المدينة السعودية-
استقبلت مؤسسات رعاية الفتيات بالمملكة خلال عامين 2706 حالات -بحسب ما جاء في الكتاب الإحصائي السنوي لإدارة التخطيط والتطوير الإداري بوزارة الشؤون الاجتماعية للعام المالي-.
وجاءت قضايا الأخلاقيات أولاً بـ94 حالة، تلتها 47 حالة بسبب وجود بوادر انحراف من أصل 189 حالة. وأشار التقرير إلى أن الشريحة الأكثر وجودًا في تلك المؤسسات هي في الأعمار التي تتراوح ما بين 15-25 عامًا، فيما بلغ عدد غير المتزوجات 158 حالة.
واتّضح أن سبب طي قيد 9 حالات فقط، من أصل 996 حالة تم طي قيدها خلال عام، كان بسبب عودتهنّ إلى أسرهنّ.
وتطرح تلك الأرقام تساؤلات كثيرة، وعلامات استفهام حول ماهية البرامج المقدمة للنزيلات، ومدى قدرتها على تغيير سلوكهنّ بشكل إيجابيّ، كما يطرح التقرير مؤشرًا حول مدى نجاح برامج الرعاية النفسية للنزيلات.
ويشكل رفض الأسر استقبال بناتهم بعد انقضاء محكوميتهن في مؤسسات الرعاية تحديًا كبيرًا للقائمين على العمل الاجتماعي، حيث يرفض الكثير من أولياء الأمور عودة الفتاة إلى بيتها؛ ممّا أوجد إشكالية أخرى الأمر الذي دفع عددًا من القانونيين للمطالبة بتدارك الأمر، بنزع الولاية، وجعل القاضي وليًّا للفتاة في حال رفض ذويها استقبالها.
يُشار إلى أن مؤسسات رعاية الفتيات بالمملكة، وعددها 4 تختص برعاية الفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن على 30 عامًا ممّن يصدر بحقهنّ أمر بالتوقيف، أو الحبس على أن يراعى بالنسبة لمن هنّ دون الخامسة عشرة أن يمضين فترة التوقيف أو الحبس في قسم خاص بهنّ داخل تلك المؤسسة».
استشارية: الدورات النفسية ليست على ما يرام
أوضحت الدكتورة هويدا الحاج الحسن -وهي استشارية نفسية في المركز الطبي الجامعي بالعيادة النفسية في جامعة أم القرى (قسم البنات) بمكة المكرمة- أن الرعاية النفسية المقدمة للنزيلات في مؤسسات الرعاية ليست كما يرام، وأن القائمات على تلك الدورات في معظمهن ليسن من المختصات النفسيات، بل أخصائيات في الخدمة الاجتماعية، وهؤلاء مهيآت برأي لدراسة الحالة بشكل عام، والتواصل مع الأهل، وإدخال السرور على الفتيات، لكن الفتاة بشكل خاص بحاجة إلى استشارية نفسية».
وأضافت: سبق وأنا ألقيت أكثر من مرة دورات نفسية لنزيلات الدور في مؤسسة رعاية الفتيات بمكة المكرمة، ودار الحماية بجدة -ولم تكن حينها الرعاية النفسية المقدمة للنزيلات على ما يرام- والتقيت ببعض الفتيات، وتأثرت لما رأيتهن؛ لأنه ليس لهنّ ذنب أبدًا، حيث ساهمت الظروف الحياتية القاسية جدًّا في بيوتهن، وكذلك ضغوطات الأهل غير العادي في دفع الكثير منهن للهروب من بيوتهن، مشيرة إلى أن أبرز الإشكاليات اللاتي تواجهها الفتيات هي القسر في الأوامر، والحرمان العاطفي.
وحول تصدر القضايا الأخلاقية قائمة أسباب الإيداع قالت: لا نستغرب هذا العدد الكبير من قضايا الأخلاقيات، وبوادر الانحراف بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت سهلة التناول. وأضافت: «أغلب أعمار الفتيات تكون في مرحلة المراهقة، والتي تبدأ من سن البلوغ، وبرأيي فإنها لا توجد لها سن معين، فبعض الحالات وصل عمرها إلى 35 عامًا، ولا زالت تعاني من المراهقة، ولكن بالإجمال العمر الصغير هو الأكثر من ناحية التغرير به، وحينها يبدأ موضوع الانحراف. وللأسف الشديد يبدأ الخلل من شيء بسيط، كمكالمة عابرة إلى أن يصل إلى موضوع أكبر».
وأشارت إلى أن المسؤولية الأكبر في تحمّل وصول الفتاة إلى هذا المستوى تقع على عاتق الأم بالدرجة الأولى؛ لقربها من ابنتها، وذلك من خلال التربية السليمة الصحيحة، وإشباع الجانب العاطفي، والزواج المبكر لهنّ لإشباع الحاجة الجنسية»، منوّهةً إلى أن تأثير الدوافع الجنسية لارتكاب بعض القضايا قوي بحكم السن، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي غذّت هذا الجانب بشكل كبير للأسف».
