د. حمد العصيدان- الراية الكويتية-
لا أظن أن هناك دولة في العالم، تعيش مشاريعها الإنشائية الوضع الذي تعيشه في الكويت، من تأخير وما يتبعه من إجراءات استنزاف للمال العام تحت مسمى «أوامر تغييرية» تضيف مئات الآلاف، بل ربما ملايين الدنانير، لميزانية هذا المشروع أو ذاك، بحجج واهية لا يمكن قبولها إلا من مسؤولي الدولة الذين يسهّلون مثل هذا الذي يمكن أن نطلق عليه مسمى «حلب المال العام».
وإلا كيف يمكن القبول بمشروع تمت ترسيته على هذه الشركة أو تلك، عبر مناقصة معلنة تنافست عليها مجموعة من الشركات، لتبدأ الشركة الفائزة عملها، ثم بعد فترة وجيزة تتوقف عن العمل وتتذرع بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان لـ«تحلب» ما يمكن لها حلبه من المال العام، تحت مسمى الأوامر التغييرية التي تقدم لأسباب مختلفة؟!. وليس أدل على ذلك من مشاريع لا تزال قائمة حتى يومنا هذا وتستنزف المال العام، الذي يبدو أنه لا بواكي له رغم كل الضوضاء التي نسمعها من هنا وهناك، وترتفع فيها الأصوات محذرة من حرمة المال العام وتؤكد أنها الحارس الأمين عليه.
مناسبة كلامنا هذا المفارقة التي تابعناها في تصريحات وزير التربية والتعليم العالي الدكتور محمد الفارس ووزير الأشغال العامة عبدالرحمن المطوع، لدى تفقدهما مبنى وزارة التربية الجديد، هذا المبنى الذي صار مثلا للتأخر والتغيير في واقعه، فوزير التربية أعلن أن المبنى لن يستوعب قطاعات وموظفي الوزارة، مدللاً على ذلك أن المبنى صمم بناء على واقع الوزارة عام 2004 عندما بدأ إنشاؤه، ولم يعد يتناسب مع توسع الوزارة عام 2017، مشيراً إلى أن الوزارة لن تنتقل إليه كاملة، لأنه لن يستوعبها، بل ستظل هناك قطاعات خارجه، ليضرب في هذا التصريح الأهداف التي وضعت للمبنى المفترض أن يضم كل قطاعات الوزارة وإداراتها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى تبدو المفارقة الثانية في مدة تنفيذ المشروع التي امتدت لـ 13 عاما ولا تزال، وهو ما يؤكد أن هناك شيئاً ما مجهولاً يحرك خيوط المشاريع الحكومية ويتسبب في تأخيرها طمعاً في مزيد من الأوامر التغييرية وضخ المزيد من المال العام.
أما المفارقة في تصريح وزير الأشغال، فكانت التضارب بين ما قاله، وما صرح به المقاول العام للمشروع، فالمقاول أعلن عن الانتهاء من إنجاز المبنى وتسليمه نهاية الشهر الجاري، لتتمكن الوزارة من الانتقال إليه خلال طلة الصيف، ليرد المطوع بأن المبنى لن يكون متاحا للوزارة في المدة التي حددها المقاول، مبرراً ذلك بأن وزارة الأشغال ستتسلم المبنى وستقوم بفحصه الذي لن ينتهي قبل عام، ولاسيما أن المبنى يتألف من 11 دوراً ـ والكلام للوزير ـ وكل دور يحتاج إلى شهر من الفحص والتدقيق، ما يعني أن المبنى لن يسلم لوزارة التربية قبل عام من الآن، لتصبح مدة إنشائه وتسليمه 14 عاماً كاملة!
طبعا هذا غيض من فيض، وإذا أردنا الحديث عن المشاريع التي أصبحت مثل «مسمار جحا»، سيبرز لنا مثال صارخ على ذلك، ممثلاً بجامعة الشدادية التي أقرت منذ عام 2004، وبدأت رحلة «المليون ميل» في إنشائها ولا يُعلم متى ستكون النهاية، ففيما وضع تاريخ جديد لانتهاء العمل ودخوله حيز الخدمة هو عام 2019، فمن المتوقع بقوة أن يتأجل التاريخ كما تأجل من قبل مرات عدة، فالجامعة أصبحت مجالاً للتندر على العبث بالمال العام وعدم الالتزام بالعقود المبرمة، أضف إلى ذلك ما شهدناه في العام السابق وما سبقه من حوادث حرائق متكررة في مبانيها قيد الإنشاء، حتى اقترح أحد الظرفاء أن تنشئ الإدارة العام للإطفاء مركزاً ثابتاً في الجامعة لكثرة حرائقها، فيما يبدو هذا العام حتى اليوم أن مسلسل الحرائق فيها لم يبدأ بعد، أو ربما لن يحدث بعدما أصبح أمرا غير مقبول لا مستساغ.
أضف إلى ذلك مشاريع كثيرة، تؤكد أن الأمر لم يعد مقبولا، ومطلوب من المعنيين، سواء في مجلس الأمة أو الوزارات نفسها، إجراءات حازمة لوقف الهدر واستباحة المال العام الذي يتغنى الجميع بحرمته والاستعداد للدفاع عنه، بينما في الحقيقة أننا «نسمع جعجعة ولا نرى طحناً» فهل يبدأ موسم الطحن بعد سنين من الجعجعة؟ نأمل ذلك.