متابعات-
أعاد اسم المطلوب الأول بقضايا فساد في ماليزيا، وظهوره بدولة الإمارات العربية المتحدة، تسليط الضوء على هذا البلد الذي تحول إلى ملاذ آمن للفاسدين حول العالم، والذي تحول إلى واجهة مفضلة للعصابات وعناصر المافيا، ومأوى لسارقي وناهبي أموال وثروات بلدانهم والملاحقين في قضايا فساد.
وأصبحت الإمارات إحدى أكبر الدول التي تمنح حصانة للأثرياء، وتحمي أباطرة التجارة غير الشرعية بكل أنواعها من مخدرات وسلاح وذهب وألماس، كما تحولت إلى مركز عالمي لغسل الأموال.
وتعرف عمليات غسل أو تبييض الأموال بأنها جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير شرعي، لغرض حيازتها أو التصرف فيها، لكن الإمارات لم تعد تهتم بذلك الأمر، وسط اتهامات دولية لها بأنها أصبحت مركزاً لغسل وتبييض الأموال.
آخر الهاربين إلى الإمارات
مطلع نوفمبر 2019، كشفت وسائل إعلام ماليزية عن وجود المطلوب الأول بقضايا فساد في ماليزيا بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وقالت صحيفة "ماليسيا كيني" عن متحدث باسم لو تيك جو، المتهم بتبديد مليارات الدولارات من صندوق سيادي ماليزي، إنه حصل على لجوء سياسي في الإمارات!
واتهم قائد الشرطة الماليزية، عبد الحميد بدر، جهات لم يحددها بتوفير الحماية لـ"جو لو"، مشدداً على أن "إلقاء القبض عليه يتطلب صبراً، وقد يستغرق وقتاً".
ويُعرف "جو لو" على نطاق واسع في ماليزيا بأنه عراب صفقات الفساد، لا سيما المتهم بها رئيس الوزراء السابق، نجيب عبد الرزاق، والمرتبطة بالصندوق السيادي "شركة ماليزيا واحدة للتنمية"، التي يُعتقد أنها تكبدت خسائر بمليارات الدولارات في عمليات غسل أموال طالت عدة دول، منها السعودية والإمارات.
في ديسمبر 2016، أصدرت محكمة فلسطينية حكماً غيابياً بالسجن لثلاث سنوات بحق محمد دحلان، القيادي السابق في حركة فتح، بتهم تتعلق بالفساد، كما حكم على الرجل الذي أصبح حالياً المستشار الخاص بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بإعادة مبلغ 16 مليون دولار أمريكي.
وطرد دحلان في 2011، من اللجنة المركزية لحركة فتح الفلسطينية بتهمة الفساد، وغادر إلى مصر ومن بعدها إلى الإمارات.
وفي يونيو 2012، أصدرت محكمة جرائم الفساد الفلسطينية حكمها الغيابي بالسجن والغرامة المالية على محمد رشيد، المستشار الاقتصادي السابق للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والمتواجد حالياً بالإمارات، واسترداد المتحصلات البالغة قيمتها نحو 34 مليون دولار.
أحمد علي وفاسدون يمنيون
ومن أكثر الشخصيات جدلاً الذين تؤويهم أبوظبي أحمد علي عبد الله صالح، الذي توفر له الحماية هو وأسرته، بالرغم من الحرب القائمة في اليمن منذ 2015، والتي تشنها الإمارات والسعودية ضد الحوثيين والرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح قبل رحيله.
ويتهم اليمنيون نجل صالح بتحويل مليارات الدولارات إلى الإمارات، إضافة إلى امتلاكه بشكل واضح مدينة كاملة بنيت بالطراز اليمني القديم وكلفته عشرات الملايين من الدولارات.
وفي يناير الماضي، كشف تحقيق استقصائي امتلاك مسؤولين يمنيين وأقارب الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، عقارات في جزيرة النخلة في دبي، تتراوح قيمة العقار الواحد ما بين 650 ألف دولار و3.8 ملايين دولار أمريكي.
ووفق التحقيق كان أبرز الشخصيات التي استحوذت على عقارات في جزيرة النخلة في دبي هو توفيق صالح، ابن شقيق صالح، الذي استحوذ على إدارة الشركة الوطنية للتبغ والكبريت (1998-2012)، ويملك عقارات بقيمة 15 مليون درهم إماراتي، إضافة إلى مسؤولين يمنيين آخرين.
من سوريا ومصر وليبيا
وتؤوي الإمارات أيضاً شقيقة رئيس النظام السوري بشار الأسد بشرى، كما سمحت لرموز النظام بالاستثمار فيها، ومنهم رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خالة بشار الأسد.
