نورا جبران- الحياة السعودية-
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها الصادر في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مقابلات مع ثلاث سيدات، نجحن في الهرب من «داعش» في الرقة، عاصمة التنظيم، إلى تركيا، وتحدثن عمّا مررن به والدور الذي قمن به كمجنّدات في كتيبة «الخنساء»، وهي كتيبة شرطة الأخلاق في التنظيم. ووصفن الحياة المروعة التي تعيشها النساء في ظل التنظيم سواء كنّ ذابحات في صفوفه أم مذبوحات على يديه.
ليست هذه المرة الأولى التي تهرب فيها نساء من التنظيم ويروين قصصهن معه، فقبل ذلك على سبيل المثال هربت الفتاة السورية، حنان، زوجة رئيس الحسبة «جهاز الشرطة»، وهي ليست من أتباع التنظيم، بعد إجبارها على الزواج منه في مقابل إطلاق والدها المعتقل لدى التنظيم. وبعد شهر من زواجها قُتل الزوج في إحدى المعارك، ونجحت هي بعد ذلك بالفرار إلى تركيا، وروت كيف حبسها هذا القيادي في المنزل، ولم يسمح لها بالخروج نهائياً، ويسمح لها بالتكلّم مع والديها فقط، ومن هاتفه فقط، أثناء وجوده. وعاشت على حدّ قولها سجينة لرغباته الجنسية، من دون أن تعرف حتى إسمه الحقيقي، وهو ما روته في مقابلة لها مع «سي إن إن» العربية، في 4 شباط (فبراير) الماضي.
في روايتهن عن شكل حياة النساء في ظل التنظيم، روت الهاربات الثلاث من كتيبة الخنساء، كيف تنفّذ أحكام جلد النساء اللاتي يرتدين عباءات ضيقة، أو يضعن الماكياج تحت النقاب، أو رجمهن لإتهامهن بالزنا، حتى لو كانت الجريمة الحقيقية التي قمن بها هي رفع شعار «يسقط التنظيم». كما روين قصصهن مع أزواجهن المقاتلين في التنظيم، وإجبارهن على الزواج من مجاهدين آخرين قبل إنقضاء العدة، بحجة أنه لا ينبغي أن تحزن زوجة الشهيد أو تعتدّ، فهو حي لا يموت، وذلك بعد موت أزواجهن في عمليات إنتحارية لصالح «داعش».
لا يقتصر دور المرأة في التنظيم على كتيبتي الشرطة وتعليم الدين الإسلامي، بل يتجاوزه ليشمل وجود ناشطات من نسائه على الإنترنت، يروّجن لصورته ويستقطبن أخريات من حول العالم. وقد شكلت أخيراً كتيبة من الإنتحاريات، إذ يعتقد التنظيم أنه يمكن للنساء القتال على الجبهات، والوصول إلى الأماكن التي لا يستطيع الرجال وصولها، إضافة إلى أدوارهن في الزواج من مقاتلي التنظيم وقضاء حاجاتهم وتوفير الطعام والتنظيف والتمريض. وهذه الأدوار التقليدية كما يقول المحللون، تجتذب نساء وفتيات كثيرات، خصوصاً الصغيرات اللاتي لا يتمتعّن بقدر جيد من التعليم، ويحلمن بأن يكن جزءاً من دولة الخلافة ومن المهاجرات الأوائل إلى «الدولة الإسلامية»، ويسهمن ببنائها، ويكن جزءاً من المدينة الفاضلة وينعمن بالعيش فيها، وهو ما يستخدمه التنظيم من حيل لإستقطاب النساء، فضلاً عن مسوغات تعزيز الهوية الإسلامية، وإلى الترويج الجذاب لصورة مسلحي التنظيم، لا سيما لدى المراهقات، وهن المفضلات لديه التنظيم للعمل والزواج على حدّ سواء، ومن أكثر الفئات العمرية للنساء إلتحاقاً بصفوفه.
