الخليج أونلاين-
يبدو أن إخفاق دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع حد لعمليات غسل وتبييض الأموال، رغم دخولها بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المرتبطة بذلك، مقصود؛ في ظل تجميعها لعدد كبير من رجال الأعمال الذين يبيضون أموالهم، حتى باتت في السنوات الأخيرة إحدى الوجهات الرئيسية في العالم لهذه الجرائم.
وصنفت العديد من التقارير الدولية الإمارات على أنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات تبييض وغسل الأموال، التي يقدر حجمها العالمي سنوياً بنحو تريليوني دولار، أي ما نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب تقديرات أصدرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في أغسطس 2018.
وعمليات غسل أو تبييض الأموال جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير شرعي، لغرض حيازتها، أو التصرف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها، أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جرائم.
تبييض أموال المخدرات
وألقى تحقيق وثائقي فرنسي جديد الأضواء على مسار الأموال الناتجة عن المخدرات، وأكثر من مليار دولار تسافر دون أن تترك أثراً من باريس إلى دبي، مدينة المال الإماراتية.
وتوقف برنامج "Cash Investigation"، الذي بث على قناة "فرانس 2 "، يوم الثلاثاء (29 أكتوبر 2019)؛ عند عالَم تبييض أموال المخدرات في باريس ودبي وبلجيكا والمغرب، كاشفاً أن هذه المبالغ الطائلة تتدفق إلى دبي في شكل سيولة بعيداً عن الضرائب؛ حيث يقوم المتاجرون بهذه المادة بتبييض الأموال ثم إعادة استغلالها من جديد.
Il a récupéré des millions d'euros au volant de son... ambulance. C'est un "collecteur", petite main du blanchiment du trafic de cannabis. #CashInvestigation pic.twitter.com/EdOgKDZ2no
— France 2 (@France2tv) October 30, 2019
وقد تتبع فريق التحقيق الذي أجراه الصحفي نيكولا فسكوفتشي مسار الأموال القذرة في رحلتها الطويلة من باريس إلى دبي مروراً ببلجيكا والمغرب، والتي تنتهي أحياناً بضخها في مؤسسات، ويتم وضع هذه الأموال في مصارف إماراتية متعددة، ليتم إدخالها إلى النظام المصرفي الدولي على شكل استثمارات أو تحويلات عادية.
كما أوضح الوثائقي أن "كميات الذهب تهرب إلى شركة كالوتي للمجوهرات، ومقرها دبي، على يد وسطاء من بروكسل حيث تقوم الشركة باقتناء كميات الذهب وتحويل الأموال عن طريق شركة الفردان للصرافة في الإمارات، والتي تتولى من جهتها تحويلها بعد ذلك إلى عدة دول من حول العالم على شكل استثمارات في شركات أو تحويلات عادية".
ولفت التحقيق المثير أن السلطات الإماراتية التي ليس لديها أي قانون يعنى بمكافحة تهريب الأموال وغسلها؛ تغض تماماً البصر عن أنشطة الشركات المشبوهة العديدة التي تنشط في دبي بمجال غسل الأموال القذرة الآتية من تهريب المخدرات، وتتعامل مع أباطرة تجارة الموت في العالم.
وقال ميشال توب، مؤلف كتاب "الوجه الخفي للإمارات"، في لقاء مع قناة "الجزيرة": إن "دبي أو الإمارات من أهم الأماكن التي يتم فيها تداول المال القذر في العالم، فالتسريبات كشفت عن تبييض رجال أعمال أوروبيين المال القذر في الإمارات".
وأضاف توب أن "ما نكتشفه في التحقيق الفرنسي أن دبي باتت مركزاً يجري فيه تبييض أموال قذرة جداً؛ هي الأموال القادمة من التجارة بالمخدرات".
الإمارات مركز رئيسي للتبييض
وكشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، في مارس 2017، انخراط مؤسسات مالية في الإمارات في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات.
وصنف التقرير الإمارات من ضمن البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال، لتكون الدولة الخليجية الوحيدة التي تدخل ضمن هذا التصنيف.
وذكر أن جزءاً من نشاط غسل الأموال في الإمارات يرتبط بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا.
وأشار إلى أن جرائم غسل وتبييض الأموال في الإمارات تشمل بشكل رئيسي القطاع العقاري وتجارة الذهب والألماس.
وأوضح تقرير الخارجية الأمريكية أن نقاط الضعف في النظام المالي الإماراتي تتمثل في عدم وضع ضوابط وتعريفات للكيانات المالية في المناطق الحرة، وفرض الرقابة عليها بما يكفل سد الفجوات في الرقابة.
وطلب التقرير من الإمارات بذل المزيد من الجهد، وزيادة قدراتها ومواردها للتصدي لعمليات غسل الأموال.
وفي عام 2016 أكد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية بشأن الإرهاب أن الجماعات الإرهابية استغلت الإمارات كمركز لتعاملاتها المالية.
مركز لتمويل الإرهاب
من جهته أفاد معهد "بازل" الدولي لمكافحة غسل الأموال في تقريره السنوي للعام 2017، بأن الإمارات تحتل المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة.
وجاءت الإمارات، وفقاً لذات التقرير، في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج العربي في مجال مكافحة غسل الأموال.
يشار إلى أن تصنيف معهد "بازل" حول غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب، هو المؤشر الوحيد في هذا المجال عالمياً.
ويعمل التصنيف على تقييم مخاطر الدول في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تقييم مستوى مكافحتها في الدولة، وعوامل أخرى ذات علاقة؛ منها: الشفافية المالية، ومدى فعالية النظام القضائي في الدولة.
