عبده الأسمري- الشرق السعودية-
يذكرني مصطلح ناشط وناشطة تماماً بمسمَّى محلل سياسي، أو خبير دولي، أو خبير في شوون العلاقات الدولية لتشابة الوصفين في ضياع الهدف، وغياب الجدوى. الفرق بين الاثنين هو أن الناشط والناشطة يطلقان على نفسيهما المسمَّى، أما المحلل، أو الخبير، فإن القناة هي التي تتكفل بتضخيم المسمَّى، و»تفخيم اللقب»، حرصاً منها على «تلميع» برامجها، و»تطبيلاً» للضيف.
سأتحدث اليوم في مقالي عن الناشطات في السعودية، هذا المسمى البليد من وجهة نظري قياساً بالأسماء، التي تعقب الصفة، وتتصف بها، فهنالك الناشطة الحقوقية، والناشطة الاجتماعية، وهنالك الناشطة في مجال حقوق المرأة، وغيرهن من الناشطات في كل شيء حتى في هدم البيوت، وإثارة الخلافات، والقيل والقال، وكثرة السؤال.
ناشطات المملكة نشيطات في النقد دون معرفة خلفياته، وباحثات عن الشهرة والاشتهار على حساب عديد من القيم والميول، بعضهن درسن في الخارج، واستلهمن أموراً من حقوق المرأة هناك في مجتمع مختلف في العادات والتقاليد، ومخالف لبيئة المرأة السعودية، فأتين من هناك بأفكار دخيلة كنوع من الحيل الدفاعية، وبعضهن لم يجدن عملاً أو وظيفة، وبعضهن فشلن في إتمام الدراسة، وصنف أخير منهن وجدن أن كلمة ناشطة «عربون سريع» لاعتلاء منصة «الجدل والتجادل»، ومن ثم امتطاء صهوة الشهرة المؤدلجة.
لست ضد أي حقوق مكفولة للمرأة وفق منظومة الدين والتربية والبيئة الأسرية، بالعكس، أنا أرى أن يصل صوت النساء بموضوعية عبر القنوات الرسمية، فالدولة وفَّرت كل مواقع التواصل لهن، وأتاحت جميع قنوات الإجراءات لتوظيفهن، بل إن المرأة نالت نصيبها المفترض في مواقع قيادية، وبات لها نصيب واقعي في مجلس الشورى، وأصبحت قيادية في بعض الوزارات، وقاسماً مشتركاً في المسؤولية والعطاء والعمل في جميع وزارات الدولة وقطاعاتها الحكومية في الأقسام النسائية في كل أنحاء البلاد.
هنالك حقوق إنسان في هيئة حكومية، وفي جمعية مجتمع مدني، توجد فيها الأقسام النسائية، وهنالك الأقسام المتاحة للمرأة في كل القطاعات، وهنالك 30 عضوة في مجلس الشورى، يناقشن أمور المرأة، وها هي المرأة تدخل الانتخابات البلدية ناخبة ومرشحة، وهنالك اللجان النسائية في كل موقع، والمرأة السعودية باتت نموذجاً عالمياً من منطلق محلي، ولولا الدعم الذي حظيت به لما رأينا مئات العالمات والمتميزات، يسجلن إبداعاتهن على خارطة العالم.
أعود إلى الناشطات، هن ثلة من النساء الباحثات عن الشهرة، ولو بحثنا في حيثيات وأجندات بعضهن لوجدناها فارغة من العطاء أو النماء، ومتفرغة للجدل دون الاستناد إلى ما يحق للناشطة أن تقوم به وتعمله. الناشطة لدينا نشيطة في الجهل، متخاذلة عن التجديد في البحث عن حقوق المرأة، ناشطة في البحث عن نفسها التائهة في غياهب الفشل، لتنعت نفسها بالناشطة، وتقيِّم نفسها بأنها الناصحة، الفالحة، القائمة على حقوق المرأة، المقيِّمة لأوضاع الحاضر والمستقبل.
وفق تقييم سريع ومختصر فإن هنالك حيلاً دفاعية، أخرجت لنا جيل الناشطات، وكانت هذه الحيل من تبرير وإسقاط وإعلاء بمنزلة منشطات، يستعن بها في إثارة الجدل في مواضيع إما أنها ممنوعة بحكم الشرع والعقل والمنطق، أو أنها غير صالحة للزمان والمكان، أو أنها في طور الدراسة والإجراء ووفق الاستراتيجية، التي تنتهجها الدولة، فيخلطن الباطل بالحق، ويستعجلن أموراً في غير أوانها بحجة أنهن ناشطات وهن في الأساس خاملات في المسوولية، أو المشاركة، أو التفاعل الحقيقي مع هذه الحقوق.
هؤلاء الناشطات، يرقصن بين حد الذنب والمغفرة، وتجدهن يتأبطن ملفاتهن وأوراقهن المهترئة، ويبحثن عن خيط ملون في سجادة بيضاء، «ينكصن» لفشل في مسيرتهن بالقفز على وتيرة المطالبات والحقوق، التي قد تُعلن في أجنداتهن على أنها حقوق خاصة بهن، فالنساء في وطني لسن في حاجة إلى «وصيات» برتبة ناشطة، وليتهن يتعلمن في بلاد الغربة ما هي مهام الناشطة، التي تعطي جل اهتمامها لمتابعة شؤون المرأة، وتوعيتها، وتعليمها كيف تساعد وتعاون، وتصنع القيمة الحقيقية لها.
تنادي بعضهن بقيادة المرأة السيارة، وهو موضوع أُشبع طرحاً و»مطارحة» بين مناداتهن والقرارالأزلي في هذا الموضوع، وتحاول بعضهن جزافاً الانتقاص من عمل عضوات «الشورى»، متشبثات برواسب خفية للبحث عن شهرة مؤدلجة في مجتمع لا يقبل الهذيان، ووسط منظومة واضحة للحقوق، يتم تحقيقها عبر قنوات رسمية، وتجدهن في كل مكان ومحفل يلاحقن «الفلاشات»، والمايكروفونات»، بحثاً عن صوت نشاز يرتفع باسم الناشطة.
لست ضد الناشطات، ولكني ضد الأسماء التي تقترن بذلك الأمر، فسيرتهن الأولى والحالية لا تتوافق مع المهمة، والأهم من ذلك الدوافع، التي كانت بمنزلة منشطات مقلدة، دفعتهن إلى السباق مع أنفسهن فقط، واللعب في ميدان خالٍ من المشاركة والتأييد.
أتمنى من كل مَنْ نعتت نفسها بالناشطة، أن تكون ناشطة مع نفسها وذاتها المريضة أولاً، ثم أن تفقه، وتعلم معنى المهمة، وأن توائمها مع طبيعة المرأة السعودية وبيئة المطالب، وقبلها القنوات الرسمية، التي ترسم ملامح وخارطة هذه الحقوق وفق أسس شرعية ونظامية، وأن تتعرف على الحقوق واتجاهاتها، التي تسير وفق طرق قويمة واستراتيجيات عادلة، تهدف إلى تحقيق مكانة مرموقة للمرأة السعودية، وتوفير كل حقوقها ومطالبها ومطامحها بعيداً عن هذيان وتوهان الناشطات الوهميات، والمنشطات الغريبة المريبة، التي دفعتهن لتولي هذه المهمة المخجلة المؤسفة.