حسين مدن- الوسط البحرينية-
كلمة التقشف تواردت بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البحرين وباقي الدول لانخفاض أسعار النفط في عموم العالم. سياسة التقشف، أو سياسة شد الأحزمة على البطون، تعني كمفهوم عام، لجوء الدولة إلى ﺧﻔﺾ ﺍلإﻧﻔﺎﻕ لتقليل ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ.
تعد سياسة التقشف من سياسات الأنظمة الاقتصادية التي تطبقها بعض الحكومات العربية والأجنبية لاحتواء أزمة مالية واقتصادية معينة، ولهذه السياسة أوجه مختلفة كفرض نظام ضريبي (Income Tax) أو نظام القيمة المضافة (Value Added Tax). أما في حال وجود أزمة مالية معقدة أو طويلة الأمد فيتم اللجوء إلى نظام تقليص النفقات العامة. إن تطبيق مثل هكذا أنظمة أو سياسات يتطلب أقصى درجات الدقة والحذر كي لا يتسبب بتعطيل جانب من جوانب الحياة الاقتصادية أو يمس بالواقع المعيشي لأي شريحة من شرائح المجتمع ولاسيما الطبقات الفقيرة.
تفاقم معاناة الفقراء
الفئات الأقل دخلاً أي أصحاب الدخل المحدود وبالذات الفقراء والأسر البحرينية المحتاجة ستتكبد نفقات إضافية جراء القرارات الاقتصادية التي اتخذتها البحرين برفع الدعم عن اللحوم والكهرباء ورفع أسعار البنزين بنسبة كبيرة (الممتاز 60 %). الواقع يؤكد أن معاناة فئة الفقراء والمحتاجين في تفاقم مستمر بسبب هذه السياسة التي دخلت فيها البلاد مجبرة بعد تراجع دخلها نتيجة انخفاض أسعار النفط عالميا وأن هذا التقشف بدون شك سيفاقم معاناة فقراء البحرين.
يرجع السبب في ذلك إلى فشل السياسات الحكومية التي عجزت عبر عقود من الزمن عن التحرر من التبعية لقطاع النفط والاعتماد عليه (88 %) وعدم تنويع مصادر الدخل بما يكفي، وعدم تحريك عجلة التنمية، والتي تسير بصورة بطيئة لا تواكب حجم النموالديموغرافي الاعتيادي أو بسبب التجنيس كمثال.
نحن نتسائل عن مصير هذه الفئة من الفقراء في ظل المتغيرات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وتأثير الموازنة التي ستفرض أعباءً إضافية على الطبقات محدودة الدخل والتي ستعاني أكثر من ذي قبل. إننا لا نستبعد ارتفاع رقعة العوائل المحتاجة في البحرين مستقبلاً.
من يدفع الثمن؟
هنا نورد ما قاله أحد خطباء وأئمة الجمعة في البحرين أخيراً «وأما ما يقتضيه الإنصافُ فهو حمايةُ الطبقةِ الفقيرةِ وذوي الدخلِ المحدودِ من تبعاتِ هذه الأزمة، فلا ينبغي أنْ يكونَ الفقراءُ وذوو الدخلِ المحدودِ هم الجِسْرَ الذي نعبرُ عليه لتخطِّي أزماتِنا، فإنَّ ذلك مجافٍ للإنصاف، فإذا كان ثمة من برامجَ ومشاريعَ يُرادُ بها استدراكُ شيءٍ من تداعياتِ هذه الأزمةِ فالمتعينُ هو النأيُ بها عن أقواتِ وأرزاقِ هذه الطبقةِ، فهم أضعفُ من أنْ يتحمَّلوا فوقَ ما يتكبَّدونَه من أعباءٍ، وهم لم يَنعموا حقيقةً بعوائدِ النفطِ حين كانتْ أسعارُه مرتفعةً، ولم يكونوا سبباً في الابتلاءِ بهذه الأزمةِ، فالإنصافُ هو النأيُ بهم عن تداعياتِ هذه الأزمةِ، كما إنَّ الإنصافَ هو أنَّ مَن كان له الغُنْمُ فعليه الغُرْمُ».
