الخبر الذي تضمن كف يد أحد كتاب العدل ومعه عدد من الموظفين تلاعبوا في بيانات صك أرض بقيمة 400 مليون ريال، يجب ألا يكون خوفا من صحة بيانات الصكوك، بل يجب أن يكون عامل ثقة بدقة إجراءات كشف مثل هذا التلاعب ومعاقبة من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الجريمة التي تحدث حالة شك في صحة ما يصدر عن كتابات العدل من مستندات ووثائق، بل يجب أن يكون تحفيزا لكل متضرر أو من لديه معلومات صحيحة عن تلاعب في بيانات الصكوك أو الضبوط أو نحو ذلك من الأوراق الرسمية.
لقد استطاعت وزارة العدل أن تفعل التقنية في كثير من الأعمال الإدارية، ولكن يبدو أن هناك حاجة إلى وجود سجلات إلكترونية تتم مراقبتها مركزيا لمنع أي تلاعب في بيانات الصكوك، والضبوط لتكون تلك السجلات الإلكترونية هي الأصل الذي تتم المطابقة معه دائما والرجوع إليه للتأكد من سلامة الإجراءات في كتابات العدل بتطبيق الرقابة الإلكترونية وهو مشروع قطع شوطا لكنه لم ينته حتى الآن.
إن الصعوبات كبيرة والمهمة ضخمة، ونحن أمام تصحيح وتطوير لأوضاع قديمة ومتراكمة، ولأنه حان الوقت للانتهاء من تنفيذ خطة شاملة لتطوير القضاء والأجهزة العدلية بصورة عامة، فإن الاعتراف بضخامة المشروع شرط لنجاحه، فهناك إعدادات للمباني وللأدوات المكتبية وتنظيم الارتباط الإداري وتعيين الأكفاء في مواقعهم، وبلا شك هناك حاجة إلى تعيينات جديدة في أكثر من مستوى في الكادر القضائي وكذلك الإداري، ولا بد من تهيئة العنصر البشري للعمل، فهو الأساس في أي برنامج أو مشروع، بل هناك مواصفات واشتراطات ضرورية يجب تحققها ثم تطويرها كي نصل إلى إعادة تهيئة السلطة القضائية بشكل حديث ومتوافق مع طموح ولاة الأمر.
إن مواجهة حالات الفساد الوظيفي تتطلب موقفا حاسما وحازما، فالوظيفة الحكومية جزء رئيس في البناء الاقتصادي للوطن، لذا تجب حماية نزاهة الوظيفة من العبث والتكسب غير المشروع، لأن هذه الحماية وسيلة لصيانة دور الوظيفة في تحقيق أهداف كل وزارة وهيئة ومرفق حكومي، وعلى الأخص تلك المرافق الخدمية التي تتعامل مع المواطنين والمقيمين في كل ما يقدمه الجهاز الحكومي من خدمات، حيث تظهر أهمية تنفيذ الأنظمة والتعليمات من أجل سلامة سير الجهاز الحكومي الذي يمثله موظفوه دائما في علاقاتهم مع الجمهور.
الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد يتم تنفيذها على أرض الواقع، ولا تتوقف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن الحديث المباشر مع المجتمع عن أعمالها وإنجازاتها والمعوقات التي تواجهها، وهو حديث يتسم بالصراحة. ولعل معاناة هذه الهيئة الوليدة أنها تتحمل وحدها مكافحة الفساد وكأنها الوحيدة المسؤولة عن ذلك، وهذا التصور غير صحيح من الناحيتين الإدارية والقانونية، فالفساد يعني جريمة ذات صفة إدارية في الغالب أو محلها الوظيفة العامة أو يقوم بها موظف عام، وهي دائما تتضمن مخالفة للقانون، وعلى الأخص القانون الجنائي الذي يجرم التربح غير المشروع، حيث تكمن معظم قضايا الفساد، فلن يخالف الموظف العام القانون لمجرد إرضاء شخص، بل بقصد تحقيق مصلحة مادية، وهي في جميع الحالات غير مشروعة.
أحمد العمري- الاقتصادية السعودية-