الخليج الجديد-
"بداية أزمة مالية أكبر من تلك التي شهدتها عام 2008".. هكذا وصف مراقبون التداعيات المتوقعة على الاقتصاد الإماراتي بعد هروب الملياردير الهندي "بي آر شيتي" من الإمارات في الوقت الذي يواجه فيه 5 قضايا قانونية بتهمة نهب مليارات الدولارات من 12 بنكا وطنيا.
القصة أخذت منحنى جادا في 2 أبريل/نيسان الجاري، عندما صدر مرسوم اتحادي باسم الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان"، رئيس دولة الإمارات، بتعيين "عبد الحميد سعيد" محافظا لمصرف الإمارات المركزي، تزامنا مع حديث متداول عن خسائر كبيرة تعرض لها البنك، وكشف مجلة "أرابيان بيزنس" لهروب "شيتي" خارج البلاد.
سافر الملياردير الهندي، البالغ من العمر 77 عاما، جوا إلى بلاده قبل نحو شهر، واكتشف المسؤولون الإماراتيون أنه لا ينوي العودة، خاصة بعدما تمكن من نقل 6.6 مليار دولار خارج الإمارات، رغم توجيه اتهامات بالاحتيال إلى شركة "إن إم سي" للرعاية الصحية، التي يملكها، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتعليق تداول أسهمها في بورصة لندن.
حصل "شيتي" على هذه الأموال كقروض من نحو 80 بنكا محليا وإقليميا ودوليا، ولم يتم تسجيل معظمها في في ميزانية "إن إم سي" (وبالتالي لم يتم الإفصاح عنها للمساهمين)، ودخل جزء منها فى الحسابات البنكية لمسؤوليها بشكل مباشر، لتقرر المحكمة العليا فى لندن وضع إدارة المجموعة تحت الإشراف القضائي.
وقد خرجت الفضيحة للعلن بعد أن شككت شركة "مادي ووترز" الأمريكية للتدقيق المالي في الأوضاع المالية لـ "إن إم سي" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتبدأ سلسلة من الاستقالات بمجلس إدارة الشركة، شملت المؤسس الهندي الهارب والرئيس التنفيذي للشركة ونائبه وقيادات أخرى.
وتوالت إفصاحات البنوك والشركات المدرجة في أسواق الأسهم بالإمارات، في الأيام الأخيرة، حول ارتباطها بأزمة "إن.إم.سي"، وجاءت أكبر حصة من الديون لصالح مجموعة بنك أبوظبي التجاري، الذي كشف في بيان أرسله لبورصة أبوظبي أن شركة الرعاية الصحية المتعثرة مدينة له بنحو 4.2 مليارات درهم (1.14 مليار دولار) بما يعادل 17.3% من إجمالي ديون الشركة المعلنة.
وأعلن البنك أنه تقدم، في 2 أبريل/نيسان الجاري (يوم تغيير محافظ البنك المركز الإماراتي)، بطلب للمحكمة العليا في بريطانيا للسماح بتعيين حارس قضائي على "إن إم سي".
كما أعلن بنك دبي الإسلامي عن ديون على الشركة بقيمة 1.98 مليار درهم، فيما أعلن بنك أبوظبي الإسلامي عن ديون بقيمة 1.1 مليار درهم، وفيما بلغت قيمة ديون بنك الإمارات دبي الوطني 747.3 مليون درهم، فيما توزعت باقي ديون الملياردير الهارب على بنوك وشركات مالية أخرى.
هروب الرساميل
وقد تسبب هروب هذا الكم من الأموال في أزمة كبيرة داخل دولة الإمارات، خاصة أنه تزامن مع التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، الذي تسبب في أزمة سيولة حادة نتيجة أكبر انسحاب لرؤوس الأموال الأجنبية منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ففي شهر مارس/آذار الماضي وحده، شهدت الأسواق الناشئة هروب نحو 83 مليار دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، الذي عدّ هذا الرقم قياسيا، لأنه يفوق قيمة الاستثمارات المنسحبة خلال أزمة 2008، بخلاف كونه حدث خلال فترة زمنية أقل.
