هاري ديفيز- الجارديان -
لا يشترك صف المنازل التي بنيت في الستينيات مع حدائق غير مرتبة على طريق مسدود هادئ بالقرب من ريتشموند على نهر التايمز في الكثير مع سفارة الإكوادور المبنية من الطوب الأحمر في "نايتسبريدج"، حيث قضى "جوليان أسانج" 7 أعوام مختبئا، على الجانب الآخر من الطريق.
كما أن مساكن الضواحي المتواضعة لديها القليل من القواسم المشتركة مع الموقع الذي ولدت فيه الملكة في وسط لندن، أو مطعم "سيكسي فيش"، وهو مطعم للمأكولات البحرية حيث يجلس رواد المطعم بين منحوتات حورية البحر لـ "داميان هيرست".
ومع ذلك، تشكل جميع تلك العقارات جزءا من إمبراطورية عقارية سرية بقيمة 5.5 مليار جنيه إسترليني يملكها أحد أغنى رؤساء الدول في العالم، الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان"، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وأمير أبوظبي.
وبالرغم من جميع تلك العناوين البارزة، كانت المحفظة الملكية محاطة بالسرية لعقود.
وقال مصدر مطلع على التعاملات التجارية لـ "خليفة": "تم إنشاء تلك المحفظة عبر صفقات تم إبرامها بهدوء على مدار أعوام عديدة".
والآن، مكنت الوثائق المسربة وسجلات المحكمة وتحليل السجلات العامة صحيفة "الجارديان" من تحديد ممتلكات "خليفة" العقارية في المملكة المتحدة، وكشفت كيف أصبح رئيس الدولة الغنية بالنفط مالكا رئيسيا لهذه الإمبراطورية في لندن.
ويبدو أن إمبراطورية "خليفة" العقارية في لندن تفوقت حتى على إمبراطورية "دوق وستمنستر"، الملياردير الأرستقراطي البالغ من العمر 29 عاما والذي يمتلك مساحات شاسعة من المدينة.
وتتضمن محفظة العقارات الشخصية لـ"خليفة"عددا كبيرا من العقارات التجارية والسكنية "فائقة الجودة".
وقد وجدت بعض الشقق في أحد المجمعات الفاخرة في المحفظة معروضة في السوق بنحو 20 مليون جنيه إسترليني للواحدة.
وتسلط الوثائق الضوء على كيف يمكن في المملكة المتحدة أن يمتلك مستثمر ثري مثل "خليفة" محفظة عقارية مترامية الأطراف، غير مكتشفة إلى حد كبير، تضم نحو 1000 مستأجر، بفضل هيكل معقد من الشركات الوهمية في الملاذات الخارجية التي يديرها أكبر شركات المحاماة في لندن.
وظهرت المصالح العقارية لـ "خليفة" في المملكة المتحدة للمرة الأولى في عام 2016، عندما قدمت تقارير صحيفة "الجارديان" عن "أوراق بنما" لمحة عن كيفية حصول رئيس الإمارات سرا على عشرات العقارات في وسط لندن بقيمة تزيد عن 1.2 مليار جنيه إسترليني.
ومع ذلك، تشير الوثائق التي اطلعت عليها "الجارديان" إلى أن ممتلكات "خليفة" تعادل ما يقرب من 5 أضعاف ذلك. وفي عام 2005 وحده، أنفق "خليفة" مليار جنيه إسترليني على 5 عقارات، وفقا لملفات المحكمة.
وبحلول عام 2015، تضخمت قيمة المحفظة إلى 5.5 مليار جنيه إسترليني مع دخل إيجار سنوي قدره 160 مليون جنيه إسترليني.
ويشير تحليل بيانات السجل العقاري إلى أن محفظة العقارات التجارية الخاصة بـ "خليفة" تضم حوالي 170 عقارا، تتراوح من قصر منعزل بالقرب من ريتشموند بارك إلى العديد من المباني المكتبية الراقية في لندن التي تشغلها صناديق التحوط والبنوك الاستثمارية.
وليس هناك ما يشير إلى ارتكاب أي مخالفات، حيث أن امتلاك العقارات في المملكة المتحدة من خلال شركات خارجية أمر قانوني تماما.
وأصبحت ممتلكات "خليفة" الآن في قلب نزاع للمحكمة العليا وهو ما أدى إلى كشف النقاب عن ممتلكاته في المملكة المتحدة.
وفي وقت سابق من هذا العام، استمعت المحكمة إلى مزاعم بأن رئيس الإمارات قام بتركيب خزانات مليئة بمياه الشرب من "إيفيان" في قصره الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر بالقرب من وندسور.
لكن تفاصيل أسلوب حياته قوبلت بمزاعم مفادها أنه منذ إصابته بجلطة دماغية في عام 2014، أصبح "خليفة"، الذي أعيد انتخابه رئيسا لدولة الإمارات في عام 2019، "عاجزا عقليا"، وهو ما نفاه محاموه.
ويدعي محامو مدير العقارات السابق "لانسر" أن الدعوى القانونية المتعلقة بالموافقة على مدفوعات معينة تم تقديمها في إطار تنافس أفراد عائلة "خليفة" للسيطرة على أصوله.
واستشهد محامو "لانسر" بوثيقة يزعمون أنها تظهر أن السيطرة على أصوله تم تسليمها سرا إلى لجنة خاصة في عام 2015.
ويبدو أن الوثيقة، التي نشرها الموقع الاستقصائي "ساراواك"، التي خرجت لأول مرة واطلعت عليها "الجارديان"، تنص على أن الأخ غير الشقيق لـ "خليفة"، الشيخ "منصور بن زايد آل نهيان"، مالك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، كان رئيسا للجنة، ما يشير إلى أن بعض العقارات الرئيسية في لندن أصبحت الآن في أيدي "منصور". فيما نفى محامون يمثلون "خليفة" أن يكون قد "تنازل عن أصوله".