إن عملية التقشف في المصروفات لا يجب أن تتم على حساب الفقراء وإنما بالمحافظة على المال العام وملاحقة الفساد. هنا تبرز الحاجة إلى استنساخ تجارب الدول والأنظمة التي اعتمدت في آلياتها على التقشف في مجال ضغط النفقات واحتواء شتى الأزمات الاقتصادية دونما خطأ أو تلكؤ.
سياسة أهمية الالتفات للفقراء في حال التقشف ليست جديدة أو مقتصرة على البحرين فقط. فعلى الصعيد العالمي حذرت شبكة أوروبية للجمعيات الخيرية الكاثوليكية في يوليو/ تموز من العام الماضي من تأثير سياسات التقشف التي تبناها الاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة الديون المدمرة على الفقراء. وأكدت أن «إعطاء الأولوية لتدابير التقشف لا يحل الأزمة، بل يتسبب في مشكلات اجتماعية واضطرابات تنطوي على مخاطر وتداعيات مستمرة على العالم». ودعت الشبكة حكومات الاتحاد الأوروبي إلى ضمان «حد أدنى مضمون من الدخل للجميع»، والتصدي للتهرب الضريبي من أجل تقاسم عبء الأزمة بشكل أكثر إنصافاً، واستئناف استثمار القطاع العام لخلق مزيد من فرص العمل، وتقوية نظم الرعاية الاجتماعية. وذكرت أن «أي قرارات حكومية جديدة لابد أن تخضع لـ «عملية وقاية من الفقر» للتأكد من أنه لن يكون لها تأثير سلبي على فئات المجتمع الأكثر معاناة من التهميش».
نأتي إلى دور الجمعيات الخيرية في البحرين التي هي مصدر مهم من مصادر دخل هؤلاء الفقراء، فهي أي الجمعيات نفسها اعتمدت اعتماداً كلياً في مواردها طوال السنوات الماضية على التبرعات البسيطة من بعض المؤسسات التجارية ورجال الأعمال والمواطنين وبالذات الصدقات من الأفراد عن طريق الحصالات. الآن وبعد اتباع سياسة التقشف فإن هذه المؤسسات ورجال الأعمال وكذلك الأفراد سيقلصون تباعاً تبرعاتهم الشحيحة أصلاً للجمعيات الخيرية مما سيزيد من تأثر مواردها الرئيسة التي تعتمد عليها بصورة كبيرة. وفي نفس الوقت ستضطر الجمعيات لزيادة مصروفاتها تجاه العدد المتزايد من الأسر المحتاجة التي ستتأثر من هذا التقشف.
نداء
بدون شك لسنا ضد إجراءات أو سياسات التقشف لإنقاذ الموازنة من عجزها ومعالجة المشكلات المالية والاقتصادية في بحريننا، ولكننا نحذر من أن تعود بالضرر على فقرائنا وأسرنا المحتاجة والمتعففة.
ولذلك فإننا ندعو أولاً إلى إعادة النظرفي استراتيجية الحكومة بالنسبة لرفع الدعم عن الاحتياجات الضرورية لمحدودي الدخل واستبعاد الفقراء من هذه السياسة وثانياً القيام بمبادرات سريعة نحو الفقراء كقيام الحكومة بعمل ما؛ لتكون قدوة أو مصدر تحفيز للشركات والمؤسسات ورجال الأعمال من أجل أن يقوموا بدورهم نحو الأسر المحتاجة وثالثاً تقديم الحكومة دعماً مادياً مباشراً للجمعيات الخيرية كما هو الحال للنوادي والمراكز الرياضية أو إعفائها من بعض الالتزامات الخدمية مثل الكهرباء والماء أومساعدتها في تخصيص أراضٍ يمكن للجمعيات استثمارها لصالحها. هذه الجمعيات بالمناسبة تتحمل عن كاهل الدولة الكثير من الالتزامات المالية والمعنوية بمساعدتها لما يزيد على 11 ألفاً من الأسر المحتاجة تقريباً في البحرين.