عبد الهادي ناصر/ منتدى الخليج الدولي -
لطالما سعى الناشطون في الخليج لتأسيس دستور في بلادهم باعتباره وصفة سحرية لحل جميع المشاكل، لكن الكويت كانت مثالا استثنائيا حيث كان لها دستور بالفعل منذ عام 1962.
وفي حين مرت الديمقراطية في الكويت بفترات تقدم وتراجع، ظل الدستور أساس الديمقراطية الكويتية والمشاركة الانتخابية لما يقرب من 60 عاما.
ولكن يعتقد الكويتيون اليوم أن جزءا من الحكومة يقاوم الدستور وينظر إليه كعقبة في الحياة السياسية.
وفي ضوء الأزمة السياسية في الكويت وعدم قدرة مجلس الأمة على التقدم، تثير الأحداث الجارية تساؤلات حول ما إذا كان الدستور فعالا أم جرى تجاوزه.
الفساد يجمد السياسة الكويتية
لكي نجد الإجابة على السؤال، فإن علينا أن نعود إلى آخر انتخابات برلمانية عقدت في الكويت، في ديسمبر/كانون الثاني 2020.
كانت هذه الانتخابات غير مسبوقة؛ حيث فقد ثلثا الأعضاء السابقين مقاعدهم، وتمكنت المعارضة من الفوز بالأغلبية.
وعارض البرلمان الجديد الحكومة وشبكات الفساد لدرجة أنه اتهم الحكومة بتحريض الاضطرابات.
ويضرب هذا الفساد أعلى مستويات الحكومة في الكويت.
ولفهم حقيقة ذلك، يكفي أن نقول أن رئيس الوزراء السابق ووزير الداخلية تحت التحقيق الآن بسبب مزاعم الفساد.
ولكن مع انقشاع الغبار، أصبح من الواضح أن المؤسسة الكويتية ليس لديها نية التخلي عن السلطة.
ومع إن الحزب صاحب أغلبية المقاعد يشكل الحكومة عادة في أي مجتمع ديمقراطي، إلا إن الدستور الكويتي لا يمنح البرلمان هذا الحق؛ وبدلا من ذلك، يتم اختيار رئيس الوزراء من قبل الأمير.
وبالتالي، حاولت الأغلبية في البرلمان طرح تصويت بنزع الثقة في رئيس الوزراء، لكنها فشلت في ممارسة هذا الحق بسبب سيطرة الحكومة على عمل البرلمانيين. وفي الواقع، أصبح البرلمان الكويتي مجمدًا.
وتم تعطيل والالتفاف على النصوص التي منحت النواب تاريخيا الحق في استجواب رئيس الوزراء.
ولسوء الحظ، تم إعطاء هذا التوجه صبغة قانونية غريبة تلغي الحق في أي استجواب قادم لرئيس الوزراء، فيما يعد وضعًا استفزازيًا فرضته الحكومة وشبكات الفساد.
ودون أي شك، بدت الفكرة القائلة بأن الدستور هو ضامن حقوق المجتمع، وكأنها وهم يفضحه الواقع الكويتي الحالي.
العقد الاجتماعي تحت الضغط
ويمكن وصف الدستور الكويتي في الفترة الحالية ككتلة من الجليد، فهو يبدو في درجة حرارة معينة متماسكًا وصلبًا، في حماية لقلبه الداخلي من الأذى، أما في أجواء حارة من الفساد والتواطؤ وتجاهل القانون، فإن حقوق الكويتيين تتلاشى، حيث إن الدستور الذي تم سنه لصون هذه الحقوق يتعرض للذوبان.
ويعد المستفيدون من الفساد أكثر الراضين بإعاقة التغيير، لكن الحقيقة أن عليهم ألا يكونوا كذلك، لأن زيادة الوعي المجتمعي وعدم القدرة على خلق التغيير المطلوب من خلال الوسائل القانونية، سوف ينتج حتما المزيد من الغضب.
ويجب أن نتذكر أن الوضع الحالي في الخليج يشبه الوضع الذي وصفه المفكرون الأوروبيون في فترة التنوير، عندما وصف العلماء والمفكرون السياسيون مثل "جون لوك" و"جان جاك روسو" أهمية "العقد الاجتماعي" بين الملكية والسلطة، والسيناريوهات التي يتعرض فيها هذا العقد للانكسار.
وبناء على تجارب واقعية أكثر قربا وملاءمة من الوضع الخليجي ككل، فإن التجربة الإنسانية تؤكد أن تمكين شبكات الفساد وحرمان الناس من حقوقهم وأي قدرة على تغيير واقعهم للأفضل، لا تصب في صالح المجتمع بأي شكل. وإذا استمرت شبكات الفساد بضوء أخضر من الحكومة، فلن يكون هذا في صالح أحد.
ويعد الدستور الكويتي رمز قوي للقانون والعدالة، ومع ذلك فإن أي دستور (حتى الدستور الأمريكي) هو في نهاية المطاف مجرد ورق فقط وليس قوة بذاته، إذا لم يُفهم ويُطبق.
ولكي يكون الدستور مفيدا، فلا يكفي أن يكون موجودًا فحسب؛ وإنما يجب على السلطات احترام الدستور كأساس لقوانين البلاد.
وتعد هذه القناعة بالإضافة إلى مشاركة الشعوب في خلق واقع سياسي، هي الطريقة السلمية والآمنة الوحيدة لخلق دولة وظيفية والحفاظ على استقرارها.