كريستين ديوان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، قدمت حكومة رئيس الوزراء "جابر مبارك الصباح" استقالتها إلى أمير الكويت، بسبب ضغوط من البرلمان. وتم استجواب وزيرين حكوميين أمام مجلس الأمة الكويتي؛ حيث استقالت وزيرة الأشغال العامة وشؤون الإسكان "جنان بوشهري"، تحسبا لتصويت متوقع بحجب الثقة. وبدا وزير الداخلية "خالد الجراح الصباح" في خطر لملاقاة نفس المصير.
ولا تعد مثل هذه التحديات السياسية، التي لا يُسمع عنها في أي مكان آخر في الخليج، نادرة في الكويت، ولا حتى إجراء تعديلات في مجلس الوزراء لتجنب إقالة وزير من العائلة الحاكمة عبر تصويت البرلمان. وفي الأيام الحرجة من احتجاجات 2011، أجبر الضغط البرلماني رئيس الوزراء "ناصر المحمد الصباح"، الذي تم اتهامه بارتكاب فضيحة فساد تنطوي على رشوة برلمانيين.
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، انتقد نجل أمير البلاد، وزير الدفاع الكويتي ونائب رئيس الوزراء "ناصر صباح الأحمد الصباح" كل من رئيس الوزراء "جابر المبارك" ووزير الداخلية "خالد الجراح"، بسبب فشلهم في توضيح مخالفات مالية في صندوق الجيش تم اتكابها إبان خدمة الأخير في منصب وزير الدفاع في الحكومة السابقة، وطالب بإقالة وزير الداخلية المتورط كشرط مسبق للانضمام إلى حكومة جديدة. ورد الأمير بإقالة كل من "خالد الجراح" و"ناصر الصباح"، (ابنه)، من الحكومة، وسلم رئاسة الوزراء إلى وزير الخارجية "صباح الخالد الصباح".
وتأتي هذه الدراما السياسية عالية المخاطر في الوقت الذي تستعد فيه الكويت للانتخابات البرلمانية، المقرر إجراؤها في عام 2020. ومن المتوقع أن يتمكن البرلمان من مناقشة تبعات هذا التداول السياسي، ما يعطي هذه الانتخابات وزنا سياسيا إضافيا. وفي هذا السياق، من الواضح أن المسرح السياسي يجري إعداده، مع اختبار تحالفات جديدة وأخرى قائمة. وتتركز كل الأنظار على توازن القوى في المستقبل داخل البرلمان والأسرة الحاكمة.
المنافسات البرلمانية
وبدأ الطرق على الحديد الساخن بعد وقت قصير من بدء الدورة البرلمانية الجديدة في سبتمبر/أيلول. وفي غضون شهر، كان أعضاء البرلمان قد وضعوا جانبا دعوة الأمير للوحدة السياسية وأطلقوا طلبات متعددة لاستجواب وزراء الحكومة. وتبقى هذه الاستجوابات هي الوسائل الدستورية التي يمتلكها البرلمانيون من أجل مساءلة الحكومة، وتعد طريقة مجربة للظهور بمظهر المدافع عن المصالح الشعبية.
وكان الاستجواب الأول لحليف لوزير الدفاع "ناصر صباح"، وزيرة الأشغال العامة "جنان بوشهري"، التي تم اتهامها بسوء إدارة الوزارة، خاصة عدم الاستعداد للفيضانات التي تسببت في أضرار جسيمة في الكويت. وعندما أصبح من الواضح أنها لن تنجو من تصويت بحجب الثقة، فإنها اختارت الاستقالة. لكنها لم تفعل ذلك دون قتال، حيث أصدرت خطابا عنيفا ألقت فيه باللائمة في سقوطها على أرباب المصالح التجارية الأقوياء الذين عرقلوا محاولاتها لإصلاح الوزارة، قائلة: "أصبح الإصلاح مستحيلا. ففي قاعة عبد الله السالم (قاعة البرلمان الرئيسية)، أصبحت الشركات أقوى من الإصلاح، والمصالح السياسية والشخصية أقوى من المصالح الوطنية".
وتصاعد الخطاب السياسي ضد الفساد في الكويت، بينما تشتد المظاهرات في العراق ولبنان المجاورين. وقبل أسبوع واحد فقط، تم توجيه دعوة للاحتجاج على "تويتر" مع وسم "#بس_مصخت"، أي (هذا يكفي)، من قبل عضو برلماني سابق دعا إلى خروج الآلاف من الكويتيين لمظاهرة مرخصة أمام مبنى البرلمان.
وكان الفساد هو الموضوع الرئيسي في استجواب وزير الداخلية "خالد الجراح"، الذي تم اتهامه بسوء إدارة وزارة طغت عليها المحسوبية السياسية. وقبل أن يتجه البرلمان نحو التصويت بسحب الثقة، وأظهر الحلفاء البرلمانيون للحكومة دفاعا حماسيا عنها، حيث صرح عضو البرلمان "عودة الرويعي" قائلا إنه يفضل "حكومة فاسدة، عن عدم وجود حكومة على الإطلاق". ولكن رئيس الوزراء حسم هذا الجدال معلنا استقالة الحكومة بأكملها.