وشهدت بورصات المنطقة، خاصة في أبوظبي ودبي، أغلب هذه الانسحابات، بقيمة بلغت 50 مليار دولار، حسب بيانات المعهد الدولي، ما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن الأسواق الناشئة على وشك مواجهة تحديات قاسية وسط أزمة مالية طاحنة.
وللدلالة على عمق هذه الأزمة، يكفي أن نشير أن هناك 85 دولة خاطبت صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة الفنية أو المالية، بما يمثل ضعف عدد الدول التي طلبت المساعدة خلال أزمة عام 2008، وفقا لتقرير نشرته "فايننشال تايمز".
وبحسب تقدير إدارة الأصول في شركة "جي أي إم" للسندات، فإن "الأسوأ لم يأت بعد نظرا لأن موجات هروب رؤوس الأموال لا تزال متواصلة بما يعني انخفاض تقييمات كثير من الأصول المالية في الأسواق الناشئة"، وفقا لما أوردته الصحيفة البريطانية.
فضيحة فساد
ثمة أزمة ثانية نتجت بسبب هروب "شيتي" وهي ترجع إلى علاقة الملياردير الهندي الوثيقة بحكام الإمارات، إلى حد لعبه دورا بارزا في "الحرب الاقتصادية ضد قطر" بعد إعلان الإمارات والسعودية والبحرين ومصر قطعا شاملا للعلاقات مع البلد الخليجي الصغير في 5 يونيو/حزيران 2017.
وفي هذا الإطار، يشير المحلل الاقتصادي القطري "خالد الخاطر" أن أبو ظبي كانت قد جندت "شيتي" لقيادة عملية من شأنها ضرب قيمة الريال القطري، وباءت المحاولة بالفشل، وفقا لما أوردته قناة الجزيرة.
وسبق أن حذر "الخاطر" من دور "شيتي" الاقتصادي في مقابلة مع القناة القطرية، في 30 يونيو/حزيران 2017، مؤكدا أن الملياردير الهندي، الذي يمتلك شركة "ترافل إكس" العالمية وشركة الإمارات للصرافة، قاد تحركا جماعيا للامتناع عن تداول الريال القطري؛ بهدف خفض قيمته وإثارة الارتباك بالتزامن مع حملة إعلامية ضد الدوحة تستهدف إثارة الهلع، بما يدفع الجمهور القطري للتخلص من العملة المحلية، ويدفع رؤوس الأموال للهرب، ما قد يؤدي إلى انهيار مالي وزعزعة استقرار الاقتصاد القطري في النهاية.
و"ترافل إكس" هي شركة وساطة مالية تقوم ببيع وشراء العملات الأجنبية، ولديها معاملات مالية مع أكبر البنوك والشركات الاستثمارية العالمية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن مصرف قطر المركزي فتح تحقيق في "محاولات الإضرار بالاقتصاد الوطني عن طريق التلاعب في أسواق العملة والأوراق والمشتقات المالية"، وكشفت النتائج ضلوع بنوك إماراتية فيها.
هذا يعني أن هروب "شيتي" من الإمارات لم يكن ليتم دون فضيحة فساد كبرى أبطالها قيادات ببنوك إماراتية ذوي علاقة بحكام الدولة، وهو ما ألمح إليه الأكاديمي "عبد الخالق عبدالله"، المستشار السابق ولى عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، متسائلا عبر تويتر: "كيف استطاع رجل أعمال أن يخدع ليس بنكا واحدا بل 12 بنكا من أكبر بنوك الإمارات وينهب 6.6 مليارات دولار. كيف حدث هذا التحايل والفساد الفاضح؟ أين الحوكمة والرقابة المالية والأمنية؟".
ولذا يلفت الإعلامي القطري "جابر الحرمي"، عبر تويتر، إلى أن قضية "شيتي" تمثل "ورطة" للسلطات الإماراتية لأن أي تحقيقات جادة سوف تكشف تورط مسؤولين كبار سهلوا لرجل الأعمال الهارب الحصول على قروض من 12 بنكا.
ويرجح "الحرمي" أن "شيتي" هرب بأموال قيمتها "أضعاف ما هو معلن"، و"لا تستطيع الإمارات الإفصاح عنها أو إصدار مذكرة عبر الإنتربول للقبض عليه؛ لأن المتورطين معه مسؤولين إماراتيين كبار" حسب قوله.
