لا توجد دولة بدون فقراء أو طبقات مهما حاول النظام السياسي والاجتماعي نشر العدالة عن طريق أتاحه الخدمات العامة الأساسية من مأوى وصحة وتعليم. والمملكة العربية السعودية بلا شك لا تخرج عن النواميس البشرية في ذلك. المدهش هو شفافية المملكة البالغة وفي أوقات حرجة داخليا ودوليا لتتيح لممثل الأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان زيارتها والتي تعد الثالثة فقط خلال الثلاثين سنة الماضية بما يؤشر لتطبيق مبادئ المسائلة والشفافية التي أكدت عليها خطة التحول الوطني بقيادة ولي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان. علينا ملاحظة أن المملكة ومنذ العام 2014 انتخبت عضوا في مجلس حقوق الإنسان كما أعيد انتخابها لتكون عضوا حتى العام 2019 بما يضع على كاهل المملكة مسؤوليات أخلاقية وإنسانية تعمل جاهدة على مواجهتها.
تم نشر بيان المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، البروفيسور فيليب ألستون بعد زيارته للملكة وذلك في 19-1-2017 والذي أشار إلى الجهود المستمرة للمملكة حكومة وشعبا لمواجهة ظاهرة الفقر خاصة وان المادة 27 من النظام الأساسي للحكم في المملكة والصادر سنة 1992 أكد على أن الدولة تتكفل بحق المواطن وأسرته في الرعاية في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة.
إذن وكما أشار التقرير هناك جهود كبيرة ومتناثرة في المملكة لمواجهة ظاهرة الفقر التي قد لا يتصورها الكثيرون بل ينفي بعضهم وجود الظاهرة رغم الشواهد الكثيرة عليها خاصة مع الزيادات السكانية المفرطة وحالة عدم الاستقرار العربي التي جلبت للملكة الكثير من اللاجئين العرب ممن هم بأمس الحاجة للمساعدة من الناحية الإنسانية.
ولعل أكثر مشكلة واجهت كاتب التقرير وتواجه الحكومة والجمعيات الخيرية لدينا هو عدم وجود إحصاءات دقيقة وتفصيلية لأوضاع من هم بحاجة للمساعدة حتى يمكن على أساسها بناء البرامج المناسبة ولعل حساب (مواطن) الذي أقرته الحكومة مؤخرا لتسجيل من تقل دخولهم عن نسبة معينة يكون مدخلا مهما لإحصاءات دقيقة مبنية على وثائق رسمية مثل دفتر العائلة وشهادات الميلاد وغيرها مما يمكن البناء عليه لبرامج الخدمات الاجتماعية الأكثر استدامة في مواجهة الفقر .
وقد لخص التقرير أكثر العوائق التي حددتها وزارة الاقتصاد والتخطيط كتحديات ناجمة عن تعامل الجهات الحكومية والخيرية مع ظاهرة الفقر في المملكة بالآتي:
* الافتقار إلى فهم حقيقي لطبيعة الفقر في المملكة.
* ضعف الاستهداف والتداخل والثغرات في تغطية المستفيدين.
* عدم الاعتداد بشكل كافٍ بالخصوصية الجغرافية والتفاوت الثقافي.
* برامج الحماية الاجتماعية ليست مصممة لتخريج المستفيدين من دائرة الفقر.
* عدم وجود رؤية مشتركة بين المؤسسات.
* ضعف التنسيق والتجزؤ داخل مؤسسات تقديم المساعدات.
* التعقيد المؤسسي والولايات المتضاربة؛
* قلة إشراك القطاع الخاص أو انعدامه؛
* غياب آليات الرصد والتقييم المستقلة على مستوى برامج الحماية الاجتماعية.
* غياب تقييم الأثر المالي والاجتماعي للبرامج.
وكل واحدة من هذه العوائق تحتاج إلى بحوث جامعية حقيقية لمواجهتها حتى يمكن فهم طبيعة ظاهرة الفقر لدينا وتحديد معالمها وخلق برامج حكومية وخيرية وخاصة تساعد على إيجاد حلول دائمة لمن يعانون من الفقر عن طريق تمكينهم بتعليم ومهن وليس فقط حل مشكلة عائلة فقيرة بتسديد فواتيرها من رجل محب للخير فهذا المنظور المحلي الذي طبق في قرانا ومجتمعاتنا لم يعد مجديا اليوم في مواجهة المشكلة فسكان المملكة سيتخطون الثلاثين مليون قريبا جدا ولا مجال للوصول بشكل شخصي لكل فقير.
يمكن للزكاة أن تكون مصدرا حقيقيا للدخل مثلها مثل الضرائب فيما لو طبقت حتى على مقتنيات الأفراد بنسبة 2.5 في المائة. حيث يسمح المرسوم الملكي رقم 1951 بجباية زكاة شخصية أو زكاة على الشركات، لكن الهيئة العامة للزكاة والدخل لا تجمع الزكاة حالياً إلا من الشركات، وستنشئ عما قريب حساباً لدفع زكاة شخصية تطوعية إلى الهيئة العامة.
تعودنا في المملكة على أن ندفع زكاتنا وبشكل شخصي للمحتاجين أو لمن يوصلها إليهم لكن الأمر وكما هي الرعاية الاجتماعية للمحتاجين قديما يجب أن تنتقل من المستوي الشخصي إلى المستوى المؤسسي الأكثر تنظيما بما يحقق دفع زكاة المسلمين ويؤمن للدولة دخولا طائلة يمكن أن تستثمرها في معالجة ظاهرة الفقر بشكل مؤمأسس بدل المحاولات الفردية والخيرية المتناثرة التي لم تسفر حتى الآن عن جهود منظمة أفلحت في الحد من الفقر في المملكة.
د. فوزية البكر - الجزيرة السعودية-