اهتز ضمير المجتمع مرتين خلال الأسبوع الماضي في الصميم؛ نتيجة لفاجعتين كل واحدة أشنع وأقبح من الأخرى؛ ففي شرق البلاد، فجع المجتمع بنحر طفلة الأحساء الجميلة والبريئة (ريم) ذات السبع سنوات بدم بارد على يد زوجة أبيها. فقد قامت الزوجة – مع سبق الإصرار والترصد – بالذهاب إلى مدرسة ريم واصطحابها بعد انتهاء الحصة الثانية إلى أرض فضاء، ومن ثم قامت بذبحها كما تذبح الشاة.
وفي غرب المملكة، وبالتحديد في أقدس بقاع الأرض (مكة المكرمة)، أقدم معلم تربية خاصة يبلغ من العمر 35 عاما في حي الشوقية في مكة المكرمة قبل يومين (يوم الخميس الماضي)، على قتل والده (أكاديمي سابق يبلغ من العمر 70 عاما) وأخته (البالغة 20 عاما)، فيما أصاب أمه بإصابات بليغة نقلت على أثرها إلى المستشفى.
لا يمكن تخدير المجتمع بالقول إن هذه سلوكيات "دخيلة" على مجتمعنا، بل لا بد من الاعتراف بأن مجتمعنا بشري مثله مثل المجتمعات الأخرى، ويعاني اضطرابا في القيم ربما أكثر من غيره، ما يتطلب تشخيصا للمشكلة، فالمناهج تزخر بجرعات كبيرة من القيم الإسلامية، ولكنها لم تحقق الأهداف المأمولة في بناء المواطن الصالح. فالكذب "مذموم"، ولكنه شائع، والغيبة "محرمة"، ولكنها شغل المجتمع الشاغل، واحترام الآخرين واجب، ولكن الشارع مليء بالوحوش التي لا تقدر الآخرين ولا تحترم أوقاتهم، وكأن هؤلاء يمتلكون الشوارع، وعلاوة على ذلك نردد عبارة: "من غشنا فليس منا"، ونجترها منذ نعومة أظفارنا، ولكن نتجرع ويلات الغش في السلع والخدمات كل يوم، وكذلك نردد عبارة "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، ولا نحترم أوقات الآخرين، ونهدر أوقاتنا في الهذر والقيل والقال واستخدام التقنيات الحديثة في اللهو، وكذلك الطبخ والنفخ والتسابق بإعداد أكبر طبق وأفضل مندي، ونلقن أطفالنا منذ الصغر أن الكذب حرام، ولكن تأتي الأمثال الشعبية لتقول "الكذب ملح الرجال"، ونعلم الأبناء "وبالوالدين إحسانا"، ويفجعنا شاب أو معلم بين وقت وآخر بإراقة دم والديه وأقاربه!
والسؤال المطروح: من المسؤول عن أزمة القيم التي يعانيها المجتمع؟ لا شك أن وزارة التعليم تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية، وكذلك المؤسسة الدينية متمثلة في أئمة المساجد وخطباء الجمعة، وتشترك الأسرة ووسائل الإعلام المتنوعة في المسؤولية. فمن جهة، كيف لم تتمكن إدارة المدرسة على مدى الأيام والسنوات ملاحظة الخلل في سلوك معلم التربية الخاصة المجرم في حق والديه في مكة المكرمة؟ أليس هناك معايير لتقويم الصحة النفسية للمعلمين؟ ثم كيف يؤتمن مثل هذا على الأطفال الأبرياء؟ وبخصوص طفلة الأحساء، كيف يتم تسليم الطفلة دون الاتصال بوالدها أو والدتها؟ أليس في هذا تهاون وتراخ في تطبيق الأنظمة؟!
لذلك ينبغي الاهتمام ببناء الإنسان والاستفادة مما ورد في "رؤية المملكة 2030" لإحداث تغيرات جذرية في تعزيز القيم، خاصة أخلاقيات العمل (المهنة)، واحترام الوقت، واحترام حقوق الآخرين في الشارع وعدم تصوير معاناتهم ونشر صورهم إلا بإذن مسبق. وبناء عليه، أدعو إلى إطلاق برنامج وطني ينبثق من "رؤية المملكة" وخطط التنمية التي تسعى لبناء الإنسان وتعزيز القيم، يشتمل على مبادرات نوعية متنوعة: تعليمية وتوعوية وتحفيزية وجزائية لإحداث نقلة إيجابية تسهم في حماية أفراد المجتمع من العنف والإيذاء والحد من انضمامهم للجماعات الفكرية المنحرفة، مثل: مراقبة سلوك المعلمين في المدارس والجامعات ليس في إطار الأداء الوظيفي فحسب، بل تجب مراقبة الأداء السلوكي أيضا، والحرص الشديد على استلام الطفل أو الطفلة من قبل ولي أو ولية أمرها فقط، وتنظيم لقاءات وورش عمل توعوية داخل المدارس، وكذلك عقد ندوات ومحاضرات تعزز قيم الوطن وأفراده، وينبغي أن تكون مؤسسات المجتمع التعليمية وغيرها يقظة عند ملاحظة سلوكيات مضطربة من قبل الأبناء أو الأقارب أو المعلمين لتشخيص المشكلات مبكرا ومعالجتها في الوقت المناسب.
أ. د. رشود بن محمد الخريف- الاقتصادية السعودية-