وإستناداً إلى شهادة السيدات في المقابلة المذكورة، فإن هناك تمييزاً كبيراً بين النساء في التنظيم يقوم في شكل أساسي على العمر والحالة الإجتماعية وعلى جنسية المرأة. فالنساء العازبات والأصغر سناً يتقلّدن مناصب الشرطة، وتراوح أعمارهن بين 18 و25 سنة، وحتى في الرق وبيع الإماء فإن المراهقات والنساء الصغيرات يتم بيعهن للمقاتلين بسعر أعلى من النساء الأكبر سناً. كما تتمتع حاملات الجنسيات الغربية وغير العربية بإمتيازات في الرواتب والمسكن ويتزوجن من قياديي التنظيم، ويسمح لهن بتجاوز طابور الخبز وعدم الدفع في المستشفيات، وبإنشاء حسابات كثيرة على مواقع التواصل الإجتماعي.
وعلى الجانب الآخر، توجد نساء غير العاملات والمنضويات تحت لواء التنظيم، فهناك ضحايا الرقّ والإستعباد الجنسي. فقد أعلن التنظيم أنه يشرع في إحياء «هذه الممارسة الإسلامية الأصلية» المتمثلة في الرّق وسبي النساء «الكافرات» أو «المرتدات»، اللاتي يستولي عليهن في معاركه ضد الطوائف الأخرى، ويتم بيعهن كالسلع لمقاتلي التنظيم، وفقاً للائحة أسعار كانت قد نُشرت على الانترنت نهاية العام الماضي، وحصلت الأمم المتحدة على نسخة مطبوعة منها في نيسان (أبريل) الماضي، لكنها رفضت وقتها تأكيد صحتها. وبعد التحقيق، أكدت الأمم المتحدة على لسان زينب بانجورا الممثل الخاص للأمين العام في ما يتعلّق بضحايا العنف الجنسي في النزاعات، مطلع آب (أغسطس) الماضي أن لائحة الأسعار حقيقية، وفيها يبلغ سعر الفتيات الصغيرات 165 دولاراً، ويتناقص السعر بتقدّم العمر، ليصبح 41 دولاراً، لمن هن في سن 40 سنة فما فوق. وهو ما نشرته صحيفة «ذي إندبندنت» في 4 آب الماضي، نقلاً عن بانجورا.
سواء كانت المرأة ذابحة (تمارس القتل والتعذيب) تحت لواء التنظيم، وتستقطب النساء والمراهقات إلى أكناف «دولة الخلافة»، أم كانت مذبوحة سقطت سبية في يد التنظيم، وصارت فريسة لرغبات مقاتليه وقياداته، أو ممن يعشن في المناطق التي أستولى عليها عناصره ففرض عليهن قانونه ونمط الحياة والعقوبات فيه، فإنّ هؤلاء النساء جميعن (ذابحات ومذبوحات) لسن سوى ضحايا للإستقطاب والتشويه وغسيل الأدمغة من جهة، وهذا ليس بالطبع تبريراً لإنضمامهن إلى هذا التنظيم، وللإجرام والإستغلال والإغتصاب من جهة أخرى. وكل هذا يتم تحت غطاء ديني ينظر إلى المرأة بإعتبارها تابعاً للرجل ومسانداً له في إقامة «دولة الخلافة»، أو أداة لمتعته ورغباته وعنفه وإضطراباته الأيديولوجية والنفسية.
وكل هذا لا يمكن فصله في حال من الأحوال عن الظلم والإستبداد الذي أوجد هذا التنظيم وأمثاله، ولا عن إضطراب البحث عن الهوية والذات والمعنى وسذاجة الإعتقاد بوجودها لدى التنظيم، ولا حتى عن عجز بلدان وجيوش بأكملها عن حماية شعوبها من تنظيم إرهابي، فضلاً عن مشاركة هذه البلدان في قتل رعاياها بنفسها.