مريم الشروقي- الوسط البحرينية-
أصبح الهاتف النقال آلة لخراب البيوت، فبعد أن كان وسيلة للاتصال في الألفية، وقبلها محصور على نطاق محدود في نهاية التسعينات، دخل الهاتف النقّال في قلب البيوت، الى كل رجل وامرأة وشاب وشابة، وتعدّى ذلك ليصل إلى الأطفال.
هو خراب للبيوت بسبب الاستخدام الخاطئ له، وليس فقط استخدامه في (المغازل)، بل تعدّى الأمر إلى استخدامه في معرفة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والترفيهية، ويعتمد عليه كثيرون من أصحاب البيوت للتواصل مع أهلهم.
في السابق كانت الأسرة مرتبطة ببعضها البعض، واليوم أصبحت الأسرة مشتّتة في داخل البيت الواحد، وحتّى الطلبات تتم عبر هذه الوسيلة، برسالة نصّية في «الواتس آب»، فيعرف أهل البيت ما يريد ابنهم أو ابنتهم، وبذلك انقطعت العلاقات وذهبت هباء منثوراً.
الأب مشغول بالهاتف الذكي، والأم مشغولة تتواصل مع الصديقات به أيضاً، والابنة تنزّل أغاني، والابن ينزّل ألعاب، والجميع لا يتكلّم بل عيونه منصبّة على الهاتف النقال، أليس هذا مدعاة إلى التأمّل؟! أليس هناك خلل فينا عبر استخدامه بالطريقة غير الصحيحة؟!
نجتمع عند الطعام والهاتف في الأيدي، نجتمع مع رؤساء العمل والهاتف في الأيدي، وإذا كان رئيس العمل صارماً نضعه في أحضاننا حتى لا يفوتنا شيء، وكذلك في السينما وفي المطاعم وفي المسارح وفي وفي كل مكان، الهاتف مسيطر علينا أكثر مما نحن نسيطر عليه.
هل نستطيع أخذ هاتف أحد من دون أن يتحسّس؟! مهما كان استخدام الهاتف، سواء كان للعب أو المطالعة أو القراءة أو التواصل أو التعرّف، فلقد رأينا أُناساً يستذبحون مع أسرهم، وتصل مشكلاتهم عنان الأرض والسماء من أجل الهاتف الذكي، أيستحق هذا الهاتف خراب البيوت والطلاق والهجر؟! هو لا يستحق لأنّه وسيلة وليس غاية!
ذكر الكاتب خالد البسّام رحمه الله في أحد أعمدته، بأنّه استغرب من المجتمع الياباني عندما زار اليابان، فلقد وجدهم لا يعطون الهاتف الذكي أهمّية تُذكر، وأكثر هواتفهم هي للتواصل عبر المكالمات العادية، ولا يجعلون الهاتف يرن في الأماكن العامّة خشية إزعاج الآخرين، مجتمع عظيم كاليابان لابد لنا من التوقّف عنده، فهذا المجتمع يعرف قيمة الوقت وقيمة العلاقات، ويعرف مدى أهمّية العمل من أجل التنمية والتقدّم، ولديه هدف وطموح من أجل الوطن، فماذا أبقينا لوطننا ونحن مشغولون عنه بالهواتف الذكّية والسخط والتذمّر والسخرية؟!
أبقينا للوطن وللأسف الشديد الشتات الذي ما بعده شتات، نفتح شبكات التواصل الاجتماعي، نسب من نسب ونسخر على من نسخر ونحاجج ونتناقش ونبتعد عن اللبنة الرئيسية، هذه اللبنة التي إن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع، الأسرة التي ابتعد عنها الأب بالهاتف النقّال، والأم بالهاتف النقال، والأبناء بالهاتف النقال، فأصبح هذا الهاتف خراباً للبيوت ودمارها!