الحوادث التي شغلت الساحة المحلية مؤخرا، تمثلت في السطو والاختلاسات التي طالت المال العام. ومن أشهر الحالات التي تم اكتشافها تلك التي مست القطاع الصحي والأخرى القطاع التعليمي؟ في ملف التأمين الصحي، الذي ألغي حاليا على أمل أن يعود قريبا، أحال ديوان المحاسبة أكثر من 15 مركزاً طبياً خاصاً عاملاً بالدولة للنيابة العامة، حيث كشفت التحقيقات عمليات احتيال بمبالغ مالية من الدولة تناهز 150 مليون ريال، من خلال التلاعب في الفواتير وتقديم بيانات مزورة للمرضى. أما الواقعة الأخرى فتمثلت في كشف عمليات احتيال بقسم الحاسب الآلي بوزارة التعليم والتعليم العالي بما يتجاوز 140 مليون ريال وتمت إحالة الملف للنيابة العامة.
الفساد تحول إلى ظاهرة عالمية تمس جميع القطاعات دون استثناء، ويكمن التحدي الحقيقي في المواجهة الحازمة لهذا السرطان المهلك من قبل المجتمع ومؤسساته وشخوصه، وتملك القدرة على إحداث الفارق بينها وبين الأمم الأخرى. إن مواجهة الفساد ومسبباته وصوره المختلفة والوقوف في وجهه وتمدده وانتشاره، يجب أن يتحولا الى ثقافة عامة ومسؤولية اجتماعية من قبل الجميع، بما فيها الاختلاسات والرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والوساطة، والأخيرة منتشرة في المجتمع مثل النار في الهشيم، ولا يكاد أن يسلم منها أحد، وهناك اعتقاد أنه يوجد العديد من المناصب القيادية لم يصل إليها أصحابها عن طريق الكفاءة والخبرة والتجارب العميقة، بل من خلال الواسطة والولاءات الشخصية؛ مما يؤدي الى حالة انقسام في المجتمع وعقد وأمراض نفسية للفرد، مثل الإحباط وعدم الرضا وفقدان الانتماء الى الوطن والجماعة.
إن الملف القطري في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية عن مكافحة الفساد في العالم هو الأفضل مقارنة بالدول الأخرى، ويحتل المرتبة 22 عالميا في تقرير السنوات الماضية، في حين زاد تراجع تصنيف عدد من الدول الخليجية والعربية، ولا سيما تلك التي تعاني من صراعات مسلحة وأوضاع متأزمة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وتحول بعضها الى دول فاشلة. وكل هذا يقود الى المزيد من العمل والجهود المستمرة؛ لكي يبقى هذا الملف نظيفا ومحققا للمعايير الدولية، وضرورة الانتهاء من تدشين استراتيجية وطنية لتعزيز النزاهة والشفافية بالدولة، بالتنسيق مع مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والجهات المعنية الداخلية والخارجية.
د. خالد الجابر- الشرق القطرية-