علي مطر- خاص راصد الخليج
منذ شُيَد بيت الله الحرام، كان رمزاً ومحلاً للأمن والأمان وهو المكان المقدس الذي ترك نبي الله ابراهيم ولده وزوجته بحماية الله وأمنه فتباركت مكة بوجودهما. كما وجاء الاسلام ليحرم فيه القتال والصيد وسفك الدماء ( ومن دخله كان آمناً) وليفرض فريضة الحج التي جعلت من مكة المكرمة محوراً لتوافد المسلمين من مختلف أقطاب العالم.
من هنا بدأت الحشود تزداد عاماً بعد عام، لكن المعادلة اختلفت مع التطور التكنولوجي ووسائل المواصلات التي اتاحت سهولة في قطع المسافات وبالتالي زادت طلبات الحجاج في زيارة مكة المكرمة مع كل موسم حج بوتيرة عالية السرعة.
لقد قامت الحكومة السعودية إزاء ذلك الوضع بالتوسع العمراني حول البيت العتيق وتشييد الجسور والأنفاق، ما أدى إلى دخول مرحلة جديدة في مكة. فبدأت الحوادث تزداد عاماً بعد عام، كما ساعدت الأوضاع الأمنية المتوترة حول العالم والمشاكل السعودية الداخلية والمجموعات المعارضة للنظام السعودي الى زيادة المأساة. هذا بالاضافة إلى تأثير سياسات الدول والعلاقات الدبلوماسية فيما بينها على كيفية التعاطي مع الحجاج الضحايا.
وإذا قمنا بمراجعة تاريخية بسيطة يمكننا الاضاءة على سلسلة من الحوادث الدامية التي وقعت أثناء الحج في العقود الأخيرة في مكة.
فترة السبعينات
ففي ديسمبر/ كانون الأول عام 1975 أسفر حريق ضخم شب في مخيمات للحجاج قرب مكة عن مقتل 200 شخص. ووقع الحريق اثر انفجار اسطوانة غاز وانتشر بسرعة الى خيام الحجاج.
وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1979 اعتصم مئات من المسلحين المعادين للنظام السعودي بزعامة جهيمان بن محمد الحافي العتيبي، لمدة أسبوعين في المسجد الحرام في مكة واحتجزوا العشرات من الحجاج رهائن. وجرى اقتحام المكان في الرابع من ديسمبر بمساعدة عسكريين فرنسيين من وحدات التدخل التابعة لقوات الأمن أرسلوا من باريس بطلب من الرياض. وأسفرت المواجهة عن سقوط 153 قتيلا و560 جريحا.
فترة الثمانينات
كذلك في 31 يوليو/ تموز و4 أغسطس/ آب عام 1987 فرقت قوات الأمن السعودية تظاهرة قام بها الحجاج الإيرانيون ما أدى إلى وقوع (402 ضحية بينهم 275 إيرانياً استنادا إلى بيان سعودي).
وفي 15 يوليو/تموز عام 1989 قتل خمسة باكستانيين وجرح 34 آخرون اثر حريق وقع في مخيم بالقرب من مكة. وفي 2 يوليو 1990 وقع تدافع كبير داخل نفق منى الى الجنوب من مكة بعدما توقف على الأرجح نظام التهوئة عن العمل. وأسفر الامر عن مقتل 1426 حاجا غالبيتهم من الآسيويين مات غالبيتهم اختناقا.
فترة التسعينيات
أما في العام 1994 في 24 مايو/ أيار فقد قتل 270 حاجا دهسا بالأقدام بعد تدافع حصل أثناء رمي الجمرات. وقالت السلطات ان السبب هو الازدحام.
في 7 مايو عام 1995 قتل 3 أشخاص وجرح 99 آخرون أو احترقوا في حريق نشب في مخيم للحجاج في منى.
وفي 15 ابريل/ نيسان 1997 تسبب حريق نجم عن سخانة تعمل بالغاز في نشوب حريق هائل اتى على مخيم الحجاج في وادي منى بالقرب من مكة ما أدى الى مقتل 343 حاجا وجرح أكثر من 1500 آخرين.
أما في العام 1998 فقد قتل أكثر من 118 حاجا أثناء عملية تدافع في منى على بعد عشرة كيلومترات شرق مكة في الوقت الذي كان فيه الحجاج يقومون برمي الجمرات.
حوادث الألفية الجديدة
وفي عام 2001 قتل 35 حاجا وهم 23 امرأة و12 رجلا خلال تدافع حصل أثناء أداء مشعر رمي الجمرات في وادي منى بالقرب من مكة المكرمة وأصيب حجاج اخرون لم يحدد عددهم بجروح طفيفة، حسب ما أعلن التلفزيون السعودي مستندا الى بيان لجهاز الدفاع المدني.
