من أسوأ ما حدث في السعودية خلال الأيام القليلة الماضية نشر وثائق ومستندات وصور شخصية، معظمها تخص ابن أحد الوزراء، وبعضها يخص وزراء آخرين وأبناءهم، في إطار التنفيس الذي تمت ممارسته رداً على بعض التصاريح، وربما تعبيراً عن الامتعاض من بعض الإجراءات.
هذه المستندات والوثائق وإن لم تكن تصنف معلومات سرية في الجهات الحكومية التي سربت منها إلا أنها تكشف عن خلل إداري كبير ومأزق ثقافي أخلاقي، إذ لا يوجد قانون رادع ولا وازع أخلاقي يحترم خصوصية الفرد، وهي حتى لو كانت بغرض كشف بعض الحقائق أو لفت نظر جهات الرقابة إلى بعض المخالفات فهي تظل تصرفاً لا حضاري، يدين المجتمع أكثر مما ينصفه.
وعلى رغم أن بعض الخطابات والوثائق المسربة أسهمت في الكشف عن فساد بعض القطاعات أو الأشخاص، وبعضها بالطبع لم يكن إلا فقاعات وافتراءات، إلا أن هذه التصرفات غير قانونية، وتؤكد غياب الإجراءات الصارمة التي من شأنها كشف ومعاقبة المتسببين في نشر تلك الخطابات أو المستندات.
كشفت هذه الظاهرة عن غياب الآلية الدقيقة في كشف سير التعاملات والمخاطبات، سواء الورقية منها أم الإلكترونية، وغياب العقوبات الرادعة والمجرّمة لمثل هذه التصرفات، التي يجب أن ننظر إليها تهديداً حقيقياً للأمانة الوظيفية، وانحداراً مقلقاً في احترام الخصوصية والإنسانية.
الغريب أنه حتى مع اعتماد بعض الجهات الحكومية على استخدام التعاملات الإلكترونية إلا أن غياب التحديد الدقيق لصلاحيات الموظفين المسموح لهم بالدخول والاطلاع جعل المعاملات متاحة لجميع المستويات الوظيفية، ليتاح لأي شخص الدخول وأخذ ما يرغب فيه وتسريبه، من دون أي مسؤولية تقع على كاهله، فيما لا توفر بعض المؤسسات برامج حماية متمكنة في ردع أي هجمات من مخترقي أنظمة الحاسب الآلي.
هذا الحديث ليس دفاعاً عن القضية أو القضيتين التي طرحها الجمهور، متهمين فيها مسؤولين في وزارة معينة بمحاباة ابن مسؤول في وزارة أخرى وتفضيله وظيفياً، لكنه دفاع عن أساس مهم في مسيرة التطور وحفظ الحقوق.
سيتساءل البعض: وكيف يتم كشف الفساد، أو الأثرة والمحاباة، واحتكار الوظائف أو المزايا أو المناقصات؟ أقول إنه يجب أن يتم عبر القانون، أو عبر هيئة مكافحة الفساد. وإذا كان الناس محبطين قليلاً من أداء وقوة الهيئة فالمفترض أن يتاح لهم رفع دعاوى قانونية مباشرة، يتهمون فيها الوزير أو المسؤول بما اكتشفوه إذا كانوا على حق.
لا شك في أن سلب وظيفة بأجر مرتفع من الجديرين بها وإعطاءها لذي حظوة يقوّض كثيراً من أحلام الناس، وحلم الحكومة بإتاحة الفرص للجميع، وهو مؤلم ومحبط بالتأكيد، لكن أيضاً يجب أن يكون الاحتمال الثاني وارداً، وهو أن من تم توظيفه حصل بجدارة على الوظيفة، وليس ذنبه أن أحد أقاربه وزير أو مسؤول رفيع.
يجب أن نعترف بأن تعيين الأقارب وأبناء القبيلة واستثناءهم عن البقية أصبح جزءاً من العادات والتقاليد، وهو جزء غير عملي وغير حضاري، لكنه حقيقة ثابتة لا تنكرها العين، لكن يجب أن نبدأ في محاربتها، وخير بداية أن نبدأ من أنفسنا.
محمد اليامي - الحياة السعودية-