اقتصاد » فساد

الفساد يعرقل التنمية!

في 2017/07/15

فهد المضحكي- الأيام البحرينية-

لا يمكن ان يحقق نموا اقتصاديا مستداما وتنمية شاملة دون مكافحة الفساد بجهود دؤوبة تسعى إلى تفعيل القانون بصورة جادة لا تعرف المحسوبية والاستثناءات والتجاوزات المالية والإدارية.
وفي مواجهة الفساد لا بد من وجود هيئات فاعلة يوفر لها الدعم من النظم الرسمية والصحافة ووسائل الاعلام الاخرى، والاهم من المجتمع المحلي.
ولا يمكن فصل هذه الظاهرة الخطيرة على الفرد والمجتمع عن المصالح المتداخلة واساءة استخدام السلطة السياسية لمكاسب شخصية!
ويعرف استاذ القانون علي صديق الفساد بأنه ظاهرة عالمية شديدة الانتشار وتتجلى بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة ويستغلون مناصبهم لتحقيق مصالح خاصة بهم على حساب الآخرين، وان أهم مظاهره تتنوع إلى نهب وإهدار المال العام والمحاباة والرشوة والمحسوبية والابتزاز والواسطة.
ومن أسبابه ضعف الجهاز الرقابي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية مما أدى إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة، إضافة إلى غياب قواعد العمل في القطاعات الحكومية والخاصة، كما أن بعض الشركات الخارجية تقوم باستخدام وسائل غير قانونية للحصول على امتيازات واحتكارات داخل الدولة. والفساد يشمل الموظفين العموميين الصغار، والكبار المسؤولين، والمواطنين داخل الدولة ككل، ولا يقتصر على شخص بعينه أو هيئة محددة.
كم من المؤتمرات والندوات والورش انعقدت من أجل مكافحة الفساد؟
يطرح هذا السؤال؛ لأن الفساد استوطن الدول العربية، هذا ما كشف عنه مؤشر مدركات الفساد لسنة 2016 الذي صدر عن منظمة الشفافية العالمية.
لقد أشار التقرير إلى تراجع متفاوت للدول العربية فيما يتعلق بإجراءات مكافحة الفساد، ومنها دول الخليج، لأسباب مرتبطة بانخراط تلك الدول «في تحالفات عسكرية مما يزيد من السرية وعدم الوضوح في الموازنات والصرف العام».
واشار ايضا إلى أن أغلب الدول العربية تراجعت في مجال مكافحة الفساد في 2016 رغم مرور ست سنوات على ما يسمى بالربيع العربي الذي كان بداية التغيير في المنطقة.
ويعني ذلك ان الدول العربية لم تستطع تحقيق نتائج حقيقية تعكس إرادة الشعوب في بناء أنظمة ديمقراطية فاعلة تعطي مساحة للمساءلة والمحاسبة.
كتب د.ماجد الزاملي في «طريق الشعب» العراقية: «آفة الفساد لا تقل شأنا عن الجرائم الإرهابية». وبشيء من التوضيح لم يكن الفساد -بحسب وجهة نظره- مجرد آفة مؤقتة من آفات المجتمعات الخاضعة لعملية التحديث التي يمكن معالجتها بالتعليم والتنمية والأخلاقيات العامة، فبالإمكان لمس الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة الناتجة عن الفساد مهما كان حجمه. إن تقديم البرهان على الالتزام بالحكم الوطني ومن ثم التعهد بالإدارة الرشيدة للشؤون العامة لم يعد شرطا ضمنيا بل أصبح الآن شرطا صريحا في برامج الاصلاح التفصيلية.
واذا كان -كما يرى- الفساد من القضايا التي تشغل بال الجميع في المجتمعات الدولية، لزيادة حجمه واتساع دائرته وتشابك حلقاته وترابط آلياته وهو ما يهدد مسيرة ومستقبل عمليات الانماء في الدول، فإن العلاقة التي تربط الفساد بالإرهاب هي علاقة وطيدة ومتلازمة، فهما وجهان لجريمة واحدة، من حيث الاعتداء على حقوق وحريات الأفراد بكل تجلياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ومن حيث مخاطرها على الدولة والمجتمع، فهما معا يهددان استقرار الدولة والمجتمع ولهما تكلفتهما السلبية على الديمقراطية والتنمية.
الفساد والإرهاب يشتركان معا في كونهما يشكلان معا خرقا لكل القوانين والضوابط الدينية والاخلاقية.
لقد خاض فلاسفة القرن الثامن عشر صراعا مريرا عندما اعتبروا الفساد امرا سيئا من الناحية الاخلاقية، واليوم نجد تعاليمهم وهي تنتشر في جميع انحاء العالم لتعزيز تفاؤل جديد بإمكانه القضاء على الكسب غير المشروع. وقد قامت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) بحثّ الحكومات الاعضاء فيها على اعتبار تقديم الرشا للمسؤولين الأجانب والشركات الأجنبية، جنحة جنائية (نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية 8-9-2012)، في حين اعتبر «وولفغانغ كاسبر» استاذ الاقتصاد الاسترالي ان من يتسامح مع الفساد، ومن يدعو إليه ينتقص من أهمية المؤسسات التي تُعد شرطا أساسيا للنمو الاقتصادي، وذلك يؤدي إلى إدامة الفقر والظلم والبؤس، كما أن المتنافسين الذين يعتمدون على الفساد في الارتقاء بأعمالهم انما يرتكبون خيانة -لأوطانهم- بحق الشروط الاساسية لاقتصاد السوق، وذلك لأن التقسيم الحديث للعمل يعتمد على استثمار ما يعرفه الناس، وليس على من يدفع الرشوة الكبرى!
وأوضح كاسبر أن التجربة التنموية خلال نصف قرن تظهر لنا أن النمو الاقتصادي الضعيف لا ينتج عن نقص الثروات الطبيعية أو رأس المال أو غير ذلك من الموارد، وإنما تشترك كافة الاقتصادات التي فشلت -بحكم الفساد- في تحقيق النمو في أنها تمتلك قواعد ضعيفة لتنسيق الحياة الاجتماعية والاقتصادية (المؤسسات) والتي تقف عائقا في وجه الادخار والاستثمار، واستكشاف الموارد وغيرها من الجهود الريادية لتحريك القوى الإنتاجية.