مجتمع » شؤون المرأة

تجار البشر في السعودية

في 2015/12/15

جمال بنون- الخليج الجديد-

الأسبوع الماضي استحدثت وزارة العمل السعودية إدارة جديدة تتعلق بمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، خطوة جداً مهمة لهذه الإدارة، على رغم أنها تأخرت جداً بعد أن وقع الفأس على الرأس، وتهشمت جمجمة سوق العمل في السعودية من جرائم الاتجار، وما جناه كثيرون من أرباح طائلة وجمعوا أموالاً غير مشروعة، واستفاد من هذه الجريمة غير الأخلاقية كثير من المتنفذين. صحيح أن وزارة الداخلية أصدرت عدداً من القوانين الصارمة والمتشددة، إلا أن بعضها لم تتمكن من ملاحقة تجار البشر في السعودية.

إلى يومنا هذا تمتلئ الصحف بإعلانات مبوبة عن بيع عاملة منزلية، حتى تأشيرة عمالة لجنسيات نادرة، فما الذي يحوج شخص استقدم عاملة منزلية ليعلن في وسائل الإعلام أنه يرغب بالتنازل عنها في مقابل مبلغ مالي، وهكذا إذا فتشت وزارة العمل الصحف يمكنها أن تصيد هؤلاء المجرمين وتوقع بهم أشد العقوبات.

والحقيقة أن الإدارة التي يفترض أن تكون موجودة قبل 40 عاماً، عليها مسؤوليات كبيرة، فالشجيرات الصغيرة نمت وكبرت وتفرعت جذورها وأصبحت قوية، ولا ينبغي على إدارة المكافحة أن تجلس بجوار الهاتف تنتظر شكاوى الناس واتصالاتهم، أو تنشر مواعظ ونصائح في مواقع التواصل الاجتماعي، إنما يجب عليها أن تتحرك وتذهب وتفتش وتستكشف من خلال مصادرها.

فأصحاب التأشيرات والشركات الوهمية بنوا قصوراً وعمائر وسلموا الجمل بما حمل لهؤلاء العمال، مهمتهم يدفعون سنوياً إتاوات من جهد عرقهم وعملهم للكفيل أو التاجر. والاتجار بالبشر لا يقتصر على الوافدين فقط، بل يحدث مع السعوديين أيضاً.

الاتجار بالسعودي ليس جديداً إنما لم يلتفت إليه، واتجه كثيرون إلى أن الاتجار بالبشر يخص فقط العمالة الوافدة وبيع التأشيرات والمتاجرة بها بينما في الحقيقة هناك تجارة بالسعودي انتشرت قبل عقدين وأكثر، وهذه التجارة تتلخص في تسجيل أسماء سعوديين في سجلات التأمينات الاجتماعية وسجلات العمل، لإبرازها أمام الجهات المختصة بمرتبات متدنية ومنخفضة، وبالصدفة كان يكتشف الناس أنهم موظفون في شركات وهمية حينما يرغبون الاستفادة من الدعم الحكومي، أو الحصول على مساعدات مثلاً، والآلاف من السعوديين تعرضوا لمثل هذه الحوادث، التي كانت تنتهي بمعاقبة أو إغلاق المنشأة.

إنما من يعرض المتضرر من هذه الجريمة، فلم نسمع أن أحدهم حصل على تعويض، وأكثر من تضرر من هذه الجرائم، النساء السعوديات، وخصوصاً كبار السن والأميات، وكثير من الهويات تباع من أجل تصحيح أوضاع شركات أو الاكتتاب في الأسهم، والتوظيف الوهمي، هذا النوع من الاتجار بالبشر، أشبع إعلامياً بالتصريحات والعناوين الرنانة، إلا أن ضعف قدرة الجهات المختصة على إيقاع العقوبة والقبض على هؤلاء التجار، وخصوصاً أن منهم كثيراً من المتنفذين وأصحاب واسطات قوية، لم يحل المشكلة بشكل جذري.

إدارة مكافحة الاتجار بالبشر ليس مكتباً لنظهره للعالم، إننا ضمن منظومة مكافحة الاتجار، بل عليها أن تظهر شجاعتها وقوتها، وكما هو مطلوب منها ملاحقة الاتجار بالوافدين والعبث بأحلامهم، فهي أيضاً مطلوب منها الاستماع إلى شكاوى السعوديين، وما يواجهونه من مشكلات وغبن واستغلال ظروفهم المعيشية، والبحث عن الوظائف في الضغط عليهم.

من أنواع الخدع التي دخلت حديثاً في الاتجار بالبشر، شركات التوظيف التي توهم العاطلين بالحصول على عمل، وتطلب منهم إرسال سيرتهم الذاتية، وتحصل منهم على مبالغ في مقابل تعبئة الاستمارة، وهناك من يشترط الحصول على مبالغ في مقابل البحث عن وظيفة، بل إن هذه الشركات تتبادل السير الذاتية فيما بينها والأسماء، وتحصل في مقابل بيع الأسماء والسير الذاتية على مبالغ طائلة، ولهذا انتشرت بشكل لافت مواقع التوظيف.

من القصص الجديدة التي سمعتها أن الشركات السعودية التي تفتح مكاتب لها في الخارج، توهم موظفين سعوديين بالعمل في أفرعها بالخارج، ويحدث أن الشاب أو الشابة الراغبة بالعمل، تنهي كل إجراءاتهم الرسمية وتنتقل إلى موقع العمل في فرع الشركة في الخارج سواء دولة عربية أم خليجية، فتكتشف أن صاحب العمل أخل بوعوده ونكص.

ولأن الدول العربية أنظمتها في القضايا الحقوقية ضعيفة، لا يمكن أن تنال حقوقك أو تشتكي، ولهذا معظم هذه المشكلات تحدث في الدول العربية، بينما من المستحيل أن ترى هذه الجرائم في دول أوروبية متقدمة، لأن القانون صارم وحازم، ويعاقب بشكل واضح، وربما تصل العقوبة إلى السجن 25 عاماً.

الاتجار بالبشر لا يقتصر في مجال العمل والبيع فقط، فالاتجار بالبشر وصل أيضاً إلى الجماعات الإرهابية في السعودية التي استغلت المراهقين والأطفال والشباب، وأغرتهم بالمال، وخصوصاً الشباب المراهقين في المناطق النائية الذين يفتقدون إلى خدمات التنمية والحياة المدنية، فاستغلت هؤلاء الشباب وباعتهم لجماعات إرهابية، في مقابل مبالغ مالية.

وهذا الكلام ليس مبالغاً أو نحاول إلصاق التهم جزافاً، وجدت السلطات الأمنية مبالغ طائلة وكبيرة أثناء مداهمتها لمنازل الإرهابيين والوسطاء الذين يقدمون الدعم اللوجستي للجماعات الإرهابية، ويحصلون في مقابل بيع هؤلاء الشباب على مبالغ طائلة، الاتجار بالشباب والمراهقين أضر كثيراً بسمعة السعودية وأيضاً عرض هؤلاء الشباب للقتل، وربما تابعتم أن كثيراً ممن تم القبض عليهم أشاروا إلى أنه غرر بهم وتم خداعهم، بل أنه تم بيعهم لعصابات.

من المهم جداً أن يجد موضوع الاتجار بالبشر اهتماماً من جهات عدة، ولا يقتصر فقط على وزارة العمل ومكتب صغير بعدد موظفين ليست لديهم مهارة إدارية ولا كفاءة في التعامل، إنما من الضروري، أن يكون لجمعية حقوق الإنسان جهاز مستقل لمعالجة المشكلة ومواجهة الظاهرة بكل حزم.