صالح الديواني- الوطن السعودية-
تبقى ذهنية الرجل العربي مرتبطة بإرث تاريخي تقليدي، يرى في الفحولة و(المرجلة)، قوة نوعية تضعه في مقدمة التصنيف البطولي، وتُبرزه في صورة القائد العظيم وحامي حمى العرين!.
وهذه الصورة النمطية أخذته بعيدا في الوهم، حتى بات يصدقها من واقع أهمية يومياته ومعايشاته على ضوء فكره، لتصنع تضخما فجّاً لهاجس المسؤولية الاجتماعية لديه، والتي يعرفها علم الاجتماع على أنها (المسؤولية الفردية عن الجماعة، أي مسؤولية الفرد أمام ذاته تجاه المجتمع)، لكنها عند الجماعات الموهومة بالصلاح والإصلاح، تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، لتصل إلى مراتب (اللقافة)، وقلة الحياء في بعض الأحيان، كما أظهرها أحد المحسوبين على الدعاة قبل أيام، حينما وصف أخواتنا وبناتنا صلفا وجهلا -في لحظة متعجرفة- بأنهن عار؛ علينا أن نكون مسرورين للتخلص منه!.
لقد صنع أصحاب هذه الذهنية المشوهة حالة غريبة دخيلة على الأخلاق، أستطيع تسميتها بالأخلاق المقلوبة التي تستقيم لدى حاملها على الرغم من فسادها وعبثيتها، وهي حالة تشبه إلى حد ما الصورة المقلوبة داخل العين، ويترجمها الدماغ إلى وضعها الطبيعي في الحالات الطبيعية، لكنها في حالات الفكر المريض تترجم إلى حقيقة قبيحة، فهذه الذهنية الغريبة ترى العالم الطبيعي مقلوبا رأسا على عقب، فينعكس في ذهنية أصحابها بما يتوافق مع ثقافتهم، ويُترجم فعل الآخر على أنه عجز عن إسعاف نفسه وتصويب خطئه، لذا ترى أصحاب هذه الذهنية يقاتلون بإصرار عجيب لتعديل الصورة قدر الإمكان لتتوافق مع ما ينعكس في ذهنيتهم ووعيهم الذي ترسمه هذه الحالة المقلوبة بأكملها في اللاوعي لديهم، كحالة من الفصام التام والقطيعة بينهم وبين الواقع والحقيقة.
ومن نتائج هذه الحالة التي أعدها (حَوَلاً) فكريا وثقافيا، أن يذهب كثير من الناس إلى تقديم فكرة حتمية وقوع خطأ المرأة على أولوية تقديم حسن الظن والثقة بها وحسن النوايا، فنجدهم يقدمون التفكير في القبح على الجمال، والسيئة على الحسنة، والكذب على الصدق، والظلم على العدل، والشك على الثقة، والخطأ على الصواب، والارتياب من أفعالها التالية، وكل هذا سيحدث في المستقبل -أي أنه في علم الغيب-، متصورين وقوعها في الرذيلة أولا، ومتخيلين ساردين القصص الفاسدة التي يترتب عليها تفكيرهم المقلوب، محاولين حشد توقعاتهم المبنية أصلا على نوازعهم وتصرفاتهم وأخلاقياتهم المعكوسة المشوهة المشبوهة، مستندين في ذلك إلى إحساس عميق بمسؤولية تصحيح -افتراضية- لما يعتقدون بأنه خطأ.
فما الذي نتوقعه من العقل الذي يفكر دائما في الفساد قبل الصلاح مثلا؟
من دون شك ستكون نسبة بحثه دائما عن الصورة الفاسدة أكثر حضورا من غيرها، لكن لن تكون إلا بحثا عن مثالب تستوجب العقاب في تقريره أولا لا الإصلاح، كنتيجة حتمية لضغط هذا التقصي عن الأخطاء، بإلحاح من الاعتقاد الذي يقف خلف هذه الحالة السيكولوجية الغريبة، وهنا يختلف ويختلط الأمر على الذهنية البسيطة السطحية التي ترى الصورة من منظورها الصغير الذي لم تستطع كسر إطاره يوما، ولا أظنها ستفعل في ظل وقوعها تحت سيطرة فكر أحادي يكرس فكرة خطأ الآخر والاسترابة منه.
تنتج هذه الحالات عادة في أوساط الجماعات المغلقة المعزولة عن واقع محيطها، مستريبة من كل شيء لا يتوافق مع أفكارها، فتقف خارج التاريخ الإنساني المليء بالتنوع الفكري والثقافي، وتخشى فكرة الانخراط والتماهي معه، فهي لا ترى إلا نموذجها صالحا لكل زمان ومكان. والله المستعان