المدير السابق لدار الحمايىة بجدة: رقم الجانحات يشكل ظاهرة
أكد المدير السابق لدار الحماية بجدة صالح سرحان الغامدي وجود قصور في الدورات النفسية المقدمة للنزيلات، ويضيف: «لازلنا مقصرين في حقهنّ، ولم نعطهن حقّهنّ بشكل كافٍ، فمن المفترض أي نزيلة في الدور الإيوائية بشكل عام تحصل على دورات نفسية بشكل عالٍ جدًّا لتؤهلها للعودة إلى حياتها مرة أخرى، والعلاج النفسي يُعتبر من أهم العلاج لنزيلات الدور.
وأضاف: إن تقارب أعمار الأخصائيات النفسيات مع أعمار النزيلات أحد أهم أسباب عدم ضعف التأهيل النفسي للنزيلات، ومن المفترض أن يكون عمر الأخصائية النفسية أكثر من 40 عامًا -على أقل تقدير- لأجل أن تخاطب النزيلة كابنة لها، وفي المقابل تكون نظرة النزيلة للأخصائية كأم.
وأشار سرحان إلى أن وصول عدد الفتيات الجانحات إلى هذا الرقم يشكّل ظاهرة، وليس بالرقم السهل، مشيرًا إلى أن الأمر الرئيس في تصدر الأخلاقيات لأسباب الإيداع يعكس ضعف تربية الأسرة، ومتابعتها لأبنائها، وأن السن هو سن المراهقة؛ لذلك لا بد من تنمية الجوانب النفسية بشكل كبير لدى النزيلات.
قانوني: لا بدّ من تحرك لإعادة تأهيل هذه الشريحة
طالب الخبير القانوني ماجد قاروب بتحرّك بين وزارتي الشؤون الاجتماعية، والعدل لإعادة تأهيل هذه الشريحة من الفتيات من خلال تشريع نظام ينزع ولاية الأب الرافض لاستقبال ابنته التي انتهت محكوميتها، وجعل القضاة بمثابة الولي الشرعي لها، مع توفير سكن لائق، وحياة كريمة لها، منوّهًا إلى أن ذلك سيؤدّي إلى تقليص تكرار عودة الهروب مرة أخرى.
وأضاف إن بعض أولياء الأمور تخلّوا عن إنسانيتهم، ورابطتهم الأسرية، من خلال رفضهم استقبال بناتهم، وكنا نتمنّى من أولياء الأمور تفهم النفس البشرية، وأنها معرّضة للخطأ، ويجب ألاّ يتجاوز الخطأ إلى أبعد من ذلك من خلال رفض استقبال البنت؛ ممّا يؤدّي بها إلى الضياع، ملمّحًا إلى أنهم في النهاية مسؤولون أمام الله عن ذريتهم، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الحل الأمثل هو جعل القاضي وليًّا للفتاة في حال رفض والدها استلامها.
«الشؤون الاجتماعية»: نقدّم الرعاية النفسية الكاملة للنزيلات
أوضح يوسف السيالي مدير عام رعاية الأحداث والمسنين بوزارة الشؤون الاجتماعية أن مؤسسات رعاية الفتيات تقوم باتخاذ عدد من الإجراءات عند استقبال الحالة، وتقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية، والبرامج المتنوعة، مؤكدًا أن أن من يقوم بالتعامل مع الحالات النفسية هم من المتخصصين في علم النفس، ولديهم تصنيف من هيئة التخصصات الطبية، وهذا ما تؤكد عليه الوزارة في هذا الجانب.
وأضاف إنه عند استقبال الحالة، والتي تكون إمّا تحت رهن التحقيق، أو المحاكمة تقدّم لها الخدمات التالية: فتح ملف نفسي للحالة يشمل البيانات المتعلّقة بالحالة، ومن ثم يتم دراسة الحالة من قبل الأخصائية النفسية، وتطبق عليه المقاييس النفسية حسب ما تراه الأخصائية النفسية، ومن ثم يتم تشخيص الحالة فإن كانت تعاني من اضطرابات نفسية، أو سلوكية فتتم إحالتها مباشرة عن طريق الدار برفقه الأخصائية النفسية، وحارسة الأمن إلى مستشفى الصحة النفسية لتلقي العلاج اللازم، وإذا كانت تعاني من أعراض فيتم علاجها داخل المؤسسة، ويتضمّن ذلك (العلاج المعرفي - العلاج السلوكي - التوجيه والإرشاد - الاسترخاء) من قبل الأخصائية النفسية، وذلك بالتعاون مع فريق العمل.
وزاد: «يتم إعداد الخطة العلاجية للحالة بالاشتراك مع فريق العمل، كما يتم فتح نافذة تواصل مع الأسرة لضمان عدم انفصال الحالة عن المحيط الخارجي، وإعادة تأهيل الأسرة لتقبّل الحالة، كما يتم العمل داخل المؤسسة على إعادة تأهيل الحالة تمهيدًا لإعادتها لأسرتها بعد انتهاء محكوميتها».
وواصل السيالي حديثه بقوله: «كما يتم التعرف على المهارات والهوايات التي تمتلكها الحالة، ومدى ما تملكه من قدرات لتنميتها مع فريق العمل»، وتقوم كذلك الوزارة بإعداد التقارير النفسية للجهات المعنية في حال الطلب.