الخليج أونلاين-
أخفقت دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع حد لعمليات غسل وتبييض الأموال، رغم دخولها بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المرتبطة بذلك، حتى باتت في السنوات الأخيرة إحدى الواجهات الرئيسية في العالم لهذه الجرائم.
وصنفت العديد من التقارير الدولية الإمارات على أنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات تبييض وغسل الأموال، التي يقدر حجمها العالمي سنوياً بنحو تريليوني دولار، أي ما نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب تقديرات أصدرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في أغسطس الماضي.
وعمليات غسل أو تبييض الأموال جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير شرعي، لغرض حيازتها، أو التصرف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها، أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جرائم.
وكشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، في مارس من العام الماضي، انخراط مؤسسات مالية في الإمارات في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات.
وصنف التقرير الإمارات من ضمن البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال، لتكون الدولة الخليجية الوحيدة التي تدخل ضمن هذا التصنيف.
وذكر أن جزءاً من نشاط غسل الأموال في الإمارات يرتبط بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا.
وأشار إلى أن جرائم غسل وتبييض الأموال في الإمارات تشمل بشكل رئيسي القطاع العقاري وتجارة الذهب والألماس.
وأوضح تقرير الخارجية الأمريكية أن نقاط الضعف في النظام المالي الإماراتي تتمثل في عدم وضع ضوابط وتعريفات للكيانات المالية في المناطق الحرة، وفرض الرقابة عليها بما يكفل سد الفجوات في الرقابة.
وطلب التقرير من الإمارات بذل المزيد من الجهد، وزيادة قدراتها ومواردها للتصدي لعمليات غسل الأموال.
وفي العام 2016 أكد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية بشأن الإرهاب، أن الجماعات الإرهابية استغلت الإمارات كمركز لتعاملاتها المالية.
تقرير دولي آخر كشف عن تصدر الإمارات لقائمة الدول التي تنتشر فيها جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأفاد معهد "بازل" الدولي لمكافحة غسل الأموال في تقريره السنوي للعام 2017، بأن الإمارات تحتل المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة.
وجاءت الإمارات، وفقاً لذات التقرير، في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج العربي في مجال مكافحة غسل الأموال.
يشار إلى أن تصنيف معهد "بازل" حول غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب، هو المؤشر الوحيد في هذا المجال عالمياً.
ويعمل التصنيف على تقييم مخاطر الدول في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تقييم مستوى مكافحتها في الدولة، وعوامل أخرى ذات علاقة؛ منها: الشفافية المالية، ومدى فعالية النظام القضائي في الدولة.
وفي تقرير صادر عن الحكومة البريطانية، منتصف العام الماضي، جاءت الإمارات على رأس قائمة الدول العشر الأولى التي يتجه إليها المجرمون البريطانيون عندما يريدون غسل أموالهم.
وأوضح التقرير، الذي نشره موقع "بزنس إنسايدر" الأمريكي، أن الإمارات أصبحت أهم محطات إعادة التدوير النقدي غير الشرعي في العالم.
وإضافة لما سبق من مؤشرات وتقارير دولية، فقد اعترف المصرف المركزي الإماراتي، في عام 2017، أن جرائم غسل الأموال في البلاد ارتفعت بنسبة 30% عام 2016، رغم القوانين التي صدرت في مجال مكافحتها.
وتعد شركة "وول ستريت للصرافة"، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال بالشرق الأوسط، ومكتبها الرئيسي في إمارة دبي، مركزاً رئيسياً لغسل أموال عصابات المخدرات العالمية والجماعات الإرهابية.
وكشف تقرير لقناة "ABC" الأمريكية، في فبراير الماضي، عن تمويل حكومة دبي لشركة "وول ستريت"، للقيام بعمليات غسل أموال استنزفت مئات الملايين من أستراليا.
وأشار التقرير إلى أن الشركة التي كان يديرها الباكستاني الطاف خاناني، المعتقل حالياً بالولايات المتحدة، أجرت عمليات نقل أموال دولية من خلال عمليات تبادل العملات المتعددة.
وأفاد بأن شبكة خاناني قامت بغسل ما بين 14 مليار دولار و16 مليار دولار سنوياً لمنظمات إجرامية في أنحاء العالم.
من جانبها، قالت صحيفة "فورد كورنر" الأسترالية، في فبراير الماضي، إنها علمت أن حجماً كبيراً من الأموال التي كان خاناني يتحرك بها في جميع أنحاء العالم يجري تشغيلها من خلال شركة "وول ستريت للصرافة".
صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تناولت أيضاً، في تقرير لها، أشهر عمليات تبييض الأموال بالإمارات وخاصة بإمارة دبي.
