علي عقلة عرسان- الوطن العمانية-
إن مما يؤسفني ويؤلمني أنني في بعض اللحظات يساورني الشك بقدرة الثقافة والسياسة الجادتين، على تحقيق نقلة نوعية عميقة في لباب التكوين البشري الذي يتكشَّف، في لحظات ومواقف وحالات، عن جوانب وحشية وهمجية وفوضوية، لا يحكمها منطق، ولا تنم عن عقلانية، ويعوق بعضها الدين والمكونات الروحية، عن القيام بدور إيجابي في هذا المجال.
في الرياضيّات، والهندسة، والفيزياء، والكيمياء، تقف القوانين والعلاقات الرقمية الدقيقة والمعادلات والنظريات، لتشكل بمجموعها بيئة متسعة متماسكة لا يُسمح بمخالفتها أو نقضها، وإذا كان ثمة شيء من ذلك مما يفرضه العلم، فببرهان وتجربة ومنهج علمي صارم، ولا يجوز تخطي ما رسّخته تلك العلوم من أسس وقوانين ومعطيات.. ولذلك يبني اللاحق من العلماء على هدي السابق منهم، إلا إذا نقضه بعلم. وتنمو العلوم والمعارف، وتنتج عن نموها زيادة مذهلة في التطور التقني والكشف العلمي والتقدم في المنجزات الهائلة، التي جعلت من العقل البشري عقلًا معجزًا، لما حققه من نتائج باهرة.
وقوانين الطبيعة هي أيضًا قوانين بناء وبقاء، تفرض نفسها على الكائنات، وتعاقب بقسوة، لا نظير لها، كل خروج عليها أو تجاهل لها. ويصطدم من يجافي منطقها بعقوبات وعقبات ترقى، من حيث تخطيها، إلى مستوى المستحيلات. وقد تمكن الإنسان في صراعه من أجل البقاء، والتقدم، والتطور، من تطويع الطبيعة واستثمارها، لكن من خلال اكتشاف قوانينها والتعامل معها على أساس تلك القوانين والعلاقات، بمرونة وحزم وإصرار.. وكل مكسب وانتصار حققه الإنسان على الطبيعة وفيها، كان نتيجة اكتشاف تلك العلاقات والقوانين، وتطبيقها، واحترامها، ومتابعة البحث عن خفاياها، في ضوء العلم والعقل والمنطق، وكل ذلك أوصلته إليه الملاحظة الدقيقة، والتجربة، والرؤية الحكيمة.
وفي الحياة الاجتماعية وأوجه تنظيمها وتسيير أمور الناس فيها، يضع الإنسان القوانين مستفيدًا مما رسخه الإنسان عبر التجربة والعلم والمعرفة الإنسانية، والعلاقات، والأعراف، التي أنضجتها بيئة وظروف ومعطيات عيش وتعامل.. ويحرص على وضع قيم وأفعال وروائز، ليضع أشخاصًا، في مرتبة القدوة والأنموذج الذي يحتذى، ويحث على التقيد بالقوانين، وعلى وضع أسس ومعايير، لتمييز الجيد من السيئ، والمفيد من الضار، والمجيد عن المسيء، فيكافئ المجيد ويرفع شأنه، ويعاقب المسيء ويسفِّه رأيه وفعلَه، فيتقدم بثبات. وكل ذلك في سبيل التطور والنمو، ورفع المثال الأحسن، والقدوة الأفضل، وترسيخ القوانين والقواعد والأسس السليمة، وتطبيقها باحترام، لكي يؤدي إلى نمو الخبرة الإنسانية، والاستفادة من الجهد البشري، وفق منطق العلم، وقوانين الحياة، وقواعد الطبيعة، وتجارب الإنسانية وخبراته الطويلة، مستفيدًا من تراكم المعرفة. ومن هنا تنشأ أعراف وعادات حسنة، وتقاليد تعامل وعمل، ومعايير يتواضع الناس عليها، ويعرضون عليها الأفعال والسلوك والأقوال والأشخاص.. فتتكوَّن لأولي الرأي والحكمة والعلم والمعرفة، قيمة ومكانة في مجتمعاتهم، ويتمايزون وفق الفضل والأفضلية، وتكون للمبرّزين، سواء أكان ذلك في ميدان الخدمة أو التضحية أو البطولة أو السلوك الحسن والفعل البناء والعلم والإبداع.. مثل تلك الروائز، والمواقع، فيحتل الشخص القدوة مكانة خاصة عن جدارة، ويكون له احترام، وتقدير، وكلمة مسموعة، ورأي يؤخذ به، ومسؤولية يتحملها، ومهام تُناط به وتُسند إليه.. بناء على أسس، ومعايير، وعطاء قدمه، ورأي موضوعي منصف ثبتت رجاحته.. وهكذا تبنى المجتمعات والدول، ويتم التقدم، والتطوير، والنمو السليم.. وتنتصب أمام الأجيال منارات يُقتدي بها.
