نورة بنت عفيش- الخليج الجديد-
تخيل لو أن رجلا سعوديا قرر أن يقطع شكه حول تصرفات زوجته. تخيل أن الرجل قرر أن يلعب على الوتر الحساس الذي تخافه الكائنات البشرية في هذه البلاد، ففكر بالفضيحة. تخيل الزوجة جالسة في سيارتها تتحرش بسائقها دون أن تدري أن كاميرا مثبتة تسجل كل تحركاتها. تخيل زوج المرأة وهو يشاهد الشريط ويقرر رفعه على وسائط التواصل الاجتماعي. هل كان سيعاقب وتتحول قضيته من خيانة وتحرش ومس بالشرف إلى قضية انتهاك لحياة شخصية قائمة على العفن.
أصلا ما تخيلناه ليس منطقيا البتة، فالزوج لن يصبر على زوجته حتى يقبض عليها بالجرم المشهود. تكفي قصاصات من الورق تحمل أرقاما في محفظتها حتى يقتلها دون عناء وأمام أعين الناس وأعين أطفالها، ويسلم نفسه للشرطة من دون أن يرف له جفن. فباعتقاده أن ما قام به هو حماية للشرف والعرض المعلق بأذيال عباءة سوداء تكنس أخطاءه وتخبئها من دون أن تجرؤ على النظر إلى الأعلى.
تلقت المرأة انتقادات واسعة على هاشتاغ «#سعودية تفضح زوجها الخائن». وبدلا من نصرة الضحية التي كشفت زوجها في حالة تحرش وقحة بالخادمة العاملة في منزلها، تحولت القضية إلى حفلة تضامن مع الرجل المفضوح واتهام زوجته بالإساءة إلى سمعته والتشهير به. فقد كان من الأجدى لها التستر على هذه المعصية والصبر من أجل العيال.
حتى الحقوقيون في السعودية قرروا أن ما فعلته المرأة يقتضي إنزال عقوبة بها تتضمن السجن مع غرامة تصل إلى 500 ألف ريال.
ليست المرة الأولى التي تقوم فيها النساء بالسعودية باستخدام الفيديوهات المصوّرة لفضح حالات تحرش أو خيانة. ففيديو التحرش بفتاتي مدينة جدة على كورنيشها في ثاني أيام العيد أثار ضجة كبيرة انتهت باتهام الفتاتين مع ولي أمرهما المسؤول عن تصرفاتهما بتحريض الشباب على فعل التحرش اللفظي والجسدي.
كان الفيديو يظهر تجمهرا لشبان حول فتاتين على كورنيش مدينة جدة، ليظهر فيديو آخر يكشف الحقيقة كاملة على رأي السعوديين، ويبين أن الفتاتين تتحملان كامل المسؤولية بعد التلويح للفتية والابتسام لهم وتحفيزهم على التحرش بهما لفظيا. وقبلها كانت حادثة التحرش الجماعي في مجمع الظهران التجاري، وانتشر الفيديو وقبض على المتحرشين وحُمِّلت الفتيات مسؤولية ما جرى، وقبل تنفيذ حكم الجلد الصادر بحق الفتيان.. تم إطلاق سراحهم بكفالة، وأقفلت القضية.
رغم تكرار حوادث التحرش في المملكة، وتكرار تسرب الفيديوهات على شبكة الإنترنت، وفوران العالم الافتراضي على تويتر بين مؤيد ومعارض وملقٍ باللوم على العنصر الأنثوي، يبقى التحرش ظاهرة غير معترف بتمددها وانتشارها على مظاهر الحياة السعودية. من تحرش بالخادمات أو بالنساء بالأسواق أو حتى بالأطفال. ينجو المتحرش بسلاسة، يكفي القول إنه غير سوي أو صاحب اضطرابات عقلية حتى تنتهي القضية ويغلق الملف.
تحمل المرأة السعودية هاتفها كسلاح. تحاول أن تستخدمه لاقتناص حقها في أبسط الأشياء، لكن دوما يجد القانون الفضفاض طريقه لإفشال المحاولات. فالتوثيقات غالبا ما تنقلب على ناشرها عبر القانون الذي يعاقب التشهير الإلكتروني بالأشخاص. وتتحول القضية من حادثة تحرش بالضحية إلى واقعة لمعاقبتها والاقتصاص منها.
وربما لتفادي أي حالات تحرش في الانتخابات البلدية التي ستجرى في كانون الاول/ ديسمبر 2015، حذرت الحكومة النساء اللواتي يخضنها للمرة الأولى ترشحا وانتخابا، من مغبة الاختلاط بالذكور. وصدر القرار بمنعهن من الاختلاط مع الرجال وبتغريمهن بـ 10 آلاف ريال في حال حدثت تصرفات لا يقبلها المجتمع السعودي المحافظ، كالحديث مع ناخبين ذكور والتسويق لبرنامجهن الانتخابي مباشرة أمام قاعدة من الذكور في المملكة.
هذه البلاد تعاقب نساءها، تخنقهن، تفتح لهن بابا لتسد ألف باب. تحملهن مسؤولية الخراب، ترفض أن تصدِّقهن: فالتحرش هنَّ سببه، والاغتصاب هنَّ سببه، وسوء المعاملة هنَّ سببه. الرجل السعودي لا يمكن أن تصدر عنه زلة، تحميه قوانين الأرض والسماء. هو بريء حتى لو ارتكب الجريمة، بريء حتى لو أتى الفاحشة. ستحمل المرأة المسؤولية كاملة عنه. هي دوما المدرِكة وهو المريض نفسيا الذي تسقط عنه التجاوزات والانتهاكات.