الحياة السعودية-
«أب ينحر ابنه، ابن يقتل والدته، زوج يقتل زوجته، أم تقتل طفلتها الرضيعة، والد يغتصب طفلته ويقتلها، وشاب يطلق النار على صديقه». قائمة طويلة من الجرائم البشعة التي لم تكن تحدث إلا مرة واحدة كل 10 سنوات في البلاد، ولكن في الفترة الحالية أصبحت تحدث بشكل شبه يومي أو أسبوعي على الأقل إلى درجة أن هذه الجرائم البشعة لم تعد ترسخ في البال لكثرتها.
يحدث هذا في حين أن المجتمعات التي اشتهرت بارتفاع معدلات الجريمة بين صفوفها يندر أن تحدث فيها هذه الجرائم التي يقتل فيها الآباء فلذات أكبادهم ويمزق فيها الأبناء أجساد آبائهم من دون رحمة، إذ إن هذا النوع من الجرائم ليس له علاقة بارتفاع معدلات الجريمة أو انخفاضها، لأن الجرائم التي تحدث في الشارع يمكن مكافحتها بطرق مختلفة، أما الجرائم التي تحدث داخل البيوت المغلقة فهي بحاجة إلى معرفة دوافعها وأسباب انتشارها في الآونة الأخيرة.
وقد يعزى السبب إلى المخدرات، التي كانت وراء كثير من الجرائم أيضاً، وكونها مبرراً كافياً في انتشار مثل هذه الجرائم الغريبة، وربما كان للظروف الاقتصادية، وما يصاحبها من ضغوط نفسية، دور فعال ومؤثر في حدوث هذه الجرائم البشعة، أو أسباب اجتماعية أدت إلى خروج بعض الأفراد، الذين يعانون خللاً ما في شخصياتهم بدافع الانتقام من المجتمع بأسره، وذلك عبر الفتك بأقرب قريب حتى لو كان الابن أو الأب الضعيف.
وقال اختصاصي علم النفس الجنائي عبدالله الوايلي لـ«الحياة»: «إن للجرائم عوامل كثيرة، منها الشخصية الذاتية والنفسية والاجتماعية، فالنفسية يمكن أن تنقسم إلى قسمين، وهي إما أن تكون ذهنيه أو عصبية، ولها تأثيرات كبيرة على الفرد من الناحية السلوكية، ولها تأثير كبير جداً على الفرد سواء أكانت الجريمة مباشرة أم غير مباشرة، وهذه العوامل يعززها الانحراف السلوكي مثل تعاطي المخدرات، وخصوصاً الحشيش أو الكبتاغون، وهذا ما يسبب مضاعفات نفسية كبيرة تجعل الشخص مضطرباً في مجتمعه وبيئته».
وكشف الوايلي عن أن اجتماع العوامل النفسية مع الانحرافات السلوكية قد يؤدي إلى ما يعرف بـ«الضلالات»، وهي عبارة عن هلاوس سمعية وبصرية، أو الاثنين معاً في آن واحد وهذه غالبية العوامل التي تدفع الشخص إلى الانتحار أو القتل أو السلب، وهو اعتقاد ما لا يوجد في الحقيقة.
وأضاف الوايلي: «إن العامل الاجتماعي السلوكي هو عامل مهم جداً في تحديد تصرف الشخص، فقد لا يكون مريضاً نفسياً أو مدمن مخدرات، ولكن شعوره بالكبت والقمع والقسوة أو حتى بالتدليل الزائد من الأسرة هي عوامل تنتج منحرفاً ومرتكباً للجريمة مع سبق الإصرار والترصد».
وتابع: «أصبحنا نعاني مما يعرف بالفجوة الجيلية، التي كانت في الماضي تقوم تربية الأبناء فيها على القسوة والعيب والحرمان، والآن على عكسها تماماً من التدليل والدلع اللامحدود، ما ينتج شخصيات مهزوزة، فكل هذه العوامل هي عناصر جريمة وبيئة خصبة لارتكاب الجرائم سواء أكانت جريمة منظمة بالتخطيط أم جريمة مرحلية بسبب عارض أثار وجوده كبت أو إدمان للمخدرات أو مرض نفسي». وعلى رغم انتشار الجرائم وعواملها إلا أن الجريمة الأبشع هي اليد التي تمتد لقتل ابن أو والدة أو هتك عرض قريبة بصورة قد يهتز لها المجتمع بأكمله.