جحظت عيناي، وارتفع حاجباي إلى أعلى نقطة يمكن أن يصلا إليها على جبيني، وأنا أتابع ما قاله مدير إدارة حماية الآداب العامة ومكافحة الاتجار بالأشخاص المقدم هيثم العثمان، في ندوة عن حقوق الإنسان الأسبوع الماضي، حيث ذكر أن إدارته تتلقى بلاغات «حمل سفاح» يوميا من مستشفى الولادة، هذا عدا عن قضايا الاتجار بالبشر التي يأتي في مقدمها، مهنة بيع المواليد التي امتهنتها امرأة من جنسية آسيوية، حوّلت بيتها إلى مركز توليد للحوامل سفاحاً اللواتي يلدن عندها ثم يتركن مواليدهن، من دون أدنى شعور إنساني.
وإذا كنا لا نستغرب ما تقوم بها «الساقطات» ممن حملن سفاحا بتخليهن عن مواليدهن، في عصر نشأن فيه على المادية، وأتين إلينا بثقافة لا وجود فيها للإنسانية بمشاعرها وقيمها، فإن المستغرب هذا التعاطي «البارد» من قبل المسؤولين، ممن يعنيهم الأمر، حتى باتت مسألة تلقي بلاغات ولادة من حمل سفاح يوميا، لا تفرق عن تلقي بلاغات عن تصادم خفيف بين سيارتين في شارع فرعي!
ومما يزيد من الدهشة وارتفاع الحاجبين، ما نقلته جريدة «الراي» عن السفير الفيليبيني في الكويت، تعليقا على هذه القضية يوم الجمعة، عندما أكد أن نحو 80 امرأة من الجالية الفيليبينية حملن سفاحا خلال العام الماضي، وأغلب الحالات تتعلق بالخادمات في منازل المواطنين، وأن نحو 300 امرأة أخرى من الجنسية نفسها تعرضن للتحرش الجنسي. طبعا هذه الأرقام ليست دقيقة، وفقا لكلام السفير، ويمكن أن تكون أكثر من ذلك، فهو تحدث عما وصل إلى السفارة في شكل رسمي، بعيدا عن «الدّاية» الخاصة التي تولد الزانيات وتأخذ أولادهن للمتاجرة. ولعل حديث السفير يفتح أبوابا كثيرة للنقاش والتفصيل في القضية.
فقوله إن أغلب حالات الحمل السفاح حصلت للخادمات الفيليبينيات، يحمل اتهاما خطيرا للبيوت الكويتية، فهل يحدث أن تحمل الخادمة في بيت كفيلها؟ ومن المتهم في هذا الأمر؟ إنها مسألة عظيمة الدلالة والتأثير، تضع الكفيل وأبناءه في دائرة الشك، هذا إذا كانت الخادمة في معزل عن الشارع، بمعنى أن الأسرة تمنعها من الخروج للشارع بمفردها. وإما إن يكون الأمر يتعلق بالإجازة الأسبوعية التي تحصل عليها الخادمة، وفق قانون العمالة المنزلية، حيث تخرج فيها الكثير من الخادمات لزيارة أبناء جلدتهن صباح الجمعة على الأغلب، والعودة في المساء، ولا يدري أهل البيت أين أمضت يومها، وماذا حملت معها، سواء بين يديها أو في أحشائها!
الأمر يجب ألا يقف عند تصريح قيل وانتهى، فالأمر خطير جدا، ويحتاج إلى متابعة دقيقة وحثيثة من المعنيين، ولاسيما في الحالات القائمة من قضايا حمل السفاح، ولعل مسألة البصمة الوراثية تسهّل أمر معرفة الأب لمجهولي النسب، خصوصاً مع معرفة الأم، التي إن لم تعترف عن من ارتكب معها الفاحشة، فيجب إجراء فحص الـ«D.N.A» لمعرفة الأب، وفي هذا العمل ستضرب وزارة الداخلية عصفورين بحجر واحد، أولهما سيكون تطبيق فحص البصمة رادعاً قوياً لكل ساقط وساقطة ممن تسول لهم أنفسهم ارتكاب الفاحشة بلا وازع من ضمير أو دين، خوفا من الفضيحة، وثانيها انتهاء ظاهرة الأولاد مجهولي الأب الذين يولدون نتيجة الحمل السفاح وعدم اعتراف الأم، أو حتى ان تترك الأم ابنها في مكان عام وتهرب، كما تابعنا في كثير من المواقف.
وإن كان «العصفور» الثاني في غنائم الداخلية من فحص البصمة الوراثية، قد يدخلها في تحدّ جديد، حيث ستعمد الساقطات إلى التخلص من المواليد، سواء بالقتل والدفن، أو بأي طريقة أخرى حتى تطمس معالم الجريمة، وأدلة التوصل إليها، وقد تابعنا كثيراً من هذه الحالات عبر اكتشاف أطفال حديثي الولادة ميتين وملقين في مناهيل الصرف الصحي، أو في حاويات القمامة أو في منطقة برية بعيدة عن الناس.
نعود إلى بداية ما ذكرناه، فإن وجود هذه الظاهرة أمر يسيء للكويت، أخلاقيا، واجتماعيا، وإنسانيا، ويطرح عشرات علامات الاستفهام حول مدى تحصين مجتمعنا دينيا وسلوكيا، أمام مئات الآلاف من العمالة القادمة من مئات الدول وبمئات من العادات والقيم التي لا تتوافق مع قيمنا وعاداتنا ولا حتى مع فطرتنا السليمة. أضف إلى ذلك ظاهرة الاتجار بالبشر التي ذكر المقدم هيثم العثمان أن 6 قضايا في هذا الإطار تم تحويلها على النيابة التي تتابع تحقيقاتها، فهل من مذكّر في مسألة صيانة مجتمعنا من العادات والأعراف الدخلية التي يحملها الوافدون، وخصوصا القادمين من القارة الصفراء؟ وما دور الجانب الديني في تحصين بيوتنا من التأثر بالرياح التي تعصف بالشارع خارج نوافذها؟
المسؤولية مجتمعية، وليست قصرا على جهة دون أخرى. فالتكامل في هذه القضية مهم لتحقيق الهدف المنشود، وتطهير بلادنا من رجس سلوكيات لا تمت لها بصلة.
د. حمد العصيدان- الراي الكويتية-