الأرقام الحقيقية التي استولى عليها الملياردير الهندي #شيتي من #الامارات أضعاف مضاعفة لنا أعلن عنه وهو 24 مليار درهم ..
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) April 13, 2020
ولا تسطيع #الامارات الإفصاح عنها أو رفع دعاوى أو إصدار مذكرة عبر الأنتربول للقبض عليه .. لأن المتورطين معه وشركائه مسؤولين إماراتيين كبار ..
غضب داخلي
بخلاف ذلك، يبدو أن القضية خلفت قدرا كبيرا من الاستياء الشعبي، مع قدر كبير من الانتقادات لتعامل الدولة وبنوكها مع الملياردير الهندي وتقديمها التسهيلات له مقارنة بما جرى مع مواطنين تعطلت مصالحهم بسبب تداعيات جائحة كورونا في الوقت الذي رفضت فيه البنوك إقراضهم.
وتعدى أثر المردود الاجتماعي إلى حد مطالبة مقربين من ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، بينهم "عبدالخالق عبدالله"، إلى محاسبة كل من له علاقة بالاحتيال في قضية "إن.إم.إس"، وتوطين قطاع البنوك، خاصة رؤساء إدارات المخاطر، مشيرا إلى أن أغلب هؤلاء من الأجانب الذين يملكون قرار إخراج مليارات الدولارات من البنوك الوطنية.
لا بد من محاسبة كل من له علاقة بالاحتيال في قضية NMC وشركة الصرافة حسابا عسيرا واسترداد المليارات لمستحقيها من دائنين وبنوك وعدم الثقة بعد اليوم بمثل هذا المستثمر المحتال فهناك عشرات غيره يعملون عبر وسطاء محليين جشعين لديهم مليارات الدنيا. كفاية نهباً وتلاعبا وتسيبا بحقوق الناس https://t.co/ouhT3xtt72
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) April 7, 2020
كومار وكيشور وبابو وجوزيف وغيرهم من مدراء ورؤساء ادارات المخاطر في البنوك الوطنية بيدهم قرار من يحصل على مليارات القروض. لا بد من توطين هذا القطاع حالاً.
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) April 9, 2020
ووصلت حالة الغضب هذه إلى مستوى القيادة الإماراتية، حسبما يقرأ عديد المراقبين من تعليق نائب رئيس شرطة دبي السابق "ضاحي خلفان" على القضية، إذ أبدى تعجبه من إقراض "غريب" مليارات الدولارات، وطالبت بتولي مسؤولين من "جهاز أمن الدولة" إدارة المخاطر بالبنوك الوطنية.
كومار وكيشور وبابو وجوزيف وغيرهم من مدراء ورؤساء ادارات المخاطر في البنوك الوطنية بيدهم قرار من يحصل على مليارات القروض. لا بد من توطين هذا القطاع حالاً.
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) April 9, 2020
ومن المتوقع أن يتسبب ذلك في مفاقمة تداعيات جائحة كورونا الاجتماعية، خاصة بعدما تسببت إجراءات كبح انتشار الفيروس في انهيار نشاطات حيوية، خاصة في دبي التي تعتمد على السياحة والتسوق والخدمات المالية.
وفي السياق ذاته، تحذر شركة التقييمات المالية "فيتش" من أن المصارف وأسواقق العقارات في الإمارات ستعاني من مخاطر جديدة بسبب تراجع أسعار الممتلكات والقروض، وفقا لما نقلته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية.
وبينما كان "معرض "إكسبو دبي 2020" الفرصة الأخيرة للإمارات لتعويض انهيار قطاعات وشركات رئيسية فيها قبل جائحة كورونا، تسبب تأجيل المعرض في مفاقمة الآثار الاجتماعية المتوقعة لقضية "شيتي".
وجاء تأجيل المعرض بطلب رسمي من حكومة الإمارات، التي اقترحت إقامته في الفترة من أول أكتوبر 2021، إلى 31 مارس/ آذار 2022؛ بسبب جائحة كورونا، بحسب بيانٍ للمكتب الدولي للمعارض، الذي تشترط لائحته موافقة ثلثي الدول الأعضاء (عددها 170) على قرار التأجيل.