شيناز كيرمالي
هناك سبب وجيه يقف خلف رغبة رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر بإبقائنا، كشعب كندي، في ظلام من صفقة الأسلحة التي عقدتها أوتاوا مع الرياض بمبلغ يصل إلى حوالي 15 مليار دولار، لأن هذه الصفقة هي بمثابة رقص مع الذئاب، كون تعريف السعودية ينبع من كونها حكومة تعتنق المدرسة السلفية ذات الفكر المعادي للمرأة، وهو ذات الفكر الذي أدى إلى بزوغ الإرهابيين من الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، والتي قامت كندا بإرسال جنودها إلى الخارج لقتالهم.
نشطاء حقوق الإنسان ومراقبو حركة الأسلحة أصيبوا بالقلق الأسبوع الماضي، عندما رفضت وزارة الشؤون الخارجية تقديم تقييمات علنية أمام الجمهور حول صفقة الأسلحة، والتي يجب عليها أن تقدمها لتحديد ما إذا كانت هذه الصفقة، وهي الصفقة الأكبر التي تنخرط بها كندا حتى الآن، متوافقة مع أهداف السياسة الخارجية الكندية، أو تهدد بإحداث خطر على المدنيين في الدولة المشهورة بخروقاتها وانتهاكاتها لمبادئ حقوق الإنسان، ولكن يبدو أن هاربر لا يأبه بكسر القواعد التي أعلن عن التزامه بها، والتي تتطلب من وزارة الشؤون الخارجية عرض طلبات تصدير المنتجات العسكرية إلى الدول المنبوذة، وهو جزء من برنامج الحكومة المنفتحة والشفافة والخاضعة للمساءلة الذي أعلن هاربر عن التزامه به.
هذا الموقف الذي اتخذته الحكومة الكندية يعبر عن حالة متناقضة، تتمثل بالتساؤل المشروع: لماذا يجب أن يخضع المواطنون الكنديون للمراقبة الجماعية في حين تستمر حكومتهم بالانغلاق على نفسها بتكتم وسرية؟ كما أن هاربر عليه أن يعي أن صفقات السلاح مع دول منبوذة مثل المملكة العربية السعودية تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن كندا القومي، وتعمق التوترات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط.
في كل مرة تبيع فيها حكومة هاربر الأسلحة إلى السعودية، أو تؤيد عمل عسكريًا مدعومًا من السعودية، فإنها تبعث برسالة واضحة إلى المتعاطفين مع داعش في كندا وفي الخارج، مفادها أن كندا تؤيد السلفية، والسلفية هي نظرة دينية سطحية نشأت داخل الإسلام السني، مستنبطة من التعاليم الدينية الإصلاحية لرجل الدين المتشدد الذي عاش في وسط شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن الثامن عشر يدعى محمد بن عبد الوهاب، ومن هنا جاء تسمية هذا المذهب بالوهابية.
التأييد الكندي الضمني للنهج السعودي مشروط، بطبيعة الحال، باستمرار مبيعات الأسلحة للسعودية بمليارات الدولارات، هذه التجارة التي وضعت كندا على خارطة تجارة السلاح العالمي، بعد أن كانت دولة مشهورة بسياساتها السلمية، ورغم أن أغلب الجمهور الكندي بقي إلى حد كبير مغيبًا وجاهلًا بحجم صادرات الأسلحة الكندية التي يتم تصديرها للحكومات الأجنبية منذ سنوات عديدة، بيد أن ليس جميع الكنديين غافلين عمّا يجري؛ فمثلًا، وقبل حادثة إطلاق النار قرب مبنى البرلمان الكندي، صوّر منفذ العملية مايكل زيهاف بيبو مقطع فيديو قال فيه "كندا أصبحت رسميًا أحد أعداء الدولة الإسلامية، من خلال خلق الإرهاب وقتل الأبرياء في بلادنا".
إلى جانب نشر الطائرات الكندية المقاتلة، والقيام بالغارات الجوية، وإرسال الجنود لدعم القوات البرية العراقية التي تقاتل متشددي داعش في العراق وسورية على مدى العامين الماضيين، فإن حكومة هاربر ساعدت على تحريض المشاعر المعادية للغرب، من خلال مساهمة كندا الهادئة في تصعيد التوترات الطائفية في المنطقة.
وفكرة تصعيد التواترات الطائفية هي المبدأ الأساسي الذي تعمل وفقه الحكومة السعودية، فعلى مدى عقود، استخدمت السعودية منهج "مكافحة التشيع" كأداة سياسية في الداخل والخارج لصرف الانتباه عن تشابه وتشارك مبادئ ونظرات المملكة السعودية مع داعش والقاعدة، وخاصة فيما يتعلق بالتصرفات المتعصبة تجاه أي معارضة سياسية، واحتقار المسلمين الشيعة.
