في سلسلة قضايا التفريق بين الزوجين، وهدم بيوت قائمة على المودة، وتشريد أطفال صغار بعيدا عن أحد أبويهم، تدور هذه الأيام في قاعة المحاكم قضية شابة تزوجت بموافقة وليها، وعاشت مع زوجها زمنا يكفي لأن تنجب منه طفلة ما زالت رضيعة، وفجأة تنبه الأهل إلى أن الزوج ليس مكافئا لهم في نسبه، فتقدموا إلى المحكمة يطلبون التفريق بينه وبين ابنتهم!
ما رأي الابنة؟ هذا لا يهم، ما ذنب الطفلة الصغيرة لتنشأ محرومة من أبيها أو أمها بسبب التفريق بينهما؟ أيضا هذا لا يهم، ما الذي يهم إذن؟ ما يهم هو أن لا تبقى ابنتهم مع رجل (أدنى) منهم نسبا!!
لم يفعلون ذلك؟ هل هو محرم اقتران ذات النسب الرفيع بمن هو أدنى نسبا؟ هم يعرفون أنه ليس محرما حيث لا يوجد نص شرعي قطعي الدلالة على تحريم ذلك وأن اجتهادات الفقهاء لا تلزم أحدا، هم يعرفون ذلك، لكنهم قوم يعظمون قبائلهم وتقاليدها، ويخشون إن هم عصوها أن يحل عليهم غضبها!
قضايا طلب التفريق بين زوجين بحجة عدم التكافؤ في النسب، مع الأسف باتت من القضايا التي تتكرر كثيرا، ولعل مما ساعد على تناميها وتكرر ظهورها، أنها وجدت المحاكم تفتح أبوابها لها وتقبل النظر فيها. صحيح أنه في معظم تلك القضايا يصدر حكم المحكمة بعدم التفريق احتراما لرغبة الزوجين في العيش معا، وحرصا على عدم هدم البيوت الآمنة بالباطل، إلا أن ذلك لا يتم الا بعد زمن طويل من التردد على المحاكم وهدر أوقات القضاة وشغلهم بالنظر في ما هو أدنى من القضايا عما هو أولى للنظر فيه.
إن قبول المحاكم النظر في مثل تلك الدعاوى، ليس يشجع تكاثرها فحسب وإنما أيضا - دون قصد -, يرسخ بين الناس وجود الطبقية القبلية وتميز فئة من الناس على أختها، فيكون ذلك سببا في نشر الكراهية والعداوة بين فئات المجتمع بما ينتهي به إلى تفكك وحدته وتماسكه.
لذا فإن المصلحة العامة تقتضي أن لا تكتفي المحكمة برفض التفريق بين الزوجين لمثل تلك الأسباب غير المقبولة دينا وعقلا وإنسانيا فحسب، وإنما أيضا لا بد من أن توجه إلى كل من يتقدم بطلب التفريق بين زوجين (تزوجا بعقد صحيح شرعا) بحجة عدم الكفاءة بالنسب، تهمة الإيذاء للزوجين بالسعي إلى هدم بيتهما وشغل وقت المحكمة بأمر غير صحيح، وإنزال عقوبة تأديبية به تتناسب مع هذه التهمة.
عزيزة المانع- عكاظ السعودية-