الخليج أونلاين-
احتضنت دولة الإمارات العربية المتحدة، على مدار سنوات مضت، العديد من شبكات الأعمال المشبوهة حتى باتت بوابةً لغسل وتبييض الأموال وتوزيع السلع المزيفة عالمياً، وأرضاً لا تجد فيها حقوق الملكية الفكرية من يحميها.
تلك الاتهامات أوردتها العديد من التقارير الدولية، التي صنفت الإمارات على أنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات غسل الأموال، وكشفت عن قلق كبير من الممارسات التجارية فيها؛ بسبب الاشتباه في أن آلاف الأسواق الإماراتية تعد بوابة لتوزيع السلع المزيفة على الأسواق الأخرى بالمنطقة وشمال أفريقيا وحتى أوروبا.
- سلع مزيفة وحقوق منتهكة
أحدثُ هذه التقارير كان التقرير الأمريكي السنوي لحماية حقوق الملكية الفكرية، الصادر عن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، في 25 يونيو الماضي، حيث كشف التقرير الأمريكي، الذي نقله موقع "الجزيرة"، عن قلق كبير من الممارسات التجارية للعديد من الدول حول العالم، من بينها دول عربية كالسعودية والإمارات ومصر.
ويقول التقرير إن آلاف الأسواق بدولة الإمارات تعد بوابة لتوزيع السلع المزيفة على المنطقة وأوروبا، مضيفاً أن الدول التي شملها التقرير "لا تراعي في المجمل حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية"، داعياً إياها إلى اتخاذ إجراءات حازمة في هذا الإطار.
وأوضح التقرير أن هناك عوائق تواجهها الشركات الأمريكية في السعودية والإمارات بالتحديد، لا سيما بمجال تصنيع الأدوية وتفعيل جهود محاربة التقليد والبضائع المزورة.
ووضع التقرير الأمريكي دولة الإمارات على قائمة المراقبة في عام 2018، في ضوء مخاوف قائمة منذ مدة طويلة بشأن مكافحة بيع السلع المزيفة وإعادة شحنها، بالإضافة إلى التغييرات الأخيرة في عدد من السياسات التجارية لأبوظبي، والتي رأى التقرير أنها "تُضعف حماية الملكية الفكرية لإنتاج الأدوية".
وأشار التقرير إلى وجود سوقين رئيسيين في الإمارات يضمّان أكثر من 5 آلاف متجر لبيع السلع المزيفة، من ضمنها أجهزة الاتصالات والأجهزة المنزلية.
ويرجّح مكتب الممثل التجاري الأمريكي أن هذه الأسواق تعد بوابات لتوزيع السلع المقلدة أو المزيفة على الأسواق الأخرى في المنطقة وشمال أفريقيا وحتى أوروبا.
ولفت إلى أن سوق بيع المنتجات المزيفة والمقلدة وصلت قيمة تعاملاتها المالية إلى 284 مليار دولار عام 2013.
- الملكية الفكرية بلا حماية
وذكر التقرير أنه بدلاً من استيلاء السلطات الإماراتية على السلع المزيفة وتدميرها في المناطق التجارية الحرة، فإن المسؤولين الإماراتيين يسمحون بإعادة تصدير هذه المنتجات ونقلها من جديدـ، على الرغم من امتلاكهم السلطة القانونية لإتلاف هذه السلع.
كما أن الشركات الأمريكية، بحسب التقرير نفسه، طالما أثارت المخاوف بشأن عدم وجود محاكم بالإمارات للنظر في القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية، بالإضافة إلى نقص الشفافية والمعلومات المتاحة المتعلقة بسياسة مصادرة السلع المقرصنة والمقلدة.
ولفت المكتب الأمريكي إلى أن الإمارات سمحت عام 2017، بتصنيع منتجات أدوية تخضع لبراءات الاختراع في الولايات المتحدة. كما حذر من أن هذا الوضع يخلق حالة من عدم الاستقرار والارتباك، خاصة لدى الجهات الأمريكية المعنيَّة بابتكار وصنع الأدوية.
التقرير الأمريكي سبقه تقرير أصدرته منظمة التجارة الخارجية اليابانية (جيتو) ومجموعة الشرق الأوسط للملكية الفكرية (PGME)، في مارس الماضي، والذي أكد أنه يتم ضبط سلع مقلدة، تقدَّر بمئات الملايين من الدولارات، كل عام في الإمارات.
ونقل التقرير عن ماسامي أندو، المدير العام لـمنظمة التجارة اليابانية، قوله: إن "تدفقات البضائع المزيفة إلى الإمارات، وإمارة دبي بالأخص، تشكل مصدر قلق كبيراً للعلامات التجارية والشركات اليابانية التي تعمل في المنطقة".
