مجتمع » شؤون المرأة

حدث يجدد الأمل: سيدة تترأس برلماناً عربياً

في 2015/11/23

محمود الريماوي- الخليج الاماراتية-

في زحمة الأخبار القاتمة التي تتعلق بالتطورات في المنطقة العربية، يبرز خبر يثير الأمل في مستقبل أفضل للشعوب والدول. الخبر يتعلق بانتخاب سيدة لرئاسة المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات الفتية، هي الدكتورة أمل عبدالله القبيسي، والسيدة المنتخبة مهندسة معمارية حازت شهادة الدكتوراه في تخصصها من جامعة بريطانية في العام 2000، وتعتبر ناشطة في العمل العام.

انتخاب القبيسي جاء بعد انتخابات شهدتها دولة الإمارات للمجلس الوطني في الثالث من أكتوبر الماضي، المجلس أنشئ في العام 1972 بعد عام واحد على استقلال البلاد كصيغة أولية آنذاك للمشاركة الشعبية. وقد تطور هذا المجلس ذو الطبيعة الاستشارية بحيث بات نصف أعضائه الأربعين ينتخبون بالاقتراع المباشر، فيما يتم تعيين النصف الآخر من ذوي الكفاءات. وبينما كان عدد الناخبين يقتصر على بضعة آلاف ناخب في الدورات الأولى للمجلس، فإن الانتخابات الأخيرة دُعي إليها 224 ألف ناخب من أبناء الإمارات، وقد استجاب لحق الاقتراع أزيد من 79 ألفاً منهم.

يضم المجلس الحالي 8 سيدات، وهي نسبة جيدة ومرتفعة مقارنة بمجالس مماثلة في دول عربية، بما في ذلك الدول العريقة في الممارسة الانتخابية مثل مصر والمغرب. واختيار سيدة لرئاسة المجلس يمثل تزكية للنساء الإماراتيات وللمرأة الخليجية والعربية عموماً، خاصة إذا ما وُضع في الاعتبار أن أي سيدة عربية لم ترتق بعد إلى هذا الموقع المتقدم في البرلمانات العربية، الأمر الذي يحمل معه هذا الحدث قيمة رمزية كبيرة، تشهد على ما أصاب التحول الاجتماعي والثقافي من تقدم مفتوح الآفاق على المزيد من التقدم حيث تتضافر الإرادتان الرسمية والشعبية على إفساح المجال واسعاً أمام النساء للمشاركة بغير تمييز على أساس الجنس.

وهذه خطوة تقدمية ومتقدمة وسط بيئة خليجية وعربية تنحو نحو محافظة متزمتة تُنكر على نصف المجتمع حقوقهن الأساسية وتحرم المجتمعات من طاقة كبيرة للعطاء والبناء. ويجدر التنويه بأن 74 سيدة تقدمن بترشيحاتهن للانتخابات الأخيرة، وهو عدد يزيد على عدد المرشحات في دول عربية عديدة قطعت شوطاً طويلاً في المجال الانتخابي.

يذكر هنا أن دولة الإمارات سنّت بموجب مرسوم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قانوناً يُجرم مختلف أشكال التمييز والكراهية ضد الأفراد والجماعات، أو التطاول على مختلف المعتقدات الدينية. وتضم دولة الإمارات إضافة إلى أبنائها وافدين مقيمين ينتمون إلى زهاء 200 جنسية، ويعتنقون ديانات وثقافات وأنماط حياة شتى، ويتمتعون بحقوقهم الدينية في أجواء من الحرية، والاحترام المتبادل بين الجميع.

ورغم أن حقوق النساء منصوص عليها في قوانين أخرى، إلا أن قانون مكافحة التمييز وفّر إلى جانب ما يقضي به الدستور، بيئة فكرية وقانونية رحبة، تُرسي أسس المساواة بين الناس وتنبذ مبدأ التمييز، وهو ما ينعكس إيجاباً على السلم الاجتماعي والتطور الاقتصادي والإداري والازدهار الثقافي، كما ينعكس إيجاباً على وضع النساء في المجتمع، بما يحول دون أي تمييز اجتماعي أو إداري سلبي ضدهن، كما يتبدّى للأسف في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية.

ومن المفارقة في بعض المجتمعات أن الإناث يتمتعن بحق التعليم في مختلف المراحل، لكنهن لا يتمتعن بفرصة مماثلة لتطبيق ثمرات تعليمهن في تقلد الوظائف، والمشاركة في الحياة المهنية والعامة.

خلال مسيرة اقترنت بالسنوات الأولى من فجر استقلال البلاد، حققت النساء في الإمارات مكانة مرموقة على صعيد الحقوق الدستورية والقوانين الوطنية التي تكفل المساواة وحق المشاركة. وقد نشأ الاتحاد النسائي العام كأول إطار يسهر على حقوق النساء في العام 1975، وهو ما مكّن (إلى جانب التعليم) المرأة من الوصول إلى مناصب وزارية، واحتلال أكثر من مقعد في الحكومة الواحدة وصل إلى أربعة مقاعد وزارية، فضلاً عن بقية المواقع الإدارية العليا، والمواقع الدبلوماسية والقضائية الرفيعة، والطيران المدني، وحتى في المجال العسكري والدفاع الجوي. ومع هذه الإنجازات التي عززت المساواة ودعمت تمكين المرأة في سائر المجالات، إلا أن الطموح كما هو بادٍ ما زال معقوداً على التقدم أشواطاً أخرى إلى الأمام، وهو ما يشهد عليه تشكيل «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين» الذي تم الإعلان رسمياً عنه خلال القمة الحكومية العالمية التي استضافتها دبي في فبراير/شباط من العام الجاري. والاسم الذي يحمله المجلس ينبئ بالطموح والتوجه إلى منح النساء حقوقاً كاملة كشريكات أساسيات في التنمية المستدامة والعمل العام، جنباً إلى جنب وعلى قدم المساواة مع الرجال.

ومع تبوؤ سيدة هي الدكتورة القبيسي رئاسة الهيئة البرلمانية في بلادها، فلا ريب أن حقوق النساء سوف تحظى بدفعة جديدة إلى الأمام، وإن كانت المهمة المناطة بصاحبة هذا الموقع الرفيع تتخطى ذلك إلى تمثيل المواطنين، وإرساء مرحلة جديدة من التعاون والمشاركة مع السلطة التنفيذية، وتطوير عمل المجلس ولجانه وأدائه، والجمع بين خصوصية المجلس الاتحادي وطبيعته، والتجارب البرلمانية الأخرى في العالم.

ويبقى أن النقلة المعنوية الكبيرة التي ينطوي عليها انتخاب سيدة لرئاسة مؤسسة برلمانية إماراتية، يمثل مصدر إلهام وإشعاع للنساء الخليجيات والعربيات، اللاتي ما زالت أمامهن أشواط كبيرة لنيل المساواة الاجتماعية والدستورية، والانتقال من ذلك لتمكينهن من المشاركة، والإسهام النشط في تنمية بلدانهن ومجتمعاتهن.