حمود أبو طالب- عكاظ السعودية-
كانت المسألة بسيطة جدا، إرادة سياسية بعد توفر الثقة بكفاءة واقتدار المرأة السعودية، لتدور بعد ذلك عجلة الحياة بشكل طبيعي مثل بقية شعوب العالم. هذا هو ما حدث بالضبط منذ اللحظة التأريخية الفاصلة بتدشين تعليم الفتيات في منتصف القرن الماضي إلى يوم أمس لحظة إعلان نتائج الفائزات في الانتخابات البلدية. عقود متوالية أهدرنا خلالها كثيرا من الوقت وأسرفنا في الجدل العقيم والمماحكات الفارغة، بينما الفتاة خلالها تقطع مشوارها بتحد كبير وتفوق وإصرار، وحزن أيضا، لأنه كان يتراءى لها أنها سوف تحمل اللفافة التي تضم وثيقة تخرجها من أي مرحلة تعليمية لتضعها في خزانة ذكرياتها مبللة بدموعها، بفعل المؤثرات الاجتماعية وتراخي دعم القرار، الأمر الذي استغله الانتهازيون ببشاعة متناهية ليخلقوا من المرأة نموذجا أسطوريا للضعف والتفاهة والسطحية والسذاجة.
استمر المزايدون عليها في غيهم بينما هي رغم المتاعب الهائلة تمضي في مشوارها، تجاوزت مراحل التعليم العام والجامعي والعالي، وانطلقت في اتجاهات العالم بحثا عن أفضل الجامعات وأحدث التخصصات. الكثير كانوا يتساءلون عن سر تفوق الفتاة دراسيا رغم أنه ليس ثمة سر، مجرد الإحساس بالظلم الفادح هو وقود التحدي الذي يقود إلى محطات التفوق. أصبحت نجما لامعا في الجامعات والمستشفيات والمراكز الأكاديمية والمعاهد البحثية، في الأدب والثقافة والصحافة والإعلام، في الاقتصاد وعلوم التقنية، وباختصار في كل مجال استطاعت اقتحام بوابته. ورغم كل ذلك لم يخجل البعض من السقوط في منحدر أخلاقي بغيض عند الحديث عن فرص عملها ومشاركتها في دورة حياة المجتمع.
عندما أتيح لها التعليم تفوقت، وعندما أتيح لها العمل أبدعت، وعندما دخلت مجلس الشورى بقرار تأريخي كانت أفضل من كثير من الذكور المصمتة، وعندما أتيح لها دخول المنافسة في انتخابات المجالس البلدية التزمت بكل التعليمات ونافست بشرف وجدارة. صحيح أنه ليس عددا كبيرا عندما تكون المحصلة 17 سيدة ولكنها خطوة تأريخية، أو كما قيل عندما وضع الإنسان قدمه على سطح القمر للمرة الأولى: إنها خطوة صغيرة للإنسان ولكنها خطوة كبيرة للإنسانية. إنها خطوة تأريخية يا سيداتنا الفاضلات، يا سيدات وطننا، أنتن جديرات بها وبكل ما هو نبيل وعظيم من الإنجازات.