عكاظ السعودية-
هائمون على وجوههم.. أو مقطوعون من شجرة كما يقول البعض، اتخذوا من تحت الجسور والغرف المهجورة والشوارع الطرفية ملاذا وسكنا.. لا أحد يسأل عن أحوالهم، ولا أهل أو معارف يطمئنون عليهم بعدما قال فيهم المرض والزمن قولته!
مرضى نفسيون، وجدوا في ظلال الجسور بيوتا أدفأ من تلك البيوت التي تنكرت لهم، وفي قلوب بعض المارة المحسنين حنانا افتقدوه في أهاليهم.
السكان المحيطون بمواقع تواجدهم لا يخفون تعاطفهم مع هذه الفئة، ويقول محمد النجدي (أحد باعة سوق الكندرة): هؤلاء المرضى النائمون أسفل الجسر باتوا جزءا من تاريخ المكان وجغرافيته ينامون ويأكلون ويشربون هنا، لقد خلقوا علاقة متينة مع الجسر حتى أنهم صاروا يتهيبون كل من يقترب منهم، ولا أحد يتجرأ على سؤالهم، إنهم يتصورون أن كل من يقترب منهم يضمر شرا، فعزلوا أنفسهم واعتزلهم الناس، لدرجة أن بعضهم لا يقبل حتى قطعة الخبز أو رشفة ماء من أي غريب فضولي يقتحم مكانهم..
يضيف النجدي، نحاول التعامل معهم بلين، ونتوقع منهم أية ردة فعل مفاجئة وغير متوقعة، كلنا نتعامل معهم بحذر، لكن بعض أخيار ومحسني الأحياء المجاورة لا يترددون في تقديم العون لهم فيقبلون منهم، وللبحث عن حلول لمشاكل هؤلاء عقدنا أكثر من اجتماع في مسجد الحي، وتبين لنا أن بعضهم خريجو سجون وأصحاب سوابق أو مدمنو مخدرات.. كما أن بعضهم تعرضوا إلى صدمات حادة في حياتهم.. منهم من توفيت عائلته في حادث، ومنهم من تعرض إلى صدمة عاطفية، وهناك عشرات القصص الخفية، لكل واحد من هؤلاء الهائمين حكاية وقصة. ويستغرب النجدي عن صمت أهالي هؤلاء في السؤال عنهم وعدم تفقدهم ورعايتهم.. «أعتقد بأن الخوف منهم يحول بينهم والناس، مع أن كلهم ليسوا من الخطرين، يبدو أن الخوف يسكن معهم في ذات المكان».
«عكاظ» حاولت التحدث مع بعض النائمين تحت الجسر إلا أن أغلبهم استعصم بالصمت.. وعزا بعضهم صمتهم من العقاب أو الزج بهم في السجون والإصلاحيات.. قال أحدهم:
- أتركني لدي أولاد..
- أين أولادك..
- توكل على الله!
العم مبروك، دلَنا عليه أحد سكان الحي المجاور للجسر مبروك رجل عجوز يسكن الجسر منذ سنوات، غريب وحزين ومريض، وصلت حالته لدرجة أنه يتبول على نفسه ولا يبدل ملابسه لأشهر..
تحدثنا معه:
- كيف حالك يا عم مبروك..
- هلا..
- هل تزورك أي جهة لتقدم الأكل والشرب؟
- لا، ولكني أتقاضى مبلغا من إحدى الجهات..
لا حظنا أن العم مبروك يشكو من مرض نفسي حاد مع جروح وتقرحات في وجهه ونزف فوق حاجبه.