محمد العوضي- الراي الكويتية-
لطالما كانت الكويت، ذلك الوطن الدافئ الرؤوم الذي يمتد على بقعة من الأرض الطيبة بأهلها المسالمين، هدفاً لمطامع المجرمين على اختلاف مسمياتهم أو انتماءاتهم، ولطالما تعرضت لتهديدات كان أصعبها محنة غدر الشقيق، حينما تجرأ على قامتها «زعيم البعث» الفاجر، فكان الغزو العراقي الذي سقطت معه مفاهيم الجيرة والأخوة وكشفت فيه الدعوات العروبية عن قبح وجهها.
بعد التحرير استمر أعداؤنا بالبحث عما يفُتُّ عضدنا من خلال برامج الانحلال الأخلاقي وإغراق البلاد بموجات من الشبهات والشهوات، وكان لطف الله بنا يجري من دون أن ندري، حيث يسخر لنا من يدفع عن أبنائنا الشرور وعن بلادنا المطامع والأذى.
أعتقد أن الاستهداف الأخطر من التهديدات العسكرية وموجات الانحلال الأخلاقي الذي ينهك الدول ويحطم إرادتها ويحيلها إلى جسد من الخراب، انتشار المخدرات في ربوع الوطن وبين أبنائه، وهو ما تعانيه الكويت منذ مرحلة الثمانينات بسبب الوفرة المالية والرخاء الاقتصادي الذي أغدق الله به علينا وضعف الرقابة الأسرية بسبب انشغال الوالدين وتفنن المجرمين في وسائل تهريب المخدرات وتنويعها.
اليوم كبرت المعاناة وازدادت التحديات، وأصبحت الكويت - مع الأسف - سوقاً رائجة ومنطقة ترانزيت لتجارة الموت، ولا يكاد يمر أسبوع إلا ويهز وجداننا خبر عن موت شاب وفتاة بسموم المخدرات أو إلقاء القبض على مهربي هذه السموم القاتلة.
من لطف أقدار الله فينا وجود الأخ العميد بدر الغضوري على رأس جهاز مكافحة المخدرات، فالغضوري يمتلك قدرة فائقة في كشف ألاعيب تجار الموت وفضح أسرار أعمالهم القذرة، وقد كان له الفضل من بعد الله تعالى في فك شيفرة أكثر من جريمة مغلقة حينما كان في المباحث الجنائية حسبما نشرت الصحف ذلك خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، والشكر موصول لكل الأخوة الذين عملوا في هذه الإدارة الحساسة سابقاً وحالياً وساهموا في حماية أبنائنا من السقوط في مستنقع سموم الموت.
اليوم، وفي ظل تطور أدوات وأساليب المجرمين في عمليات التهريب وقدرتهم على الوصول إلى قلة نادرة لا تكاد تذكر من أصحاب النفوس المريضة وعبدة المال العاملين في «الجمارك» و«الطيران المدني» و«الداخلية» وشراء ذممهم «المخرومة»، أناشد المسؤولين كلاً في اختصاصه وأعضاء مجلس الأمة لإقرار قانون تشديد العقوبة على كل من يستغل منصبه ليعمل على تهريب المخدرات أو يسهل عملية تهريبها أو يتواطأ مع المهربين لإدخالها إلى البلاد لتكون عقوبته الإعدام كي يكون عبرة لغيره، خصوصاً وأن فعلته لا تقل جرماً عن الخيانة وقت الحرب.
ولئن كانت المخدرات تباع في السابق نقية ويتم خلطها ببعض المواد لتزيد كميتها ويثري المتاجر بها سريعاً مع صعوبة ترويجها وتوزيعها بين فئة الشباب، خطيرة وقاتلة مع وجود أمل ولو كان ضئيلاً بعلاج المدمن عليها، فإن المخدرات الكيميائية والمصنعة والمغشوشة اليوم خطيرة جداً، والأمل في علاج المدمن عليها ينحسر جداً وانتشارها بات سريعاً وتصنيعها الكيميائي أصبح سهلاً داخل البلاد عبر استيراد مواد غير مجرَمة ثم القيام بصناعتها من خلال التركيب الكيميائي وتسويقها على الشباب المراهق وطلبة المدارس والجامعات، وهو ما ينذر بمصيبة قد تحل بالبلاد ما لم يتم تدارك الأمر وتطهير البلاد من تجار السموم وباعة الموت ومنتهكي الحياة.
كلنا اليوم يشتاق إلى الكويت القديمة، الكويت الآمنة الوادعة، الكويت التي تنام الأم وهي مطمئنة أن فلذات كبدها في أمان، الكويت التي يذهب فيها الأب إلى عمله وذهنه غير منشغل على أبنائه لأن المدرسة حاضنة منزلية أخرى والقائمون عليها ليسوا غافلين عن شياطين الإنس ومشغلي دكاكين بيع الموت.
الكويت يا سادة مستهدفة في قيمها وأخلاقها ووحدتها ونسيجها الاجتماعي، وقبل ذلك في دينها، فأدركوها قبل أن يتطاول عليها تجار الموت وسماسرة الخراب ثم ننتحب على فقدان الأمن في ربوعها.