الخليج اونلاين-
شهدت السنوات القليلة الماضية تحركاً خليجياً ملموساً باتجاه مكافحة جرائم الفساد وغسل الأموال، وإن كان بعض هذه الخطوات قد اتخذ لأهداف سياسية.
فخلال الأشهر الماضية تصاعدت وتيرة مكافحة الفساد في دول الخليج، سواء عبر إقرار قوانين أو تشكيل لجان أو إنشاء مؤسسات لذلك الغرض، فضلاً عن العديد من القضايا الكبرى التي جرت إحالة المتورطين فيها لهيئات التحقيق.
وقد احتلت دولة قطر مكانة متقدمة على المستوى الخليجي؛ فجرى اختيارها مركزاً دولياً للتدريب في مجال مكافحة الفساد، كما أنها حلّت في المرتبة الـ30 عالمياً بهذا المضمار، حسب نتائج منظمة الشفافية الدولية.
قطر في المقدمة
واتخذت الدوحة خطوات هامة لوضع الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد موضع التنفيذ؛ كان أبرزها إقامة مركز لهذا الغرض عام 2009. كذلك وقَّع "مركز حكم القانون ومكافحة الفساد الوطني" القطري اتفاقية شراكة، في أغسطس 2019، مع معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، بمدينة جنيف السويسرية.
وتهدف الاتفاقية إلى جعل الدوحة مركزاً للتدريب في مجال مكافحة الفساد، عبر تقديم برنامج تدريب متقدم لعدد يزيد على 1200 شخص من مختلف الدول.
وفي عام 2016 صبّ "مركز حكم القانون ومكافحة الفساد" في قطر اهتمامه على محاربة هذه الظاهرة، واختير اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يصادف التاسع من ديسمبر، موعداً لإطلاق جائزة "الشيخ تميم للتميز في مكافحة الفساد".
وصادق أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على قانون "مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، كما أعلنت الهيئة العامة للجمارك في قطر، في فبراير الماضي، بدء تطبيق نظام الإقرار الجمركي عن الأموال المنقولة عبر الحدود؛ وذلك لمنع تنفيذ عمليات غسل أموال.
الكويت.. تحرّك واسع
ومنذ تفشي فيروس كورونا المستجد شنّت الحكومة الكويتية حملة واسعة لمكافحة الفساد وغسل الأموال، وهي الحملة التي تسببت في إحالة عدد من كبار المسؤولين إلى التحقيق.
وحالياً، تواصل جهات التحقيق الكويتية عدداً من القضايا الكبرى في مقدمتها "الصندوق الماليزي"، و"النائب البنغالي" و"شبكة فؤاد الإيراني" و"مشاهير السوشيال".
وتشمل قضيتا الصندوق الماليزي والنائب البنغالي عدداً من النواب والمسؤولين السابقين والحاليين، المتهمين باستغلال النفوذ وتلقي الرشا وغسل الأموال. كما تضم قضية المشاهير مؤثرين اجتماعيين وإعلاميين يواجهون الاتهامات نفسها.
وقد أكد الأمير الجديد للبلاد، إبان تفويضه بالقيام ببعض الصلاحيات الأميرية في يوليو الماضي، أنه سيواصل الحرب على الفاسدين حتى لو كانوا من الأسرة الحاكمة.
وفي عام 2019 أطلقت الكويت استراتيجية "من أجل الكويت" لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد خلال خمس سنوات مقبلة، بدعم من الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد.
وبدأت الحكومة خلال الشهور الماضية، وبدعم من مجلس الأمة، تشكيل عدد من اللجان للتفتيش على المؤسسات الكبرى التي تحوم حولها شبهات فساد، وخاصة قطاع النفط الذي كشفت لجنة التحقيق، في يوليو، أن الخسائر الناجمة عن سوء الإدارة فيه تجاوزت 3 مليارات دينار (9.7 مليارات دولار).
وفي يوليو الماضي، تمكنت السلطات الكويتية من ضبط ما يعرف بـ"شبكة فؤاد الإيراني"، وهي شبكة متهمة بارتكاب عمليات غسل أموال واسعة، وتضم مسؤولين بينهم 7 قضاة، وعدد من المحامين.
السعودية.. محاسبة وتصفية حسابات
وخلال السنوات الثلاث الماضية اتخذت المملكة خطوات كبيرة في مكافحة الفساد لكنها كانت في جزء منها آلية لتصفية حسابات سياسية بين ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وخصومه السياسيين.
وكانت واقعة احتجاز عشرات الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال في فندق "ريتز كارلتون" الرياض عام 2017، هي التجلي الأشهر لهذه المعركة السياسية التي دارت تحت مظلة القانون، حيث جرى إطلاق سراحهم لاحقاً مقابل مبالغ مالية قالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية إنها تراوحت بين 50 و100 مليار دولار.
كما شهدت السنوات الماضية إعفاء مسؤولين كثر من مناصبهم على خلفية فساد مالي واستغلال نفوذ. وكان آخر هذه الخطوات إعفاء قائد حرس الحدود و5 مسؤولين بارزين من مناصبهم وإحالتهم للتحقيق، نهاية أغسطس الماضي، بسبب "شبهات فساد" متعلقة بأحد أكبر المشاريع السياحية لمحمد بن سلمان.
ونهاية 2019 أصدر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، مراسيم ملكية تتعلق بمكافحة الفساد والجهات القائمة عليه.