وتحرص السلطات الواعية المسؤولة، في الدول والمجتمعات التي تعرف ما تريد، وتُحسِن السير في طريق الوصول إلى ما تريد.. تعرف كيف تبني، وكيف تصل، من خلال تطبق القواعد والأسس والمعايير التي تضع الأشخاص في المواقع الملائمة لكفاءاتهم، حيث يبدعون في الأداء، وتضبط السلوك الشخصي للأفراد، وتجعلهم يلمسون، في كل مراحل حياتهم، وعند القيام بكل فعل يفعلونه وعمل ينجزونه، سواء أكان سلبي النتائج والمردود، أو إيجابيها.. أن هناك قواعد ومقاييس ومعايير دقيقة، وجهات مسؤولة، ومُثُل وأعراف وتقاليد حساسة، ومحترمة، وعادلة.. وهناك مجتمع يشعر بقيمة كل عمل وبتأثيره على البنية الاجتماعية والحضارية، ومن ثم يكون له موقف ورأي، عندما تزل قدم السلطة، أو تنحاز أو تعبث.. فيسهم جديًّا في الترشيد والتصويب، وفي إنصاف كل من يقوم بفعل أو إنجاز أو إبداع، ووضعه في الموقع الذي يستحق، وإعطائه ما يستحقه من قيمة مادية أو معنوية، ووضعه في المكانة اللائقة به وبعمله.
وهكذا يشعر الفرد بقيمة الجماعة، وقيمة الشعب في الدولة، لا سيما إذا كانت السلطة غير قادرة، أو منحازة، أو منخورة بأمراض، وفساد، أو .. أو.. إلخ، ويجد أنه ضمن الجماعة المنصفة، الواعية، مكفولٌ، ومنصَفٌ، ومراقَب، وله مثل ما عليه من حقوق وواجبات، وأن ما يقوم به من أفعال، وما ينجزه من أعمال وإنتاج وإبداع، وما يبذله من جهود.. ليس ضائعًا، أو غائمًا، ولا مسروقًا، أو مرتهنًا لمزاج مريض. ويشعر بأن هناك علاقة سليمة، وتناسبًا صحيحًا، بين الكفاءة، والمعرفة، والقدرة، والموهبة، والجهد، والإنتاج، من جهة.. وبين المثوبة والتقدم والاحترام والمكافأة والمكانة الاجتماعية والعلمية من جهة أخرى.. تلك التي تقررها سلطة عادلة واعية مُراقَبَة من الشعب، بمسؤولية ووعي واقتدار.. وأن العكس أيضًا صحيح. كما يشعر بأن للقوانين والمعايير والأعراف والعادات الحسنة: حضور، ودور راسخ، في بناء الدولة والمجتمع، وفي إقامة علاقات سليمة بين السلطة والأشخاص الذين يقومون بالمهام، أو يتسنمون مسؤوليات. وأن العلاقات سليمة، ولو نسبيًّا، وأن لكل رأي وفعل قيمة، وأن لكل شخص مرتبة ومقدارًا. ويتمثل ذلك، أو ينبغي أن يتمثل في أداء السلطات، التي يُفترَض فيها أن تمثل مصالح المجتمع وتحرص عليها، وتطبق العدالة بنزاهة، وترعى الحقائق بقوة وإنصاف، وتضع حوافز مادية ومعنوية للتنافس البنّاء، وتحافظ على سلامة مناخ الإبداع والإنجاز في حالة اندفاع حيوي إيجابي، ينميه تنافس شريف، مُقدَّر بموضوعية تامة، يطمئن إليها الأفراد، ويشعر بها كل الذين يدخلون ميدان التنافس الشريف، خدمة للوطن، والشعب، والأمة، وسعيًّا وراء التقدم العلمي والإبداع الحضاري والإنساني، لتحقيق نهضة بالمعنى الحقيقي لذلك.
