عامر ذياب التميمي- البيت الخليجي-
مذ أعلن عن تعيين الشيخ صباح الخالد الصباح رئيساً جديداً للوزراء أثار العديد من المراقبين للشأن المحلي الكويتي أهمية إختيار فريق وزاري كفء وقادر على مواجهة الاستحقاقات السياسية في البلاد وفي مختلف المجالات.
وتأتي المسألة الإقتصادية كأولوية تتطلب معالجات حكيمة وذات فعالية. لم تتمكن الحكومات السابقة، وعلى مدى زمني طويل، من ضبط آليات الإنفاق وفشلت خلال السنوات الخمس الماضية من ترشيد ذلك الإنفاق بعد أن تراجعت إيرادات النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات الخزينة العامة بفعل تراجع أسعار النفط.
تبلغ تقديرات الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2019/2020 ما يربو على 21 مليار دينار كويتي أو ما يبلغ 70 مليار دولار أمريكي. وحققت الميزانية العامة خلال السنوات الأربع الماضية عجزاً فعلياً وإن قل عن التقديرات التي جرى إعتمادها في الميزانية العامة لتلك السنوات المالية الماضية.
وكما هو معلوم تم تمويل العجز من خلال السحب من الاحتياطي العام للدولة ويشير مراقبون بأن قيمة الاحتياطي العام في تراجع مستمر وقد لا يتجاوز في الوقت الراهن أكثر من 21 مليار دينار أو 70 مليار دولار، وإذا استمرت الميزانية العامة بمستوياتها الراهنة وظلت الإيرادات دون تحسن ولم يتم ترشيد الإنفاق العام فإن هناك إمكانية استنفاد الاحتياطي العام خلال سنوات قليلة قادمة.
بطبيعة الحال، يمكن للحكومة أن تقوم بالاقتراض من الأسواق المالية المحلية والأجنبية ولكن ذلك يستلزم تشريع قانون للدين العام، وهناك مشروع لرفع سقف الدين العام إلى 25 مليار دينار (83 مليار دولار أمريكي). هناك مقاومة سياسية ترفض اللجوء لأدوات الدين حيث لا يوجد هناك من يتحمس لتحميل الحكومة ديوناً عامة كبيرة قد تضطر إلى تخصيص بنود في الميزانيات العامة القادمة تحت مسمى خدمة الدين.
هل يمكن للحكومة أن تقنع مجلس الأمة بأهمية ترشيد الإنفاق خصوصاً الإنفاق الجاري وتحديداً بندي الرواتب والأجور والدعم واللذين يمثلان أكثر من 70 في المئة من قيمة الميزانية ؟ توظيف المواطنين الكويتيين في الحكومة ومؤسسات القطاع العام من أهم المعضلات التي تعطل ترشيد الإنفاق. ويقدر عدد المتدفقين إلى سوق العمل من الكويتيين بأكثر من عشرين ألف سنوياً. هذا في الوقت الذي تحاول الحكومة توجيه أعداد كبيرة من الكويتيين للانخراط في وظائف مؤسسات القطاع الخاص لكن لا يبدو أن مثل هذا الأمر يسيراً في ظل طبيعة ومساحة أعمال القطاع الخاص وضعف التأهيل المهني للكويتيين.
وضعت الحكومة قبل حين تصورات للتنمية وأقرت ما يطلق عليه “رؤية الكويت 2035” وطرح مشروع طريق الحرير وتطوير منطقة شمال الكويت والجزر وإقامة منتجعات سياحية، واعتبرت تلك التصورات ملائمة لتنويع القاعدة الاقتصادية والابتعاد عن الاعتماد شبه الوحيد على إيرادات النفط. لكن مثل تلك التصورات ربما لم تأخذ بنظر الاعتبار المحددات الاقتصادية الموضوعية وانعدام الميزات النسبية للعديد من الأنشطة المقترحة، وربما يتعين على الحكومة الجديدة، بالرغم من قصر المدة المتوقعة لاستمرارها، أن تراجع فرضيات تلك الرؤية ومسألة تمويل المشاريع المقترحة ضمنها ومدى قدرة تلك المشاريع على توظيف العمالة الوطنية المتوقع تدفقها لسوق العمل… بيد أن البحث عن مصادر لتنويع إيرادات الخزينة العامة تظل أساسية، وذلك ربما يتطلب وضع قانون لضرائب الدخل وتطبيق ضريبة القيمة المضافة المتفق عليها خليجياً.. أما تنويع القاعدة الاقتصادية فإن هناك أهمية للبحث عن تنويع أنشطة القطاع النفطي وتطوير صناعات البتروكيماويات وتعزيز أنشطة التكرير والنقل.