وأضاف أندو أن "هذا اتجاه خطير ومثير للقلق، والذي إن لم يُروَّض فسيؤدي إلى إزاحة المكاسب الاقتصادية للمنطقة وكذلك تعريض المستهلكين للمخاطر المرتبطة بشراء السلع المزيفة واستخدامها".
وتابع: "تؤثر تجارة السلع المقلدة سلباً على العلامات التجارية والشركات الأصيلة، وتمثل السلع المزيفة وانتهاكات العلامات التجارية الآن مصدر القلق الأول للشركات اليابانية التي تتطلع إلى التوسع في سوق الإمارات".
وشدد أندو على أنه إذا لم تعالج الإمارات هذه التجارة غير المشروعة، فقد تصبح المنطقة في النهاية أقل جاذبية للمستثمرين.
وبحسب التقرير الياباني، فإنه في 2017، ضُبطت سلع مزيفة تزيد قيمتها على 76 مليون دولار أمريكي بعد عملية أمنية نُفِّذت في دبي.
وفي عامي 2014 و2016، ضُبطت سلع مقلدة في الإمارات تزيد قيمتها على 67 مليون دولار و37 مليون دولار على الترتيب.
وذكر التقرير أن من أهم المنتجات التي يتم تزييفها الحقائب المُصمَّمة والأجهزة الإلكترونية المنزلية والهواتف المحمولة وملحقاتها والساعات والأزياء والعطور وقِطع غيار السيارات وغيرها.
ولعل ما يؤكد هذه التقارير حجم إقبال الإماراتيين على شراء السلع المقلدة، فبحسب دراسة أجرتها جامعة باريس السوربون في أبوظبي، ونشرتها صحيفة "ذا ناشيونال"، في عام 2016، فإن ثلث الإماراتيين يفضلون شراء السلع المقلدة للعلامات التجارية الشهيرة؛ لعدم شعورهم بوجود مخاطر عند شراء مثل هذه السلع.
ولا يقتصر التزوير والتقليد في الإمارات على السلع والبضائع، فالوثائق الرسمية كذلك تشملها الظاهرة المنتشرة في البلاد. ففي عام 2014، أحالت النيابة العامة في أبوظبي 100 قضية بتهمة تزوير محررات رسمية للقضاء، خلال 6 أشهر فقط.
ووفق ما أفاد به مكتب النائب العام، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إماراتية، فإن 40% من قضايا التزوير تتعلق بشهادات دراسية
- مركز لغسل الأموال
وإضافة إلى انتهاك حقوق الملكية والتزوير، فإن الإمارات باتت في السنوات الأخيرة أحد مراكز جرائم غسل الأموال وتبييضها، بحسب تقارير دولية.
وكشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، في مارس من العام الماضي، انخراط مؤسسات مالية بالإمارات في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات.
وصنف التقرير الإمارات من ضمن البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال، لتكون الدولة الخليجية الوحيدة التي تدخل ضمن هذا التصنيف.
وذكر أن جزءاً من نشاط غسل الأموال في الإمارات يرتبط بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتَجة في جنوب غربي آسيا، مشيراً إلى أن جرائم غسل الأموال وتبييضها بالإمارات تشمل بشكل رئيسيٍّ، القطاع العقاري وتجارة الذهب والألماس.
وأوضح تقرير الخارجية الأمريكية أن نقاط الضعف بالنظام المالي الإماراتي تتمثل في عدم وضع ضوابط وتعريفات للكيانات المالية بالمناطق الحرة، وفرض الرقابة عليها بما يكفل سد الفجوات في الرقابة.
معهد "بازل" الدولي لمكافحة غسل الأموال، أفاد أيضاً في تقريره السنوي لعام 2017، بأن الإمارات تحتل المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة.
وجاءت الإمارات، وفقاً للتقرير ذاته، في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج العربي في مجال مكافحة غسل الأموال.
وفي تقرير صادر عن الحكومة البريطانية، منتصف العام الماضي، جاءت الإمارات على رأس قائمة الدول العشر الأولى التي يتجه إليها المجرمون البريطانيون عندما يريدون غسل أموالهم.
وأوضح التقرير، الذي نشره موقع "بزنس إنسايدر" الأمريكي، أن الإمارات أصبحت أهم محطات إعادة التدوير النقدي غير الشرعي في العالم.
ويضاف إلى ما سبق من مؤشرات وتقارير دولية، اعتراف المصرف المركزي الإماراتي، في عام 2017، بأن جرائم غسل الأموال في البلاد ارتفعت بنسبة 30% عام 2016، رغم القوانين التي صدرت في مجال مكافحتها.