أما إذا ساءت الأسس، والمعايير، والأعراف، والتقاليد، والعادات، والمفاهيم، ومن ثم الدساتير والقوانين.. وساء فوق ذلك السلطة.. وغاب الوعي الشعبي، أو غيِّب، وانتهى دور من يرى ببصر وبصيرة.. وأضيف إلى ذلك تطبيق سيء للدستور والوانين والأحكام.. وناقض كل ذلك الواقع والوقائع والمصلحة العامة للوطن والشعب، وللدولة والأفراد.. واختلّت الموازين، وغُيِّب العدلُ والعقل، ورفعت الفوضى رأسها، فإن صوت الغوغائية يصبح هو الأعلى، وهو المعيار، وتصبح القوة هي من يصنع الدساتير والقوانين ويطبقه ويفسرها ويطبقها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهي من ومن يقيّم العلم والمعرفة والإبداع والإنجاز، والأشخاص.. وهي من يضع المراتب ويرتِّب المكانات، وفق معايير ومعطيات خاصة.. وهي من يصنف الناس حسب الولاءات، والوشايات، والمصالح الضيقة.. ويصبح صوتها أعلى من صوت العلم والعقل والمنطق، ويصبح منطقها، منطق ميليشيات، تحكم على هواها، بوسائلها وأساليبها المريضة المدمرة، التي يرفضها المنطق، بل لا تبقي منطقًا، وتجر على الشعوب والدول، على المجتمعات والأفراد.. كل سوءٍ يفرّخ سوءًا، فيدمر ولا يبني، ويظلم ولا يعدل، ويقهر ولا ينصف، ويميت ولا يُحيي.. بَلْهَ أن يحقق نهضة، وتقدمًا، وتطورًا، وتنمية، وإبداعًا في العلم، والمعرفة، والفكر، والأدب، والفن.. إلخ. ومن ثم يقضي على مقومات النهوض وأسسه وإمكانياته إلى عقود، وربما إلى قرون.. حيث إن فتكه ذلك في الإنسان، بكل مقوماته العقلية، والروحية والنفسية.. هو الأفظع، لأنه يقضي علي مكونات الشخصية وقيمها، ويقتل البذور الخيرة والفاعلة والعاقلة في العقل والقلب والوجدان والنفس. وهكذا يؤدي الدمار والفساد إلى المزيد من الدمار والفساد، وتكون الخطورة عظيمة على كل بنية وبناء وبنّاء، على العلم والأدب والفن، على الإبداع والحضارية والعدالة، ويتهافت معها الإنسان القيمة، وتتهافت قيمة الإنسان.
تبدأ الأمور بالتهاون، و”ترتقي” إلى الاستهانة، وتنتهي بالاستهتار.. ويتم تسخير المصلحة العامة للمصلحة الخاصة، في مستويات شخصية، وفئوية، وحزبية، وطائفية، ومذهبية، وعرقية، بائسة.. وينتهي هذا بتقويض بُنى الدولة والمجتمع، وترسيخ “مدرسة؟!” ومنهج، ومفاهيم، ووسائل، وأدوات، يضيع معها كل علم وفهم وخير، وحرية وعدل وعقل.. وكل مخلص في عمله، ومتمسك بقيم سليمة، وخلق قويم، بطبيعة الحال.. وتسود قيم وقواعد وأسس، منها: “رأس الحكمة عبادة القوة”، و”مخافة الطغيان”، والولاء إلى كل ذي عماء، لا يعرف حقًّا لله، ولا للإنسان، ولا للفضائل والقيم، ويحكم على كل ذي كفاءة، وعلم، ومعرفة، وخلُق، وضمير، وقيمة.. إلخ، بأنه “لا يعرف كيف يدبِّر رأسَه”، وتحل مقاييس “الشّطارة”، ومفاهيمها، وما هو في حكمها، بالمعنى السلبي التام للكلمة.. في محل الأعراف الاجتماعية، والقوانين المرعية، ومقاييس الأخلاق، وقيم الإنجاز والإنتاج، وتحل العلاقات الشخصية المريضة محل المعايير والأسس الاجتماعية والوطنية، والأخلاقية السليمة .. وتتجلى النشوة الظلامية الظالمة، بأبهى حللها، لتزدهي بما هو الأسوأ من الأفعال والأحكام والمفاهيم والمعارف، التي تُرى على أنها انتصارات “الشطارة” على الأصول والقيم والعقول، فتدخل الدنس إلى النفوس، وتحل ما حرمه الله بقانون، ويتحلل المنحل، بكل المعاني والأبعاد، والمقاييس.. من