وفي تقرير صادر عن الحكومة البريطانية، منتصف 2017، جاءت الإمارات على رأس قائمة الدول العشر الأولى التي يتجه إليها المجرمون البريطانيون عندما يريدون غسل أموالهم.
وأوضح التقرير، الذي نشره موقع "بزنس إنسايدر" الأمريكي، أن الإمارات أصبحت أهم محطات إعادة التدوير النقدي غير الشرعي في العالم.
وإضافة لما سبق من مؤشرات وتقارير دولية، فقد اعترف المصرف المركزي الإماراتي، في عام 2017، أن جرائم غسل الأموال في البلاد ارتفعت بنسبة 30% عام 2016، رغم القوانين التي صدرت في مجال مكافحتها.
وتعد شركة "وول ستريت للصرافة"، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال بالشرق الأوسط، ومكتبها الرئيسي في إمارة دبي، مركزاً رئيسياً لغسل أموال عصابات المخدرات العالمية والجماعات الإرهابية.
وكشف تقرير لقناة "ABC" الأمريكية، في فبراير 2018، عن تمويل حكومة دبي لشركة "وول ستريت"، للقيام بعمليات غسل أموال استنزفت مئات الملايين من أستراليا.
وأشار التقرير إلى أن الشركة التي كان يديرها الباكستاني الطاف خاناني، المعتقل حالياً بالولايات المتحدة، أجرت عمليات نقل أموال دولية من خلال عمليات تبادل العملات المتعددة.
وأفاد بأن شبكة خاناني قامت بغسل ما بين 14 مليار دولار و16 مليار دولار سنوياً لمنظمات إجرامية في أنحاء العالم.
عمليات تبييض بارزة
صحيفة "الغارديان" البريطانية تناولت أيضاً، في تقرير لها، أشهر عمليات تبييض الأموال بالإمارات وخاصة بإمارة دبي.
وذكرت الصحيفة أن المليونير الهندي ريش كومار جين، المعتقل حالياً في نيودلهي الهندية، هو أحد أكبر غاسلي الأموال في العالم، وكانت معظم أنشطته يقوم بها من إمارة دبي، حيث اتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات.
وبحسب الصحيفة، فإن اقتصاد الإمارات مبني على النقد والسيولة المالية غير المشروعة، مشيرة إلى أن "هذه الدولة الخليجية هي المكان الذي تقوم فيه المافيا الروسية وتجار المخدرات العالميون بتنظيف نقودهم القذرة".
ومن أبرز الأدلة على ذلك ما قاله السفير الأمريكي في أفغانستان، أنطوني واين، للصحيفة البريطانية بأن 10 ملايين دولار تهرَّبيومياً من كابول إلى دبي في حقائب صغيرة معظمها تأتي من تجار الهيروين الأفغان.
كما نقلت الصحيفة نفسها عن مستثمرين أجانب في الإمارات قولهم: إن "القوانين الجديدة بالإمارات لمكافحة غسل الأموال لم يكن لها أي تأثير ملموس".
وفي العام 2014، واﻓﻖ المجلس الوطﻨﻲ اﻻﺗﺤﺎدي بدولة الإمارات على مشروع قانون بشأن مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.
ويهدف مشروع القانون الجديد إلى دعم عملية تحديث منظومة مواجهة غسل وتبييض الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، والالتزام بالمعايير الدولية، من خلال استيفاء متطلبات وتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية.
ولعل ما يثبت النظرية السابقة، ما كشفه فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، في فبراير 2018، عن أن "خالد"، نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، استخدم حساباً مصرفياً في الإمارات لغسل مبلغ يقدر بنحو 84 مليون دولار في ديسمبر 2014.
وبهدف تسهيل غسل تلك الأموال أنشأ "خالد" شركة في الإمارات تدعى "ريدان إنفستمنت ليميتد"، وحوّل الأموال إلى حساباتها.
وأكد فريق الخبراء الدولي أن لديه أدلة تشير إلى أن نجل الرئيس اليمني الراحل أنشأ الشركة المذكورة كوسيلة لأنشطة غسل الأموال لحساب أفراد يمنيين مدرجين في قائمة العقوبات الدولية، ومن ضمنهم والده علي عبد صالح.
ولا ترتبط عمليات غسل الأموال بالإمارات بالأجانب فقط، فقد وجهت السلطات السويسرية، عام 2016، تهماً لاثنين من المسؤولين في الإمارات تتعلق بالتورط بقضايا فساد وغسل أموال وعمليات نهب وسرقة، استهدفت صندوقاً استثمارياً ماليزياً تبلغ قيمته مليار دولار، بحسب ما نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وذكرت الصحيفة، في أغسطس 2016، أنها اطلعت على وثيقة تكشف بأن سويسرا حققت بوجود أنشطة غسل أموال وفساد واحتيال، والضلوع في مؤامرة دولية لنهب صندوق ثروة ماليزي، لرئيس مجلس الإدارة لشركة الاستثمارات البترولية الدولية (آيبيك)، خادم القبيسي، وهي شركة مملوكة لحكومة أبوظبي.
وبحسب المعلومات التي نشرتها الصحيفة البريطانية، فإن التحقيقات طالت- إلى جانب القبيسي- مسؤولاً إماراتياً آخر هو محمد بدوي الحسيني، الذي كان يشغل منصباً كبيراً في شركة "آبار" المملوكة لحكومة أبوظبي.
وحتى الآن لم يحاكم المسؤولان الإماراتيان، اللذان أُعفيا من منصبيهما وجمِّدت أصولهما المالية عام 2015.