توظيف ابن وزير الخدمة المدنية كان بمثابة كشف حساب لعدد كبير من المخالفات بسبب المحسوبية، وإعلان بالخط العريض الدور الذي تلعبه الوساطة - مع انعدام الرقيب - في حصر مقدرات الدولة على فئات اجتماعية دون الأخرى.
بصراحة لا أستطيع إخفاء تعاطفي مع الوزير، الذي استبيح على مواقع التواصل لأكثر من شهر «انتقاماً» منه على تصريح «الساعة» الشهير، حتى أصبح كبش الفداء، وكأنه الوحيد في مشهد التجاوز، في حين أظهرت بعض بيانات التوظيف التي طفت على سطح القضية، أن الشق أكبر بكثير من أن تستره رقعة محاسبته!
هذا المجتمع الذي يلبس طاقية الإخفاء من أخطائه كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ثم يصوب سهامه صوب الهدف متنكراً لممارساته الشبيهة، يحتاج بأسره إلى غربلة عقلية تنفض عنه عوالق التمصلح، بالقانون الذي يردع بحواجز المساواة كل محاولات القفز على النظام.
أخطأ الوزير إن ثبت سلوكه الطريق الاجتماعي «المعتاد» في توظيف ولده، وأصابت «نزاهة» بانتهاز الفرصة لإظهار حجم الخلل ومدى اتساعه.
10 وزارات سعودية من أصل 23 خالفت اشتراطات التوظيف، بحسب هيئة مكافحة الفساد، هذا النوع من التعديات يتم تصنيف من قاموا به اجتماعياً على النحو الآتي: قسم يحكم عليهم «عشائرياً» بـ«المرجلة»، كل بمقدار تجاوزه للنظام بالتوظيف! فيما القسم الآخر من غير المستفيدين، يقدم رجلاً داخل مساحة الامتعاض من هذه الفروق غير الطبيعية، التي صنعها أولئك باعتبارهم فاسدين، ويؤخر رجله الأخرى بانتظار من يسنده بالعدل، على تحصيل واحدة من أبجديات العيش المشترك.
دائرة من تراكمات و«لوازم» القبلية، والمناطقية، والمظهر الخارجي أحياناً، تتصل لتقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، وتتصدى بلوبيات المصالح لكل أنواع الاختراق بالقوانين المنظمة.
ثلاث جهات رقابية في السعودية تعمل في سبيل الحد من جميع أنواع هدر المال العام، المباحث الإدارية، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة مكافحة الفساد، ثم يفاجأ الجميع بحالات «عدّت» من دون اعتبار لأي من تلك القنوات الحكومية!
وحدها المحاسبة الدقيقة، التي تنظر بعين المسؤولية تجاه مقدرات البلد، هي من يستطيع مواجهة هذا التفريط الممنهج، فالقانون لا يصنع الفارق على الورق، ولكنه بأدوات تفعيله لا يسمح بالتجاوز. نحن على أعتاب تحول كبير نحو تحقيق «رؤية 2030»، عنوان مرحلته المكاشفة التي تؤدي بدورها إلى المحاسبة كما صرح بذلك ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي كان حديثه عن الفساد في السعودية واضحاً من ناحية الاعتراف بوجوده، أو وعده بالعمل بثبات على الحد منه.
في الواقع، يقع الجميع تحت طائلة مسؤولية النهوض بالوطن، بما في ذلك المجتمع الذي يكيل بمكيالين عندما يغذي نزعات «الفزعة».
وفي المقابل لا يرضى في تجاوز النظام حين لا يكون ذلك من مصلحته، كذلك المسؤول الذي فرض عدم احترام النظام بتجاوزاته و«صلاحياته»، والجهات التي أنيط بها رصد تلك المخالفات، كل أولئك مؤتمنون اليوم على مستقبل أكثر انفتاحاً على الناجحين، وعلى إتاحة الفرص أمام مستحقيها بالتساوي، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى التي تشكل في الغالب العقبة الحقيقية في طريق قوافل المميزين.
فيصل العساف- الحياة السعودية-