القانون والعقل ومنطق والدين، ومن قواعد التقدم والبناء.. ويسير الفساد ثملًا، متباهيًا بانتصاره.. يسخر من كل الأخلاق والأعراف والقيم والقوانين السليمة في المجتمع، ومن كل من يقول بها، أو يتحسَّر عليها.. وتبدأ عملية التسابق بين الناس للتلاؤم مع المعطيات الجديدة، وللتلاوم، في حال الإحجام عن التعامل بمرونة تامة مع التنازل عن الكرامة والكذب والافتراء والدجل، واستخدام القوة الغاشمة، مع التحايل على القانون والشعب، والأخذ بكل ما يمكِّن من الوصول الغايات، بعيدًا عن سلامة القواعد والقيم والسلوك والمعايير. فميكيفلي حي، وقانونه وأقوى من تعاليم الرسل: “الغاية تبرر الوسيلة”. وإذا كانت الغايات دنيئة أو متدنية القيمة، فإنها تعلو، ويسقط كل شيء في مستنقع ضحل آسنٍ، ينتج الوباء، وتصبح هناك قواعد سائدة لا علاقة لها بأي نوع من السلامة والصحة.
وفي هذا المناخ تهون على أشخاص كرامتهم، وأنفسهم، وأعراضهم.. ويغيرون جلودهم كل يوم، ويمضغون الذل مرّة ثم يستسيغون مضغه، فيدمنونه ويطلبونه، ويصبح مما يرفع الرؤوس؟.. ويضيع عبر هذا التيار علم وأدب وفن وإنتاج وإنجاز، وخُلقٌ، ورجال ونساء.. ويزحف خَلقٌ كثير على رؤوسهم، وتضيع مجتمعاتهم ودولهم، وليس حقوقهم فقط، ويختلط الحابل بالنابل.
والخطورة الأجدر بالالتفات إليها، عندما تصل الأمور في مجتمع ما، دولة ما، بلد ما.. إلى هذا الدرك… تكمن في الكيفية التي سيكون عليها الآتي.. المستقبل.. إذ إن الأجيال تتربّى في هذه الأوساط والبيئات والمناخات، متخذة أسس عملها وسلوكها، وتعاملها، وقدوتها، ومثلها، وقيمها، من الأجيال التي سبقتها، وممن تراهم “مثال النجاح” في المجتمع.. و”أهلًا للقدوة” في الحياة ممن يجسدون الواقع الحي المرفوع أنموذجًا يُتّبع… وتترسخ أساليب الحياة اليومية، وأساليب الوصول إلى اللقمة والمكانة وسواهما، مما هو ضروريّ أو كماليّ في الحياة، من خلال ما يراه الأبناء في الآباء، وفي من يطلبون “النجاح” ويمثلونه، وفي الذين “بلغوه”، بصرف النظر عن الأساليب والأدوات، وسلامة الأحكام الخلقية والقيمة والاجتماعية والثقافية العلمية.. أما الأحكام والأفعال والصولات السياسية، وصولات القوة، فيبدو أنها اعتادت على أن تبقى خارج ذلك، وتريد أن تنشر ذلك سلوكًا وأصولًا وعقائد سياسية.
وهكذا ينذر المستقبل بقسوة ومخاطر، تكمن شدتها، في أنها غير منظورة، لمن يعيشون حاضرًا بائسًا، ولا يرون إلا بعيون الفساد والإفساد، ولا يتوقف الأمر عند فساد الذوق، والرأي، والحكم، والقيم، والمعايير، التي تفسد الجبلَّة ذاتها. ويتردى عبر تيارها الإنسان ذاته، في تكوينه العام، ولا يتوقف الأمر عند تردي الساسة السياسات.
إن كل الأمم الحية تحرص على فضائلها، وقيمها، وأخلاقها، ومعاييرها، وهوياتها، وعلى سلامة الإنسان والقيمة، في بنيتهما البشرية والخلقية، وتحرص أيضًا على أن ترى ذلك يتجسد في سلوك ومواقف وأحكام من كل نوع، وفي كل مجال.. وتلقن الأجيالَ الموقف الحضاري المتصل بأخلاق، وعلم، وبناء، ومقومات نهضة متكاملة، وأحكام، ومناهج حكم على الأشخاص والأفعال والإنتاج، سليمة وقويمة.. والأمة هي شخصيتها البارزة والمؤثرة، في فعل حضاري متكامل، يتفاعل مع حضارات العالم، ومع العقل والوجدان والقيمة الروحية، والمعطيات المادية في الحياة، التي تشارك بها البشر.. كل البشر.