وبالإضافة لذلك، لابد من تخفيض استهلاك النفط محلياً واستخدام بدائل وقود مناسبة لتوليد الطاقة الكهربائية وترشيد استهلاك وقود السيارات من خلال رفع أسعار البنزين. مثل هذه التطورات في قطاع النفط واستخدامات المشتقات قد تساعد على رفع صادرات النفط الخام وزيادة إيرادات النفط.
يتعين على الحكومة العتيدة أن تولي مسألة التنمية البشرية أولوية ومن ثم تسعى لمراجعة النظام التعليمي والبحث عن وسائل وآليات لتحسين مخرجاته. هناك الكثير من الملاحظات والمقترحات ومشاريع الإصلاح التي طرحت خلال السنوات الماضية والمتعلقة بالتعليم والتي يجب أن تحظى باهتمام السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء.
وكما هو معلوم، التعليم الأساسي مازال يفتقر للجودة حيث أن الهيئات التدريسية في المدارس في مختلف المراحل بعيدة عن الكفاءة، ولا تزال أعداد المعلمين والمعلمات من مواطني البلاد محدودة وبعيدين عن التخصصات الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية وكذلك اللغة العربية. ثم أن أعداد الطلبة تتزايد بنسب نمو عالية سنوياً بما يجعل معدل المدرس إلى الطلبة مرتفعاً وغير مقبول، كذلك تظل التجهيزات المدرسية من بناء ومختبرات ومكتبات ومساحات أنشطة رياضية وغيرها دون المستوى الملائم.
تنفق الكويت أموالاً طائلة على التعليم ولكن جل هذه الأموال تخصص للرواتب والإجور للهيئات التعليمية والإدارية.. كما أن التعليم العالي يفتقر إلى المستويات الأكاديمية المقبولة دولياً ، ولا تزال البلاد فقيرة في مجال التعليم المهني الأساسي والضروري لتعزيز مساهمة المواطنين في سوق العمل والتخفيف من الإعتماد على العمالة الوافدة الماهرة…
الجامعات في الكويت، جامعة الكويت والجامعات الخاصة، والتي تقبل الآلاف من خريجي الثانوية العامة سنوياً تصنف بمستويات متدنية في القياسات الأكاديمية الدولية ومن المهم النظر في مسألة تعزيز كفاءتها والإرتقاء بنوعية خريجيها. ربما أولت الحكومة الجديدة، بالرغم من قصر عمرها المتوقع، مسألة التعليم والتنمية البشرية الاهتمام المناسب خلال الشهور القادمة فإن الكويت قد تتمكن من إحداث نقلة نوعية في عملية التنمية البشرية خلال السنوات القادمة قد تسمح بتعزيز القدرة على تنويع القاعدة الاقتصادية.
غنيٌ عن البيان أن هناك قضايا هامة تتصل بالشأن الإقتصادي تتطلب معالجات سريعة، وأخرى متأنية، ومن أهم هذه القضايا موضوع الاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت وكيفية إقناع الشركات المتخصصة ورجال الأعمال لتوظيف أموالهم في البلاد وفي القطاعات الحيوية مثل المرافق، الكهرباء والإتصالات وخدمات البنية التحتية وربما قطاع النفط.
تمكنت دول خليجية مثل السعودية والإمارات وقطر من جذب رؤوس أموال أجنبية هامة وظفت في القطاعات الأساسية في حين ظلت الكويت بعيدة عن المنافسة في جذب الأموال الأجنبية. ربما أصبحت سوق الكويت للأوراق المالية أكثر جاذبية بعد أن تم ترقية تصنيفها ضمن الأسواق الناشئة ، لكن الجاذبية يجب أن تقترن بجاذبية أكثر شمولية للعمل الاقتصادي في الكويت. وهكذا يصبح من الأهمية قيام الحكومة الجديدة بالتعجيل من الإصلاحات القانونية التي تمكن الكويت من التحول إلى بيئة اقتصادية مقبولة من المستثمرين.
يظل التذكير بأن الحكومة الجديدة بصرف النظر عن كفاءة أعضائها سوف تواجه مجلس الأمة الحالي وتعسفه في المطالبات الشعبوية حيث أن الكثير من الأعضاء يريد أن يسجل بأنه ساهم في إقرار قوانين تمنح المواطنين المزيد من المزايا والعطايا. هذه مسألة هامة تتطلب قدرات سياسية ملائمة من قبل أعضاء مجلس الوزراء الجديد ومواجهة المطالبات الشعبوية التي قد تعطل إصلاح السياسات المالية وتزيد الأعباء على الخزينة العامة. ولذلك، ما هو مطلوب هو تعزيز قدرة النظام السياسي بأكمله وليس مجلس الوزراء فقط، في تطوير سياسات مالية واقتصادية متوائمة مع إمكانيات البلاد وأهداف التنمية الإقتصادية المستدامة.