اقتصاد » فساد

الجريمة السعودية!

في 2015/10/28

محمد اليامي- الخليج الجديد-

 السعوديون يسرقون أنفسهم. هذا هو عنوان أي عملية فساد أو سرقة للمال العام، وهي تقريباً الجريمة الوحيدة التي لا يرتكبها غالباً إلا المواطنون؛ لأن الموظف الحكومي غالباً مواطن، وهو شريك في كثير منها إذا كان فاسداً؛ ولأن المستفيد غالباً مواطن، والمنهوب المسلوب هو أيضاً مواطن.

كان عنوان إحدى الصحف السعودية أمس (الأحد) مؤلماً موجعاً؛ لأنه يكشف سرقة أبناء البلد لأنفسهم إذا جاء فيه أن هناك «500 حديقة مسلوبة في مدينة جدة»، والمقصود أنها حولت بقدرة قادر، لا يخاف من القادر العليم، إلى أملاك خاصة، ثم بِيعت أو استُخدمت في الاستثمار العقاري.

الجميل أن الأمر تحول إلى قضية رسمية؛ إذ ستنظر المحكمة الإدارية في جدة قريباً دعوى قضائية أقامها محامون متطوعون لاسترجاع هذه الملكية العامة.

التأمل عميقاً يخبرنا أن الرقم أكثر من ذلك بكثير، وإن كان هؤلاء المحامون الأبطال قد وجدوا وثائق 500 حديقة منهوبة، فهناك المئات قبلها أُخفي أثرها. وبالنظر إلى كبر مساحة السعودية وكثرة مدنها فالمتوقع أن لدينا آلاف الحالات لسلب الحدائق والمرافق العامة، وليس أدل على ذلك من استئجار مدارس في أحياء جديدة كانت على المخططات المرسومة تحوي أكثر من مدرسة حكومية مملوكة للوزارة، واستئجار كثير من مقار الجهات التي يفترض وجودها في كل حي سكني.

حسناً، سيكون مفترق طرق مهماً وحيوياً في ملف مكافحة الفساد، وستكون ضربة شرعية وقانونية واجتماعية وسياسية واقتصادية موفقة لو صدرت أحكام شديدة ضد اللصوص، وأعيدت الأراضي لتكون حدائق من جديد، وأزيل ما عليها من مبانٍ، أو إلزام السارق والمتواطئ معه بتعويض الحكومة لتعوض الناس.

يبدو حلماً جميلاً، ويعتقد بعضهم بأنه بعيد المنال نسبياً؛ لأنه سيكون ملفاً قضائياً واجتماعياً شائكاً، لكنه حلم لا يستعصي على عهد الحزم والعزم، وقد يكون بادئة لاستعادة كثير مما نهب، وهو حق مشاع للناس، فرضته الحكومة لتحقيق رفاههم وراحتهم وتقديم الخدمات لهم، وسيفتح الباب على الآلاف من قطع الأراضي التي خصصت للمرافق العامة ثم اختفت بفعل فاعل.

تطوُّع المحامون الذين يشكرهم السعوديون ليس كافياً، فأمانة مدينة جدة هنا معنية باستعادة هذه الحدائق التي يفترض أنها من صميم أهدافها وبرامجها، لماذا لا تنضم الأمانة إلى المحامين في المطالبة باستعادة هذه الحدائق؟ بل أذهب بالحلم بعيداً لماذا لا تطالب وزارة الشؤون البلدية والقروية بهذه الحدائق.

كلنا معنيون باختفاء 500 حديقة من خريطة ثاني أكبر المدن السعودية فوجود الحديقة في أي حي يشكل ملمحاً إنسانياً اجتماعياً يجب ألا نفقده، والحدائق تصنع ثقافة تتشبث في الطبيعة التي تدمر كل يوم، ويجب أن نجعل هذه القضية «الخضراء» آخر عهدنا بسواد ملف سرقة الأراضي الحكومية.