إن مما يؤسفني ويؤلمني أنني في بعض اللحظات يساورني الشك بقدرة الثقافة والسياسة الجادتين، على تحقيق نقلة نوعية عميقة في لباب التكوين البشري الذي يتكشَّف، في لحظات ومواقف وحالات، عن جوانب وحشية وهمجية وفوضوية، لا يحكمها منطق، ولا تنم عن عقلانية، ويعوق بعضها الدين والمكونات الروحية، عن القيام بدور إيجابي في هذا المجال. وفي الشارع العربي، الذي لا يبدو أنه تنازل عن حقه في المعرفة، ولا عن دور الوعي المعرفي في حياته وقراراته وأحكامه فقط، بل استقال من مسؤولياته، وواجبات المواطَنة ذاتها، ومن مسؤولياتها، وعن دوره الاجتماعي والسياسي البناء، على صعد عدة ومستويات كثيرة، لأسباب شتى منها: التسلط، والقمع، والتغييب، والتبعية، وتحكم الطَّفاوة البشرية الزئبقية والغوغائية المريضة، بالعمق الحياتي للناس، وشروط معيشتهم، وتوجهاتهم، ومناحي إبداعهم، ومقومات الحكم على ذلك..إلخ، مما يشكل معوقات لا تعفي أحدًا أبدًا، من المسؤوليات والواجبات والتبعات، ولا ترحمه أو ترحم سواه في قادم الأيام.
في الشارع العربي خمول لا يمكن أن يُفهَم أو يُقبل، ولا ينبغي، ولا يمكن أن يستمر.. وفيه تواكل ناشئ عن خوف وتسليم بسيطرة منطق الميليشيات والعملاء والغوغاء ومن يوجههم، في/ وعلى كثير من المواقع والمرافق الحساسة، وفيه قبول بالأحكام البعيدة عن الموضوعية والنضج، والمبنية على ترويج “سياسي ـ إعلامي ـ إشاعي شفوي ـ دعائي، سلبًا أو إيجابًا”، من دون إطلاع وتمحيص وتدقيق ومحاكمة.. حيث تحكم مروجيها، أمراض، ويأخذها من يتبنونها، بأساليب وصيغ ومواقف، تخرجهم عن دائرة المحكَّم المؤهل النزيه، أو المحتَكم إليه بثقة وموضوعية واستحقاق.. وقد يحكم بعضهم تحت تأثير الهالة المصنوعة بالدعاية، أو يخاف منها فلا يقاربها برأي، أو يزِلّ رأيه بتأثير منها.. وفضلًا عن كونه يدمر ولا يبني، فإنه يناقض منطق الأمور، وحركة الحياة، واحتياجات الناس، ويؤدي إلى تدمير، مباشر أو غير مباشر، لما يبني المجتمعات، ويؤسس لسلامة البقاء والتقدم والنهوض، في كل مجالات العلم والإبداع والفكر والأدب والفن والعمل، التي تبني مقومات الحياة، والمجتمع الحضاري، وذاك الذي يسهم في بناء الحضارة الإنسانية، ويشكل رافدًا من روافدها.
وأخال أنه يتوجب علينا نحن العرب، في واقعنا الراهن، ومحنتنا الدامية، وتبعيتنا المهينة، وضياع حقنا على دروب الأقوياء، وبأسباب من أنفسنا.. أن نخلّص أجيالنا من فتك الفساد والإفساد في كل ميدان، ومن الذين ينشرون هذا الوباء في حياتنا المادية والروحية، في سياستنا، ثقافتنا، وأدبنا، وفننا.. كما في إعلامنا ومجتمعنا وتنظيماتنا. وعلينا أن نضع الأمة على طريق سلامة التكوين والتفكير والحكم والاحتكام، بمناهج تحترم العقل، وبتدابير تصون القيم، وبمعايير وتدابير ومفاهيم، وقوانين صحيحة سليمة، وبقيم روحية منقذِة، من الفساد والإفساد، ومن الضلال والتضليل، على الخصوص.