الخليج الجديد-
يسلط هروب ملك إسبانيا السابق "خوان كارلوس"، المتهم في قضايا فساد، إلى دولة الإمارات، الضوء على تحول البلد الخليجي إلى قبلة للهاربين، ومأوى للملاحقين قضائيا، حول العالم.
ويقيم "كارلوس" في أحد أغلى الفنادق في العالم بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، في وقت تواصل فيه المحكمة العليا الإسبانية، النظر في تسلمه رشوة بقيمة 100 مليون دولار من ملك السعودية الراحل، كعمولة من مناقصة مشروع القطار السريع بين مكة والمدينة.
وتقول تقارير نشرتها صحيفة "آي بي سي" الإسبانية، إن الملك "كارلوس" (82 عاما) ، كان يتردد كثيرا على الإمارات التي زارها خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكان يحمل معه كل مرة 5 ملايين دولار من طرف حكام الإمارات.
ومن إسبانيا إلى سوريا، ومن مصر إلى اليمن، ومن باكستان إلى ماليزيا وتايلاند، كانت ولا تزال، الإمارات، ملاذ رؤساء وملوك، ورؤساء حكومات، ووزراء، ورجال أعمال، ملاحقين بتهم فساد.
عائلة "الأسد"
وتعد أبوظبي الوجهة المفضلة لرموز وعائلة رئيس النظام السوري "بشار الأسد"، منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.
وتستضيف الأراضي الإماراتية "بشرى الأسد" شقيقة "بشار الأسد"، التي أقامت في مدينة دبي عقب اغتيال زوجها "آصف شوكت" رئيس الاستخبارات السورية في منتصف العام 2012.
وتحظى الدولة الخليجية، مقابل ذلك، بحصة ثمينة من الأموال السورية المهربة خارج البلاد، حيث تستضيف عددا من أبرز رجال الأعمال المقربين من النظام السوري، أبرزهم "رامي مخلوف" ابن خالة "الأسد".
أسرة "صالح"
وعلى المنوال ذاته، استقطبت بنوك دبي، الكثير من الأموال اليمنية التي حولت بعد عام 2011، بحوزة عدد من رموز نظام الرئيس اليمني الراحل "علي عبدالله صالح".
وتعتبر الإمارات المركز المالي الاقتصادي الأول لعائلة "صالح"، وتأوي نجله "أحمد" الذي كان يعمل سفيراً لليمن في أبوظبي، وله استثمارات ضخمة هناك.
ويمتلك أقارب الرئيس اليمني الراحل، عقارات في جزيرة النخلة في دبي، تتراوح قيمة العقار الواحد ما بين 650 ألف دولار و3.8 ملايين دولار أمريكي، من أبرزهم "توفيق صالح"، ابن شقيق "صالح".
رجال "مبارك"
ومن أبرز الأنظمة المخلوعة في المنطقة العربية، التي فر رموزها إلى الإمارت، نظام الرئيس المصري الراحل "حسني مبارك"، عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
وتصدر نائب الرئيس ورئيس الاستخبارات المصرية الراحل "عمر سليمان" القائمة، حيث غادر القاهرة بصحبة أسرته إلى الإمارات، العام 2012، وكان يعد مرشحها المفضل في رئاسيات مصر، العام ذاته، قبل أن يتم استبعاده؛ بدعوى عدم توافر الشروط فيه.
وتلا مغادرة "سليمان"، هروب آخر رئيس وزراء في عهد "مبارك"، الفريق "أحمد شفيق" المرشح الرئاسي الخاسر أمام الرئيس الراحل "محمد مرسي" في الانتخابات الرئاسية منتصف 2012.
ومكث "شفيق" في الإمارات حتى العام 2018 قبل أن يعلن ترشحه مجددا لخوض انتخابات الرئاسة ضد الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي"، لكن جرى ترحيله إلى مصر وفرض الإقامة الجبرية عليه.
ومن أبرز الفارين إلى الإمارات، وزير العدل المصري الأسبق، المستشار "أحمد الزند" في 2016، بعد إقالته من منصبه وتحويله للتحقيق بسبب إساءته إلى النبي "محمد صلى الله عليه وسلم".
"دحلان" وآخرون
ومن القيادات الفلسطينية المشبوهة المقيمة في الإمارات، القيادي الفتحاوي المفصول "محمد دحلان"، الذي يعمل مستشارا أمنيا لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".
ويعد "دحلان" من أبرز المطلوبين على قوائم الإرهاب التي وضعتها تركيا، بتهمة التورط في المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف العام 2016.
وتعد الإمارات "دحلان" كبديل لرئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس"، وهو رأس حربتها في العديد من العمليات القذرة التي تنفذها في الخارج.
وهناك المستشار الاقتصادي لنظام الزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي"، "محمود جبريل"، الذي انضم لاحقا إلى الثورة الليبية عام 2011 وتولى منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة، ثم غادر البلاد وأقام في الإمارات ومصر، قبل أن يموت مؤخرا في القاهرة، مصابا بفيروس "كورونا".
ومن باكستان، تستضيف الامارات، الرئيس الباكستاني السابق "آصف علي زرداري"، المتهم بالاختلاس المالي، ورئيس الحكومة الباكستانية الأسبق "برويز مشرف" المتهم بعدة قضايا فساد.
وتتهم وسائل إعلام ماليزية، الإمارات، بمنح اللجوء السياسي للمطلوب الأول بقضايا فساد في ماليزيا "جو لو"، المتهم بتبديد مليارات الدولارات من الصندوق السيادي الماليزي.
وتقيم في دبي، كذلك، أسرة الديكتاتور التايلاندي "تاكسين شيناواترا"، تجنبا لأحكام بالسجن في تهم فساد.
ملاذ آمن
وتضع منظمة الشفافية الدولية (مقرها برلين)، الإمارات كوجهة مفضلة للفارين من العدالة والمتهمين بقضايا فساد، باعتبارها جزءاً من منظومة عالمية لغسل الأموال.
ووفق المنظمة، فإن السلطات في الإمارات لا تتعاون مع الشركاء الدوليين، ما يجعلها مركز جذب وملاذا آمنا للمجرمين، بحيث يستطيع الفاسدون والمجرمون شراء عقارات فخمة من دون أي قيود، ما يؤكد ارتباطها بفضائح فساد كبرى عابرة للحدود.
والعام الماضي، أدرج الاتحاد الأوروبي، الإمارات، ضمن القائمة السوداء لدول "الملاذات الضريبية"، التي تساعد عملاءها الأجانب على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية.
وتقدر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عدد الهاربين إلى إمارة دبي، من مختلف دول العالم بـ5 آلاف مليونير، ما يعني تحولها إلى مركز مشبوه للأثرياء، والمال القذر.
ويحمل توالي وقائع هروب الكبار نحو الإمارات، رغبة في استقطاب أموالهم واستثماراتهم من ناحية، ولا حقا استغلال نفوذهم الاقتصادي والسياسي؛ للعب دور في بلدانهم والتأثير على المسار السياسي فيها.