كما استضافت الإمارات عدداً من رموز الفساد في نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وكان من أبرزهم رئيس وزراء مصر الأسبق، أحمد شفيق، الذي هرب إلى الإمارات في يونيو 2012، خوفاً من إدانته في عدد من قضايا الفساد، ثم غدرت به مرة أخرى وأرسلته إلى مصر.
كما هرب إلى الإمارات أيضاً وزير العدل المصري السابق، أحمد الزند، خوفاً من الملاحقة القضائية في عدد من قضايا الفساد.
وتؤوي الإمارات كذلك عدداً من رموز الفساد في نظام العقيد الليبي معمر القذافي؛ منهم محمود جبريل وزير التخطيط في عهد القذافي، وعبد المجيد مليقطة، أحد الرموز المهمة في تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه جبريل.
وآسيويين أيضاً
وبعيداً عن المنطقة العربية، احتضنت الإمارات عدداً من رموز الفساد حول العالم، منهم رئيسة الوزراء التايلاندية السابقة ينجلوك شيناواترا، التي تواجه تهم فساد.
كما أن رئيس الحكومة الباكستاني الأسبق، برويز مشرف، المتهم بعدة قضايا فساد، سارع بالهرب إلى دبي بحجة السفر لتلقي العلاج الطبي بعد أن أمرت المحكمة العليا في باكستان الحكومة برفع الحظر عن سفره.
وفي القائمة كذلك الرئيس الباكستاني السابق آصف علي زرداري، الذي هرب إلى الإمارات خشية القبض عليه بتهمة اختلاسات مالية تصل إلى مليارات الدولارات، بعد إلقاء القبض على أقرب معاونيه.
حصانة للأثرياء
في مارس 2019، أدرج الاتحاد الأوروبي الإمارات ضمن القائمة السوداء لدول "الملاذات الضريبية"، والتي تعني وفق المؤسسات المالية الدولية، أنها تتبع إجراءات مصرفية تساعد عملاءها الأجانب على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية.
ومن الشائع الحصول على إقامة في الإمارات وإنشاء شركة هناك واستخدام ضريبة المقيم، التي بموجبها يمنع تدفق المعلومات إلى السلطات الضريبية في أماكن أخرى.
ووفق تقرير الاتحاد الأوروبي، فإن الإمارات تقدم تسهيلات خارجية تهدف إلى جذب الأرباح دون مضمون اقتصادي حقيقي.
وفي الواقع فإن الاتحاد الأوروبي ليس أول من يتهم الإمارات بمثل هذه الاتهامات، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، واجهت الإمارات العديد من الاتهامات حول استخدام بعض قطاعاتها الاقتصادية في جريمة غسل الأموال.
دبي الملاذ
وكان القطاع العقاري الأبرز، حيث تبرز إمارة دبي على الساحة الدولية في مجال غسل الأموال، ووجود ممارسات مشبوهة في قطاع العقار.
وفي تقرير لها عن هجرة المليونيرات، سلّطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على إمارة دبي التي اعتبرتها خير مثال على هذه الظاهرة، مشيرة إلى هروب 5 آلاف مليونير إلى دبي في 2017، ما أدى إلى زيادة حجم قاطنيها من الأغنياء بنسبة 6%.
وبحسب منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي) التي كشفت في تقريرها السنوي عن مؤشر الفساد في العالم، في فبراير الماضي، أن دبي أصبحت ملاذاً عالمياً لغسل الأموال، ويمكن "للفاسدين وباقي أصناف المجرمين" شراء عقارات فاخرة دون أي قيود، كما اتفقت جهات أخرى في تقاريرها مع ما خلصت إليه المنظمة.
كما صدر في 12 يونيو 2018، تقرير عن مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، حول استخدام سوق العقارات في دبي خلال السنوات الماضية ملاذاً لغسل أموال كثير من منتفعي الحرب وممولي الإرهاب ومهربي المخدرات حول العالم.
التقرير اعتمد على بيانات عقارية رسمية مسربة تثبت حدوث عمليات شراء مشبوهة للشقق والفيلات في جميع أنحاء الإمارات، متحدثاً عن 7 أفراد معروفين يخضعون لعقوبات من جانب الولايات المتحدة استطاعوا مجتمعين، اعتباراً من مايو 2018، امتلاك 44 عقاراً تزيد قيمتها على 28.2 مليون دولار، إضافة إلى 37 من العقارات الأخرى نجحوا في امتلاكها من خلال شبكاتهم بقيمة 78.8 مليون دولار.