وذكرت الصحيفة أن المليونير الهندي ريش كومار جين، المعتقل حالياً في نيودلهي الهندية، هو أحد أكبر غاسلي الأموال في العالم، وكانت معظم أنشطته يقوم بها من إمارة دبي، حيث اتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات.
وبحسب "ذا غارديان"، فإن اقتصاد الإمارات مبني على النقد والسيولة المالية غير المشروعة. وتؤكد الصحيفة أن هذه الدولة الخليجية هي المكان الذي تقوم فيه المافيا الروسية وتجار المخدرات العالميون بتنظيف نقودهم القذرة.
ومن أبرز الأدلة على ذلك ما قاله السفير الأمريكي في أفغانستان، أنطوني واين، لصحيفة "ذا غارديان"، حول أنه يتم تهريب 10 ملايين دولار يومياً من كابول إلى دبي في حقائب صغيرة معظمها تأتي من تجار الهيروين الأفغان.
كما نقلت الصحيفة نفسها عن مستثمرين أجانب في الإمارات قولهم: إن "القوانين الجديدة بالإمارات لمكافحة غسل الأموال لم يكن لها أي تأثير ملموس".
وفي العام 2014، واﻓﻖ المجلس الوطﻨﻲ اﻻﺗﺤﺎدي بدولة الإمارات على مشروع قانون بشأن مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.
ويهدف مشروع القانون الجديد إلى دعم عملية تحديث منظومة مواجهة غسل وتبييض الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، والالتزام بالمعايير الدولية، من خلال استيفاء متطلبات وتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية.
كما منع مجلس إدارة المصرف المركزي الإماراتي، العام الماضي، فتح حسابات بأسماء مستعارة أو أرقام.
والشهر الماضي، أمر المصرف المركزي شركات الصرافة بتشديد معايير عملها لدرء شبهات التدفقات المالية غير المشروعة.
ولكن تلك القوانين والإجراءات فشلت في مكافحة عمليات غسل وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب بالإمارات.
ولعل ما يثبت النظرية السابقة، ما كشفه فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، في فبراير الماضي، عن أن "خالد"، نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، استخدم حساباً مصرفياً في الإمارات لغسل مبلغ يقدر بنحو 84 مليون دولار في ديسمبر 2014.
وبهدف تسهيل غسل تلك الأموال أنشأ "خالد" شركة في الإمارات تدعى "ريدان إنفستمنت ليميتد"، وحوّل الأموال إلى حساباتها.
وأكد فريق الخبراء الدولي أن لديه أدلة تشير إلى أن نجل الرئيس اليمني الراحل أنشأ الشركة المذكورة كوسيلة لأنشطة غسل الأموال لحساب أفراد يمنيين مدرجين في قائمة العقوبات الدولية، ومن ضمنهم والده علي عبد صالح.
ويتمثل تأكيد آخر على تحول الإمارات لمحطة رئيسة لغاسلي الأموال حول العالم، فيما كشفته صحيفة "الإمارات اليوم" عن قيام موظف في بنك بإمارة دبي، عام 2014، بغسل أكثر من 43 مليون درهم (11.71 مليون دولار)، لحساب وزير باكستاني.
وقام الموظف بتلك العملية من خلال فتح 4 حسابات وهمية بأسماء نساء، بعد تقديم وثائق مزورة لإدارة البنك.
ونقلت "الإمارات اليوم" عن المتهم قوله إنه التقى الوزير في أحد فنادق دبي، وطلب منه فتح هذه الحسابات.
ولا ترتبط عمليات غسل الأموال بالإمارات بالأجانب، فقد وجهت السلطات السويسرية، عام 2016، تهماً لاثنين من المسؤولين في الإمارات تتعلق بالتورط بقضايا فساد وغسل أموال وعمليات نهب وسرقة، استهدفت صندوقاً استثمارياً ماليزياً تبلغ قيمته مليار دولار، بحسب ما نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وذكرت الصحيفة، في أغسطس 2016، أنها اطلعت على وثيقة تكشف بأن سويسرا حققت بوجود أنشطة غسل أموال وفساد واحتيال، والضلوع في مؤامرة دولية لنهب صندوق ثروة ماليزي، لرئيس مجلس الإدارة لشركة الاستثمارات البترولية الدولية (آيبيك)، خادم القبيسي، وهي شركة مملوكة لحكومة أبوظبي.
وبحسب المعلومات التي نشرتها الصحيفة البريطانية، فإن التحقيقات طالت- إلى جانب القبيسي- مسؤولاً إماراتياً آخر هو محمد بدوي الحسيني، الذي كان يشغل منصباً كبيراً في شركة "آبار" المملوكة لحكومة أبوظبي.
وحتى الآن لم يحاكم المسؤولان الإماراتيان اللذان أُعفيا من منصبيهما، وتجميد أصولهما المالية عام 2015.