ويبدو من الوثيقة أنها موقعة من قبل "خليفة"، لكن يبدو أن التوقيع يخص شقيقه الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان"، ولي عهد أبوظبي، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات وأحد أقوى الشخصيات في الشرق الأوسط.
العميل
ومنذ أواخر التسعينيات، كانت الممتلكات الشخصية لـ "خليفة" تدار من منزل مستقل من 7 طوابق يطل على فندق "دورشستر" في منطقة مايفير في لندن.
ووفقا لما ذكره شخص مطلع على عمليات "خليفة" في لندن، "يبدو المبنى مهترئا إلى حد ما عن عمد، لكنه في الواقع فخم داخليا، ويضم شركة ليختنشتاين السرية، وهولبين أنستالت التي تدير الشؤون الخاصة للعائلة المالكة".
وقالت 3 مصادر إن الشركة بدأت في الاستحواذ على عقارات في المملكة المتحدة في السبعينيات نيابة عن "خليفة" ووالده، أول رئيس لدولة الإمارات، بالإضافة إلى تلبية احتياجات العائلة.
ووفقا لموظف سابق في "هارودز"، شمل ذلك ترتيب شحنات إلى أبوظبي، حيث كانت طائرة خاصة مليئة بكل ما يريدون تتنقل باستمرار بين البلدين".
وفي التسعينيات، بدأ "خليفة"، ولي العهد الإماراتي آنذاك، ببناء محفظة عقارات تجارية منفصلة، بدءا من المباني المكتبية في شرق لندن وريدينج.
وبنصيحة من "لانسر"، قام "خليفة" بسلسلة من عمليات الاستحواذ الكبيرة، بما في ذلك 450 مليون جنيه إسترليني من الممتلكات من صندوق التقاعد لشركة النفط "بريتش بتروليوم" بين عامي 1997 و2001.
وتضمنت عمليات الاستحواذ جوهرة تاج "خليفة"، ساحة بيركلي في مايفير، و95 مبنى يحيط بها. وجعلت هذه الصفقة "خليفة" مالكا لشارع كامل، وقد أضاف إلى محفظته سلسلة من العناوين الجذابة عبر مايفير، مثل أقدم فرع لـ"بنتلي" في العالم وملهى "أنابيل" الليلي.
وتضمنت الصفقات اللاحقة مواقع رئيسية أخرى، مثل مكاتب شركة السلع العالمية "جلينكور" ومبنى "تايم لايف" في شارع نيو بوند، الذي أصبح الآن موطنا لمتجر "هيرميس" للسلع الفاخرة. واشترى "خليفة" أيضا مواقع سكنية راقية في نايتسبريدج وويستمنستر وكينسينجتون.
وبحلول عام 2015، أصبحت إمبراطوريته العقارية تنافس ما يسمى بـ"العقارات العظيمة" في لندن، وهي مساحات كبيرة من العاصمة مملوكة لعائلات أرستقراطية لقرون.
وتُظهر إيداعات الشركة أن ملكية "خليفة" قد ولدت دخلا من الإيجار في عام 2015 أكثر من عقارات جروسفينور أو كادوجان أو دي والدن.
وبالرغم من حجم المحفظة، ظلت هوية المالك على مدى عقود سرا يخضع لحراسة مشددة.
وكانت الأعمال تتم بشكل سري عبر كوكبة من شركات جزر فيرجن البريطانية، والتي كان يديرها جيش صغير من الوسطاء السريين، بما في ذلك محامون من شركات النخبة في المملكة المتحدة مثل "إيفرشيدس" و"فوكس ويليامز".
وحرص المستشارون والمحامون على عدم ذكر اسم رئيس دولة الإمارات مطلقا، وكانوا يشيرون إليه ببساطة باسم "العميل".
وقال متحدث باسم "لانسر" إن جميع العقارات "تم شراؤها بطريقة مشروعة".
وقالت "إيفرشيدس" إنها تصرفت وفقا لالتزاماتها القانونية والتنظيمية في جميع الأوقات، بينما قالت "فوكس ويليامز" إنها "تلتزم بأعلى المعايير المهنية المتوقعة من قبل المنظم ومن قبل العملاء".
واستمرت أموال أبوظبي في التدفق على العقارات "فائقة الجودة" في لندن في الأعوام الأخيرة بفضل ضعف الجنيه الإسترليني.
لكن فيروس كورونا بدأ في التأثير على ممتلكات "خليفة" التي تديرها الآن شركة مملوكة لصندوق الاستثمار العام في أبوظبي.
وتم إغلاق مطعم "بيتزا إكسبريس" في "بورتون بالاس"، ومن غير المرجح أن يعود للعمل.
ويقترب "ويليام آند سون" من الإغلاق، وهو متجر فاخر حيث يمكن شراء كل شيء على مدى عقود من البنادق إلى الأدوات الفضية.
لكن "ماريا"، البالغة من العمر 42 عاما، وهي بائعة كبيرة تعيش في ساحة بيركلي، تقول إنه لا يزال هناك الكثير من رجال الأعمال الأثرياء حولها، والذين تحاول لفت انتباههم.
وجنبا إلى جنب مع العديد من الأشخاص الذين ينامون في ظروف قاسية، تنام "ماريا" على شرائح من الورق المقوى في حديقة الساحة.
ولم يكن لدى "ماريا" الكثير من الاهتمام بمن يمتلك الساحة.
وفي حين كانت تشير إلى زوج من النعال الخفيفة البالية، قالت: "أنا أهتم بالحصول على حذاء".