إن الدعم التكتيكي والعسكري الذي تلقته السعودية وجارتها الخليجية الصغيرة البحرين من كندا، ساعد بشكل جزئي على انتشار المشاعر المعادية للشيعة وامتدادها كالنار في الهشيم؛ حيث دعمت كندا مؤخرًا الهجوم الأحادي بقيادة سعودية على الحوثيين الشيعة في اليمن، كما قامت كندا سابقًا ببيع عربات مدرعة خفيفة مصنعة في كندا للسعودية، تم استخدامها في سحق احتجاجات الربيع العربي التي قامت بها الأغلبية الشيعية في البحرين في عام 2011، وليس من قبيل المبالغة القول بأن العديد من الأشخاص الذين ينضمون إلى الانتفاضات في سورية والعراق، يقومون بذلك بدافع من رغبتهم في تثبيط النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، وهو هدف تتشاركه معهم حكومة هاربر ضمن سياستها الخارجية.
ولكن الدور السعودي لا يقتصر على نشر الطائفية في المنطقة، بل أيضًا تعزيزها ضمن الداخل السعودي، فكما يقول جوناثان مانثوربي، مراسل صحيفة تورونتو ستار، "النظام السعودي يقوم بشراء العربات المدرعة الخفيفة ليس بهدف الدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجية مثل داعش، بل لحماية النظام من مواطنيه".
العائلة المالكة السعودية لديها سبب وجيه للخوف من اندلاع انتفاضة شعبية على الأرض السعودية، بحيث تتألف هذه الانتفاضة بشكل رئيس من المعارضين السعوديين الشيعة الذين يعيشون في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، والتي دقت احتجاجاتهم من أجل الإصلاح في طبل أجوف لعقود من الزمان؛ فالمسلمون الشيعة السعوديون هم أقلية في السعودية، ويتعرضون لتمييز عنصري وطائفي ممنهج منذ عقود، حيث لا يتم تعيينهم سوى بعدد محدود من الوظائف الحكومية، ويُمارس تمييز ضدهم فيما يخص حقوق السكن، كما أن النظام التعليمي السعودي يوجه الأطفال لنعت الشيعة بالرافضة، وفي الشهر الماضي ذكرت صحيفة الإيكونوميست أن عددًا من رجال الدين السعوديين يروجون لخطاب معادٍ للشيعة دون أي خوف من الاعتقال، وقبل ساعات من التفجير الذي ضرب الشهر الماضي مسجد للشيعة قرب مدينة القطيف، وأسفر عن مقتل 21 شخص، تم نقل دعاء لإمام في الرياض يقول للمصلين "اللهم، هاجم كل الشيعة في كل مكان، اللهم، زلزل بهم الأرض، اللهم، اقتلهم جميعًا".
بناء على ما تقدم، لن نستغرب الغضب الذي تواجه به ولي العهد السعودي عند زيارته الأسبوع الماضي لمنطقة القطيف، بعد هجوم إرهابي ثانٍ تبنته داعش على مسجد للشيعة أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، حيث قال محمد عبيد، شقيق أحد الضحايا، لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، "الصحف التي تروج لكراهية المسلمين الشيعة يجب إغلاقها، وإذا لم تقم بدورك في هذا المجال، فستكون شريكًا صامتًا في هذه الجريمة".
إحدى الصحفيات المشهورات في الصحف السعودية، ووالدة أحد الضحايا، كوثر الأربش، أدانت أيضًا الحقد الطائفي الذي يربض خلف هذا الهجوم، حيث ذكرت "الإرهاب لا يُولد بصورته الدموية أولًا، إنما يبدأ من تعبئة النفوس بالكراهية والنبذ، لتصنع قاتلًا عليك أولًا إفساد قلبه وفكره".
إفساد قلوب وعقول أبرياء المسلمين الذين يحترمون القانون، هو بالضبط جوهر داعش، وتنظيم القاعدة، والملكية السعودية، لذا يجب على هاربر إنهاء علاقة الحب مع المملكة العربية السعودية، كما فعلت السويد في وقت سابق، واستبدالها بسياسة خارجية تحكمها القيم الأخلاقية، وفضلًا عما تقدم، إذا كانت أوتاوا مقتنعة بأن صفقة الأسلحة مع السعودية تصب في مصلحة الجمهور، فلماذا لم تكشف عن تفاصيلها؟