"ناصر الصباح" يقوم بحركته
وقد اكتسبت هذه الإجراءات البرلمانية بالفعل أهمية سياسية أوسع. ويعد قرار استهداف الوزيرين، اللذين يعد أحدهما حليفا لوزير الدفاع والآخر مقربا من رئيس الحكومة، بمثابة جولة قتال بالوكالة داخل البرلمان. ويُعتبر وزير الدفاع "ناصر الصباح"، الذي يرأس أيضا مجلس التخطيط الاقتصادي الذي يشرف على رؤية الكويت 2035، مرشحا رائدا ليصبح ولي العهد القادم. ويُشار إلى أن رئيس البرلمان "مرزوق الغانم" يميل إلى "ناصر الصباح" ويرغب بالتصويت على جعل استجواب "خالد الجراح" علنيا.
ومع ذلك، فبدلا من المضي قدما وفقا لقواعد اللعبة المعتادة، مع إجراء مفاوضات حكومية لإعادة تشكيل مجلس الوزراء، أُصيبت الحكومة بصدمة بسبب توجهات "ناصر الصباح". وفي وقت سابق من هذا العام، أنشأ وزير الدفاع لجنة للنظر في حسابات صندوق للجيش يديره سلفه، وزير الداخلية الأخير، "خالد الجراح". وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، قام بتسليم أدلة مفصلة عن المخالفات إلى ديوان المحاسبة والنائب العام. وفي هذه الأثناء، بدأ تداول نسخ مسربة من ملفات الفساد بين الجمهور الكويتي عبر تطبيق "واتساب".
وفي مواجهة فضيحة تورط "خالد الجراح" ورئيس الوزراء "جابر المبارك" في الفساد، أقال أمير الكويت كل من وزير الداخلية المتهم، وابنه "ناصر الصباح"، من الحكومة. وعندما رفض "جابر المبارك" العودة كرئيس للحكومة، عيّن الأمير بدلا منه وزير الخارجية الدائم، "صباح الخالد الصباح"، وهو عضو متمرس في العائلة الحاكمة من غير المرجح أن يستعدي أو يهدد أي من المنافسين الواقعين في الخلاف.
إغراءات ومخاطر مغازلة الجمهور
وتم الآن تكليف رئيس الوزراء الجديد، "صباح الخالد"، بتشكيل حكومته. وستكشف الحكومة الجديدة طبيعة التوازنات السياسية داخل الأسرة الحاكمة، حيث أصبحت ثلاث وزارات سيادية، وهي الداخلية والدفاع والشؤون الخارجية، شاغرة الآن.
وإذا استعاد "ناصر الصباح" منصبا قياديا، فسيشير ذلك إلى أنها كانت مناورة للحصول على بعض المكاسب السياسية. وكان "ناصر الصباح" قد أكد إنه سيعود فقط بعد إبعاد المنافسين السياسيين وتوفير خطة إصلاح يستطيع تقديمها إلى الجمهور الكويتي. ومن المحتمل أيضا أن يكون قد حسن وضعه داخل البرلمان الذي يتمتع بالسلطة الدستورية للموافقة على أو رفض اختيار الأمير لولي العهد القادم.
وإذا تم ترك "ناصر الصباح" خارج مجلس الوزراء، فقد يشير ذلك إلى أن الأمير قد حسب أن نشر ابنه العلني للمخالفات المالية داخل الأسرة الحاكمة ينطوي على الكثير من المخاطر. وبالفعل، تعمل بعض أحزاب المعارضة نفسها التي ساهمت في سقوط رئيس الوزراء عام 2011 على صقل رسالتها السياسية. وأصدرت الحركة الدستورية الإسلامية (الجناح السياسي لجماعة الإخوان في الكويت) والمنبر الديمقراطي الكويتي بيانات طالبت بتشكيل حكومة جديدة تحارب الفساد وتتجنب المحسوبية، ودعت أيضا إلى العفو عن السياسيين والناشطين المدانين باقتحام البرلمان في عام 2011 احتجاجا على الفساد السياسي. وتدافع الحركتان أيضا عن الإصلاحات الانتخابية التي يعتقدان أنها ستقوي القاعدة الشعبية للبرلمان.
وفي الوقت الحالي، أصدر الأمير طمأنة شخصية بأن الحكومة تأخذ الفساد على محمل الجد، وأن القانون سيتم تطبيقه على قدم المساواة، بغض النظر عن المنصب. وفي هذه الأثناء، قام النائب العام بمنع أي نقاش علني حول القضية، ونقل ملف سوء إدارة صندوق الجيش إلى محكمة وزارية متخصصة، لم تصدر إدانة حتى الآن.
وعلى مدار العقدين الماضيين، بدأت الأسرة الحاكمة الكويتية تنشر نزاعاتها في العلن، حيث قام الأعضاء المتنافسون بتنظيم حملات عامة لإلحاق الضرر بالخصوم وتعزيز مكانتهم. ومع وجود النظام السياسي المنقسم من الداخل، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الإشارات نحو الشفافية ستقوي النظام السياسي، أو ستكون أداة لتآكل الاحترام القائم للأسرة الحاكمة. وما بين الإجابتين تبدو المخاطر السياسية مرتفعة لكل من الكويت وأسرة "الصباح" الحاكمة.