السعوديون مع دينهم بطريقة وقائية، بغض النظر عن مستواهم المحافظ. ذلك أن الدين في نواح كثيرة هو ما يحدد هويتنا كأمة، لا سيما أن هذه الأرض مهد الإسلام.
فيكتور: ما هو تأثير الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية على المرأة السعودية خاصة؟ كيف تغيرت التفاعلات الاجتماعية؟
عائشة: أهمية الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية، كما أراه، يتعلق في حقيقته بقدرة المرأة على التعبير عن رأيها وتبادل خبراتها الشخصية مع العالم.
علاوة على ذلك بالنسبة للمرأة، ليست سهولة الاتصال بالرجال عبر وسائل الإعلام الاجتماعية هي الأمر الهام، بل التواصل مع نساء أخريات من جميع أنحاء العالم، تجمعهن مكافحة التمييز على أساس الجنس والقهر وسبل التغلب على هذه التحديات.
فيكتور: من وجهة نظر الغرب، يعتبر المجتمع السعودي جامدًا جدا، ويتعلق كل شيء فيه بالمظاهر و"الوجه". فهل هناك مشهدٌ "تحت الأرض" في المملكة، حيث يحضر الرجال والنساء السعوديات حفلات، ويرقصن، ويشربن الكحول، ويستمتعن سويًا ؟
عائشة: لا يتعلق الأمر بـ"المظهر والوجه". كما ذكرتُ سابقا، يتعامل السعوديون مع الإسلام والقيم الإسلامية بجدية شديدة نظرا للأهميته التاريخية والجغرافية. وأي مجتمع لديه مشهد "تحت الأرض" ينشأ كأحد أشكال التمرد.
ومع ذلك، ما هو أكثر إثارة الآن هو المشهد- بالأحرى الحركة- النسويـ/ـة، وهذا لا يحدث تحت الأرض بأي حال. ورغم مواجه انتقادات حادة، تعرب الكثيرات من الناشطات النسويات السعوديات عن آرائهن عبر وسائل الاعلام الاجتماعية والتجمعات الاجتماعية لرفع مستوى الوعي وتعزيز العدالة الاجتماعية.
ومع ذلك، مثل الحركة النسويَّة في بقية أنحاء العالم، هناك وجهات نظر مختلفة حول الفكر النسويّ في المملكة العربية السعودية. هناك ناشطات نسويات متنوعات في المملكة يتخذن نهجًا مختلفًا للنسوية. سعاد الشمري هي جزء من الحركة الليبرالية السعودية، لكن من ناحية أخرى توجد وجهة نظر نسوية أكثر إسلامية مثل التي تتبناها عزيزة اليوسف.
هناك أيضا ناشطات لا يُطلق عليهن بالضرورة "نسويات" لأنهن يعتقدن بأن الكلمة مصبوغة جدا بالفكر الغربي، لكنهن على الرغم من ذلك ناشطات قويات في مجال حقوق المرأة في السعودية. على سبيل المثال، كانت الدكتور سامية العمودي مدافعة قوية عن حقوق المرأة الصحية في المملكة العربية السعودية.
فيكتور: كامرأة، هل تفضلين العيش في المملكة العربية السعودية أم في الغرب؟
عائشة: هذا السؤال معقد للغاية. رغم أن الحياة في السعودية قد تمثل تحديًا للمرأة، أشعر بالإثارة والأمل (وهو ما يرجع جزء كبير منه إلى التغيرات السياسية والاجتماعية الداعمة للمرأة في عهد الملك عبد الله، وإلى الحركة النسوية الحالية). كامرأة مسلمة ملتزمة (يُنظَر إلى هكذا بسبب حجابي)، تُعتبر الحياة في أوروبا والولايات المتحدة صعبة للغاية نظرا لموجة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) الذي لا يُتسامَح معه فقط، ولكن أيضًا تشجعه الحكومات بسلبية-عدوانية.
أما بالنسبة للتحديات التي تواجه المرأة في المملكة، فأعتقد أنها تختلف بناء على ما قد تجده كل امرأة صعبًا. بالنسبة لي، أجد فكرة احتياج المرأة البالغة المتعلمة مثلي إلى إذن ولي أمرها للقيام ببعض الجوانب الأساسية في حياتها أمرًا مهينًا.
أود القول: على الرغم من أن ولي أمري، زوجي، لم يعترض يومًا أو حتى همَّ بالاعتراض على أي شيء أود فعله، فإن ما يزعجني هي فكرة أنني بحاجة رسميا إلى موافقته. هذا يرجع لإدراكي أنه على الرغم من كوني محظوظة بما فيه الكفاية لكي لا أواجه مشاكل مع ولي أمري، فإن هذا ليس الحال ذاته مع العديد من النساء السعوديات.
ومع ذلك، للإجابة على سؤالك، فإنني أفضل- في هذا الوقت من حياتي- أن أعيش في المملكة العربية السعودية.
فيكتور: كيف تريدين أن تساهمي شخصيا في تنمية المجتمع السعودي والدولة؟
عائشة: التعليم! أؤمن بتعليم المرأة، وأعتقد أن التعليم يُمَكِّنها. وأنا سعيدة جدا بالتقدم الكبير في مجال تعليم المرأة داخل المملكة وأتمنى أن أكون جزءا من ذلك.