محمد بن دينة- الايام البحرينية-
تربية النشء وإعداد الأجيال الصالحة لا يقل أهمية وربما يزيد بكثير عن تأسيس صروح من النهضة التكنولوجية والتقدم الاقتصادي، فالفرد هو أساس المجتمع وباني نهضته، وحين تبني مجتمعاً صالحاً فإنك تبني حضارة وأمة تعيش قرونًا، وما لم يتم بناء هذا الفرد وتربيته بشكل علمي وسليم فإن ما سيشيده سيكون هشاً وقابلاً للانهيار بين عشية وضحاها.
بداية أؤكد أننا بحاجة إلى وقفة جادة، قد تصل في بعض الأحيان إلى إعادة النظر في أسلوب تربية أبنائنا وخاصة في مرحلة المراهقة؛ لأن تربية الأبناء باتت نوعًا من الإبداع والقدرة على تنشئة فرد يتحمل المسؤولية، تطبيقا للمثل العربي «كن لابنك معلماً وهو طفل وصديقاً حين يكبر» وهنا نطرح سؤالاً محوريًا: كيف نفهم المراهق ونتعامل معه بمنهجية تربوية وسلوكية سليمة؟ وهنا نؤكد أنه في هذه المرحلة الانتقالية لتكوين الإنسان، لا يجب معاملته كطفل يتلقى الأوامر بل يجب أن تعطيه مساحة للتعبير عن رأيه ومن ثم الاحترام اللازم لما يطرحه من أمور ومناقشته فيها بأسلوب متزن يراعي حاجاته وتوازنه الانفعالي؛ لأن هناك حالات من النفور والانحرافات السلوكية التي تبرز بين الحين والآخر خارج المحيط العائلي إن تم معاملة المراهق بطريقة توحي له أنه مازال طفلاً وأن لا أحد في الأسرة يفهمه، ما يجعله يلجأ إلى الآخرين وهنا تكون الطامة الكبرى.
ودعونا نوضح أن المراهقة فترة متقلبة وصعبة في حياة الإنسان، مرهقة للفرد وعائلته معاً، ولا تعتبر مرحلة نضوج تام بل تؤدي تبعاتها وأحداثها إلى النضوج، وتمثل تغيرات جسدية وعقلية وعاطفية واجتماعية بخلاف البلوغ الذي يتعلق بالتغير الجسدي فقط، ووفق قراءتنا في علم النفس فإن أهم المشكلات التي يمر بها المراهق: العصبية وحدة التعامل، التفرد بالرأي، الصراع الداخلي، الخجل والانطواء والسلوك المزعج، كما يجب أن نضع في الاعتبار أن استعداد المراهق للاستقبال والاسترشاد بالكبار يكون في السنوات المبكرة الأولى (13، 14، 15) وبعدها يتقلص الاستقبال وتزداد الاستقلالية، وهذا يفرض علينا نوعاً من الحكمة في التعامل مع المراهقين بعيداً عن أي تفكير سطحي، يوحي لهم أننا أوصياء عليهم وأنهم مازالوا أطفالاً، لا يدركون مصلحتهم.
بوضوح نحتاج إلى تغيير الثقافة المجتمعية بما يضمن معاملة المراهق من قبل والديه وكأنهم أصدقاء، ويوحي للمراهق بالثقة ويشعره بالمسؤولية، تطبيقاً لمقولة «إذا كبر ابنك خاويه»، وإلا كانت النتيجة شباباً بشخصيات ضعيفة؛ لأننا سلبنا إرادتهم في مرحلة الطفولة والمراهقة، وحين قال الفيلسوف اليوناني سقراط «التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه»، فكان يعني وبوضوح، بناء إنسان تكمن بداخله عوامل البقاء، وليس فردًا ضعيفًا أمام تحديات الحياة.. صادقوا أبناءكم في مراهقتهم، يكونوا سندًا لكم في كبركم.