أما في العام 2003 فقد توفي 14 حاجاً من بينهم ست نساء في اليوم الاول من رمي الجمرات في منى. وفي العام 2004 قتل 244 حاجا في تدافع في منى في اليوم الأول من رمي الجمرات، وفق وزير الحج السعودي. وخلال عام 2004، توفي 251 حاجاّ إثر تدافع الحجاج لـ 27 دقيقة خلال رمي الجمرات في منى.
إلى عام 2005 حيث قتل 29 حاجا في أمطار غزيرة في منطقة المدينة المنورة . وعشية ذلك قتل ثلاثة حجاج خلال رمي الجمرات في منى.
ولم يخل العام 2006 من الحوادث حيث قتل 76 شخصا في انهيار فندق في مكة المكرمة.
إلى ذلك تعتبر حادثة الفوضى التي وقعت عند قطار المشاعر وقت نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة من أبرز أحداث موسم حج 2012، والتي راح ضحيتها 43 مصريًا، حيث أدى تدافع جموع الحجيج إلى إحداث حالة من الفوضى نجم عنها حالات وفاة وإعياء وإصابات.
كذلك وخلال أداء الحجيج مراسم الحج عام 2014، انهار جدار خرساني بارتفاع خمسة عشر مترًا وعرض مئة متر تقريبًا، والذي يقع بحي جبل الكعبة الشريفة والتابع إلى مشروع الطريق الدائرى الأول بمكة المكرمة والذي أسفر عن مقتل 6 اشخاص.
من سقوط الرافعة الى تدافع منى
وتعد كارثة سقوط رافعة على رؤوس الحجاج في الحرم المكي في 13 أيلول/سبتمبر عام 2015، التي أسفرت عن وفاة 87 شخصًا وإصابة 187 آخرين،من أسوأ الحوادث التي قد يتعرض لها زوار الحرم المكي.
فيما أدى تدافع يوم 24 سبتمبر عام 2015، من قبل الحجاج إلى مقتل 769 شخصاً على الأقل وإصابة 694 آخرين حسب الرواية الرسمية السعودية. بينما وصل عدد الضحايا إلى أكثر من 2121، حسب تعداد أجرته وكالة أنباء أسوشييتد برس وهو أعنف حادث يحدث في الحج منذ التدافع الأخير عام 1990 الذى أدى إلى مقتل 1426 شخص. وكانت الحادثة سبقها بإسبوعين سقوط رافعة في الحرم المكي أودت بحياة 111 شخصا.
وقد أشارت إحصائية لوكالة "رويترز"، إلى أن عدد الوفيات في حادث التدافع، الذي وقع خلال موسم الحج في منى الشهر الماضي إلى 2070 شخصًا، بعد أن أعلنت "وكالة الصحافة الفرنسية" بلوغه الـ2236.
وفي التفاصيل أنه أدّى تدافع الحجاج في مشعر منى صباح أول أيام عيد الاضحى المبارك، وبالتحديد عند التاسعة صباحاً بتوقيت السعودية، وكان أكثر الحجاج الضحايا من الايرانيين من بينهم مسؤوليين ودبلوماسيين وعلى رأسهم السفير الايراني السابق في لبنان غضنفر ركن ابادي، وقد أدت هذه الحادثة إلى توجيه اتهامات للسعودية بالتقصير الذي أدى حصول الحادثة وخرجت مظاهرات في إيران أمام السفارة السعودية أدت إلى حصول أزمة دبلوماسية بين الطرفين، يبدو أنها ستنعكس على موسم الحج هذا العام حيث سيقاطع الإيرانيون الحج، وقد قال رئیس منظمة "الحج والزیارة" الإيرانية سعید أوحدي "إن السعوديين لم یراعوا الحد الأدنی من المبادیء الانسانیة والأدب السیاسي خلال المفاوضات التي أجريت معهم بشأن أداء الإيرانيين لفريضة الحج"، لافتاً الى "أنّ السعوديين کانوا بصدد انتهاك کرامة الحجاج الإیرانیین من خلال إصدار تعمیمات".
وأشار أوحدی الی "أنه من أجل اقامة مناسك الحج خلال العام الجاري والحفاظ علی أرواح وأمن الحجاج الایرانیین، قدمنا 20 اقتراحاً الی السلطات السعودیة"، مضيفاً "للأسف لم یقم السعودیون بدراسة هذه الاقتراحات بل وجهوا اتهامات لنا".