وتقول السلطات إنها استردت 400 مليار دولار (مليار ومئة مليون دولار) من خلال التحقيق مع المسؤولين ورجال الأعمال في قضايا الفساد، وهو مبلغ يعادل عشرة أضعاف عجز موازنة البلاد في 2019.
ومنتصف مارس الماضي، أعلنت السعودية احتجاز 298 من المسؤولين الحكوميين، بينهم ضباط بالجيش والشرطة وقضاة، بتُهم تتضمن الرشوة واستغلال النفوذ وتبديد المال العام، وقالت إن محققين سيوجهون إليهم اتهامات.
وقالت هيئة "نزاهة" السعودية لمكافحة الفساد، على حسابها على موقع تويتر، إنها اعتقلت 298 شخصاً تمهيداً لاتهامهم بجرائم كالرشوة والاختلاس وسوء استغلال النفوذ، في الحصول على مبالغ وصلت قيمتها إلى نحو 101 مليون دولار.
وأوضحت الهيئة أنه بعد التحقيق الإداري مع 893 شخصاً، أوقف 298 شخصاً منهم، لتوجيه الاتهام إليهم في قضايا فساد مالي وإداري.
وكشفت الهيئة أن المحتجزين بينهم ضباط بالجيش في الخدمة ومتقاعدون، ومسؤولون في وزارة الداخلية، وقضاة.
وفي يوليو الماضي، وافق مجلس الشورى السعودي على مشروع نظام مكافحة التستر على الفساد. وحصلت المملكة على المرتبة الثالثة عربياً والـ51 عالمياً في مؤشر 2019.
البحرين.. استهداف المعارضين
أما البحرين فقد دأبت على استغلال جريمة الفساد لكبح معارضي النظام الذين تتهمهم المنامة بالعمل لحساب إيران، وقد أصدرت، في يوليو الماضي، أحكاماً بتغريم خمسة بنوك بينها بنك "المستقبل"، بمبالغ كبيرة بتهمة غسل الأموال لصالح البنك المركزي الإيراني، الذي كان أيضاً بين المتهمين.
وقضت المحكمة الكبرى الجنائية في البحرين، 8 يوليو الماضي، بإدانة وتغريم 5 مسؤولين في بنك بحريني وثلاثة بنوك إيرانية، في قضية غسل أموال بغرامات تقدر بـ36 مليون دينار بحريني (95.48 مليون دولار)، ومصادرة مبالغ التحويلات التي ناهزت المليون دولار، فضلاً عن سجن بفترات متفاوتة لخمسة مسؤولين.
وأصدر النائب العام البحريني علي بن فضل البوعنين، الاثنين (5 أكتوبر)، قراراً يقضي بإنشاء نيابة الجرائم المالية وغسل الأموال، يرأسها محامٍ عام ويعاونه عدد من أعضاء النيابة العامة.
وجاء القرار تنفيذاً لأحكام المرسوم الملكي بإصدار القانون رقم (29) لسنة 2020 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبموجب القانون ستختص النيابة الجديدة بنظر جرائم الرشوة، والاختلاس، وتسهيل الاستيلاء على المال العام، والإضرار العمدي بالمال العام بقصد التربح.
الإمارات تحرّك مشوب بالاتهامات
وعلى الرغم من تحقيق دولة الإمارات مستويات متقدمة في مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد الرسمية، فإن تقارير أممية تؤكد أن هذا البلد العربي يعتبر قبلة عالمية لغسل الأموال والعمليات المشبوهة.
وخلال الشهور الماضية وجهت الإمارات عدة ضربات قوية لعصابات غسل الأموال، فقد أعلنت شرطة دبي، أواخر يونيو الماضي، ضبط واحدة من أخطر عمليات الاحتيال الإلكترونية العالمية في عملية أطلقت عليها "صيد الثعالب 2".
وجرى خلال العملية ضبط عصابة يتزعمها أحد مشاهير التواصل الاجتماعي يدعي "رامون عباس" وهو نيجيري الجنسية، ويعرف باسم "هاشبوبي"، متهم بالاستيلاء على أموال الغير بطريقة احتيالية، وجرائم غسل أموال خارج الدولة، واختراق لمواقع وحسابات إلكترونية.
وقالت شرطة دبي إن العصابة أجرت عمليات نصب واحتيال وغسل أموال تجاوزت ملياراً و600 مليون درهم (نحو 450 مليون دولار)، إلى جانب ضبط مبالغ تفوق الـ 150 مليون درهم.
ومطلع يوليو، سلمت السلطات الإماراتية المتهم (هاشبوبي) إلى الولايات المتحدة. وأعرب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (إف بي آي)، كريستوفر ري، عن تقدير بلاده البالغ لدولة الإمارات على إنجازها الكبير في مكافحة الجرائم المالية وغسل الأموال.
عُمان.. تقييم الأداء
ورغم أن سلطنة عمان لا تعاني جرائم مالية كبيرة،فإنها أعلنت خلال منتدى "التوعية الخامس عن المعاملات المشبوهة" الذي استضافته في مارس 2019 أنها بصدد تقييم أدائها في مجال مكافحة غسل الأموال.
وقال طاهر بن سالم العمري، الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني، رئيس لجنة مكافحة غسل الأموال، إن المنتدى يأتي ضمن سلسلة جهود التوعية بمشروع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأوضح أن هذه الجهود انصبت على التوعية فيما يتعلق بعملية التشريعات، ونحن مقبلون على تقييم دولي فيما يتعلق بقدرة السلطنة والأجهزة الموجودة فيها على مكافحة هاتين الجريمتين.