إن حب السعوديين لوطنهم وإخلاصهم لقيادتهم يظهر جلياً بأوضح صوره في أوقات كهذه ، نشعر فيها أن شباك المؤامرات تحاك ، والخطط تُرسم، لتشفط مقدرات وطننا، وتنهب مواردنا، وتضيق علينا الخناق ! .وحب الوطن بالتأكيد ليس كلمات نترنّم بها، ونرفع شعاراتها ، ولكنه التفافٌ حول الوطن ،وانضواء تحت مظلته، في اليسر والعسر والرخاء والشدة ، والاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيله . مع ذلك من الطبيعي أن ينتاب المواطن القلق والضيق إذا ما تأثر مورد رزقه ، ووجد نفسه فجأة ودون مقدمات بين فكيّ القروض من جهة ، ومتطلبات الحياة وضروراتها الملّحة من ناحية أخرى ، فيما لايزال يشعر أن الفساد يصول ويجول دون استراتيجية قوية أو إجراءات حاسمة نافذة تحد من استشرائه وتكبح جماحه! من هذا المنطلق تأتي محاربة الفساد كأولوية اليوم أكثر من أي يوم مضى لنحفظ مقدرات وطننا من العبث والتلاعب ، وليطمئن المواطن بأن إجراءات حاسمة ستتخذ بهذا الشأن ، ستطال كل من يجرؤ على العبث بالمال العام دون استثناء .
عند مقاربة الفساد علينا أن ندرك أن هناك بنية متجذرة للفساد ليس فقط في مجتمعنا ولكن في كافة المجتمعات العربية ، فالفساد لا يستهجن ولا يستنكر بل يعامل كأمر واقع وحتمي على معظم المستويات ! وإن اُستنكر شفط الأموال على خلفية المشاريع الضائعة وهدر المال العام ، إلا أن الفساد يتسلل بأياديه الخفية إلى بنية المجتمع دون وعي بخطورة نتائجه ! ورغم أهمية الوعي الفردي بضرورة محاربة الفساد بكافة أشكاله في دائرة الذات وما حولها ، إلا أن تفكيك ثقافة الفساد ببنيتها الآسنة لا يمكن أن يثمر ويؤتي أكله إلا عندما يبدأ من أعلى إلى أسفل وليس العكس . كما أنه لا يمكن تحليل بنية الفساد ومقاربتها ومعالجتها منفصلة عن الطبيعة البشرية والسنن الاجتماعية والظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المجتمعات ! فعندما ينحسر تكافؤ الفرص والعدالة في الحصول عليها ،وتسود ثقافة العصبيات والمحسوبيات وحصول غير المستحق على ما لا يستحقه لا بد أن ينتشر الفساد. كما أن تفكيك ثقافة الفساد على المستوى الفردي لا يمكن أن يتم عبر المواعظ الأفلاطونية، ومطالبة الإنسان بالتقوى ومراعاة الله فيما يفعل ، فالجائع الذي يبحث عن قوته وقوت عياله سينام ضميره رغماً عنه ، عندما يرى أن الوسيلة الوحيدة لإطعام الأفواه الجائعة هي التحايل والطرق الملتوية! ومن يعرف أن الوظيفة ومورد الرزق ستتجاوزه إلى من هو أقل منه كفاءة إذا لم تكن لديه واسطة ، لن يتوانى عن طلب الفزعة إذا ما سنحت له الفرصة ! ومن يعلم أن إنجازه لن يقدر حق التقدير ، سيهتم بكسب ود من يتربع على سدة السلطة في دائرة عمله قبل الاهتمام بالإنجاز ، وهلم جرا .. وهكذا تهدر الأوطان !
وعوداً على بدء ، تأتي محاربة الفساد أولاً عبر تطبيق القوانين وتفعيلها ( كائناً من كان ) من مارس الفساد ، ودحره بكافة أشكاله يأتي عبر المساءلة والمراقبة ثم المحاسبة والمعاقبة ، والتي لا يمكن أن تتم إلا عبر تفعيل مؤسسات المجتمع المدني التي تراقب الفساد وتدعم الحكومة في رصد ممارساته ، والتي لابد أن يرافقها صحافة تُمكّن من صناعة الرأي والخبر تستطيع معه كشف الفساد وتعرية ممارساته .
أمل زاهد- المدينة السعودية-